تشعر المقاومة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية بأن التهدئة لم تؤت ثمارها في وجه الخروقات الاسرائيلية المستمرة، وترى ان المقاومة أصدق من الاستمرار في خداع الذات، وانها حالة قد تحصل في أي لحظة، والمسؤول عن انفجار الوضع سيكون رئيس وزراء اسرائيل آرييل شارون. الفصائل الفلسطينية كانت وضعت حداً أقصى للتهدئة هو نهاية العام الحالي، إلا ان حماس ترى انه لم يعد لها جدوى في ظل السلوك الاسرائيلي، من عدم إطلاق الأسرى الى الاعتقالات والاجتياحات ومصادرة الأراضي والتجريف وخنق المواطن الفلسطيني في حياته اليومية. كنت هاتفت الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، الأسبوع الماضي لأعرف منه موقف المقاومة الاسلامية، إلا انه اقترح أن يهاتفني بعد اجتماعه مع الرئيس محمود عباس في دمشق، وهكذا كان. أبو الوليد قال:"التزامنا بالتهدئة هو مقابل التزام الاحتلال... ومن حقنا الرد على الخروقات الإسرائيلية". وفي حين انه يعترف بأن توازن القوى ليس في مصلحة الفلسطينيين، فإنه يقول ان من الواجب الاستعداد للمعركة بوتيرة تناسب الوضع الفلسطيني والعربي،"وكل طرف له خياراته، والمقاومة لها خياراتها، إذاً لا يجوز الاستمرار في هذه اللعبة السمجة وخداع الذات وشعوبنا، وفي حين اننا ما زلنا ملتزمين بالتهدئة، فإننا نحتفظ بحق الرد وشارون هو المسؤول، وكذلك وبدرجة ثانية الولاياتالمتحدة التي لا تضغط عليه، ما يشجعه على الاستمرار في انتهاك التهدئة". كنت في بداية حديثنا الهاتفي سألت الأخ خالد لماذا رفضت حماس الدخول في حكومة وحدة وطنية مع فتح، وهو قال انهم وجدوا ان عرض الأخوة ليس الآلية المناسبة لمعالجة الوضع الفلسطيني. هو قال ان الفصائل الفلسطينية اتفقت خلال اجتماعها في القاهرة في آذار مارس الماضي على آليات محددة: - إجراء انتخابات بلدية وتشريعية في مواعيدها، وبحسب نظام مختلط، فيكون 50 في المئة من الانتخاب على أساس الدوائر، و50 في المئة نسبي لتتاح الفرصة لتمثيل جميع القوى في المجلس التشريعي الجديد، وبما يتيح للجميع المشاركة في بناء المؤسسات الفلسطينية. - تكون المرجعية الوطنية منظمة التحرير الفلسطينية، لتمثيل الداخل والخارج، بعد إعادة بنائها على أسس وطنية وإصلاح أجهزتها. - تشكيل لجنة من جميع القوى الفلسطينية للتعامل مع الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة. وترى حماس انه اذا نفذت هذه الملفات فهي تكفي لترتيب البيت الفلسطيني من دون الحاجة إلى مبادرات وحدة وطنية، فهذا من شأنه أن يحمل الآخرين تبعات مرحلة لم يشاركوا فيها، وليسوا مسؤولين عن هزائمها والفشل فيها. الأخ خالد مشعل أكد ان الاجتماع مع الرئيس عباس كان واضحاً وصريحاً وتناول كل العناوين من تفعيل منظمة التحرير، الى الانتخابات والاستعجال بإجرائها، الى حل مشكلة البلديات، وملف الانسحاب الاسرائيلي من غزة، وتشكيل لجنة وطنية للتعامل معه، وتقويم الموقف السياسي وموقف حكومة شارون من التهدئة، وأوضاع الفلسطينيين في لبنان. حماس تعترض على تأجيل الانتخابات، وترى انه لا يوجد شيء يبرر التأجيل، أو التأخير الآن. وكان هناك حديث بحضور أبو مازن عن موعد جديد في مطلع السنة المقبلة، بعد تأجيل الموعد السابق بقرار منفرد، ومن دون توافق فلسطيني. والأخ خالد يقول انه اذا كانت الفكرة اجراء الانتخابات بعد الانسحاب الاسرائيلي من القطاع، فإنه يفترض أن يبدأ الانسحاب في أواسط الشهر المقبل، وينتهي في تشرين الأول اكتوبر، فلماذا لا تجرى الانتخابات مع نهاية هذا الشهر، أو في تشرين الثاني نوفمبر التالي. أبو الوليد يعترف بأن المستقبل غير مبشر، وآرييل شارون يتصرف على أساس انه اللاعب الوحيد وبيده كل المفاتيح، والانسحاب من غزة حل انتقالي بعيد المدى يجهض حق العودة والحديث عن مستقبل القدس ويلغي عملياً المبادرات العربية والدولية، ومع ان الموقف الأميركي شهد تحسناً محدوداً، فإنه لم يتحول الى آلية ضغط على شارون، بل هو يجاريه بانتظار اكمال الانسحاب. ويضيف ان مستقبل المواجهة مع الاحتلال متفجر لأن شارون يحمل كل الخيارات ويدير اللعبة من طرف واحد في كل عجز فلسطيني وعربي ودولي، ما سيدفع القوى الوطنية الى اتخاذ موقف آخر من التهدئة، وكل ما يفعل شارون الآن هو تسليط الضوء على سلاح المقاومة، وخلق جو تحريضي، وينتقص من قدرة حكومة أبو مازن، إلا ان السلاح لا يمكن تسليمه طالما ان هناك احتلالاً، وطالما ان هناك حاجة للرد عليه. أتوقف هنا لأقول انني شعرت وأبو الوليد يحدثني انني أمام إعادة لسيناريو هدنة صيف 2003 التي انهارت تحت وطأة الخروقات الاسرائيلية 500 في حساب حماس في أقل من شهرين، خصوصاً الاغتيالات التي انتهت باغتيال قائد الجهاد في الخليل محمد سدر، ورد رائد مسك من حماس عليه بعملية انتحارية كبيرة في القدس. أخشى أن تنهار التهدئة الحالية أمام حادث مماثل، والسيد خالد مشعل يقول انه مهما استنزف الشعب الفلسطيني وخذله المحيط العربي والاسلامي والدولي، فهو يظل على صموده وصبره وقدرته على اجتراح أدوات للكفاح تناسب المرحلة، وربما تكون ضراوة الصراع في المستقبل أشد منها في الماضي. هو كلام واضح أرجو ان تستطيع الأطراف الفلسطينية والاسرائيلية والأميركية منع قيام ظروف تؤدي اليه، لتجنب دوامة عنف جديدة.