اذا كانت الحكومة الفلسطينية ولدت بعملية قيصرية قبل ثلاثة أشهر، فإن الهدنة التي اتفقت عليها حكومة أبو مازن مع فصائل المقاومة الإسلامية كانت زواجاً بالإكراه، ومثل هذا الزواج لا يعمّر طويلاً. الهدنة، أو التهدئة كما تسميها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، كانت لثلاثة أشهر انقضى منها شهر حتى الآن، من دون أي نتائج تعادل وقف العمليات العسكرية، لذلك فكل فصيل بدأ يعيد النظر في موقفه، ويتشاور مع الفصائل الأخرى. سألت الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي ل"حماس"، عن الوضع بعد لقاء الرئيس بوش مع رئيس الوزراء الفلسطيني وعشية لقائه رئيس وزراء اسرائيل آرييل شارون. وهو قال ان أبو مازن ما كان يجب ان يذهب الى واشنطن في ظل الخروقات الاسرائىلية للهدنة، وأنه أي أبو مازن راهن على التزام شارون بالتهدئة، وعلى اتخاذ الادارة الأميركية موقفاً حازماً من الحكومة الاسرائيلية للسير في العملية السلمية، و"كلا الرهانين خاسر" في رأي الأخ خالد مشعل. فأبو مازن لم يطلع بأي موقف حقيقي، أو جديد، من الرئيس بوش، وانتقاد الرئيس الأميركي الجدار الأمني واعتباره مشكلة تجعل بناء الثقة بين الجانبين صعباً مجرّد كلام لا يكفي لوقف بناء الجدار على أراضي الفلسطينيين، وبما يعزل القرى والمدن بعضها عن بعض، والمزارع عن حقله. وقال الأخ خالد في اتصال هاتفي ان جورج بوش سقط في المستنقع العراقي ومقاومة الاحتلال، وهناك فضيحة الاستخبارات والمعلومات الزائفة التي استخدمت لتبرير الحرب، وانهيار الاقتصاد الأميركي، وكل هذا سيجعل الرئيس الأميركي يتجنّب خوض مواجهة مع اللوبي اليهودي بالضغط على اسرائيل، لذلك فهو لا يتوقع ان يحقق اجتماع جورج بوش مع آرييل شارون اليوم شيئاً إيجابياً ملموساً من ناحية الطلبات الفلسطينية. سألت الأخ خالد هل هناك خيار آخر، وردّ ان الخيار هو ان تتشدد الحكومة الفلسطينية في موقفها، فاللقاءات بين أبو مازن وشارون، والاجتماعات الأمنية المستمرّة من دون أي تغيير في الموقف الاسرائىلي، كلها تهدف الى ان تعطي اسرائيل الأميركيين رسالة هي ان الوضع طبيعي، والاتصالات مع الفلسطينيين جارية بحسب الخطة الموضوعة. "حماس" تتهم شارون بانتهاكات مدروسة، ومحدودة لئلا تنسف الهدنة، وباتخاذ خطوات "تزويقية" غير مهمة وباعلانها لتتزامن مع اجتماع أبو مازن مع جورج بوش ما جعل الرئيس الأميركي يرحب بها، ومن دون ان يلاحظ الخروقات الاسرائىلية المستمرة، مثل الاعتقالات ومصادرة الأراضي، وقتل المدنيين، والاعتداء على الحرم الشريف. وكان شارون أعلن خطوات ستشمل الانسحاب العسكري من مدينتين فلسطينيتين، وإزالة ثلاثة حواجز عسكرية، وزيادة أذون العمل للفلسطينيين في اسرائيل، الا ان "حماس" تقول اننا في مقابل ذلك هناك خروقات يومية زادت على مئة حتى الآن، والتعنّت الاسرائىلي في موضوع الأسرى يعني نسف التهدئة من أساسها، و"حماس" تعترض على العدد المقترح، وعلى "نوعية" المعتقلين المرشحين للإفراج عنهم. ومع اعلان الحكومة الاسرائىلية موافقتها على الافراج عن أسرى، من "حماس" و"الجهاد"، فإن المقاومة تنتظر التنفيذ والأخ خالد مشعل يقول ان اسرائيل لم تخط أي خطوة حقيقية في مقابل التزام فصائل المقاومة التزاماً كاملاً بوقف إطلاق النار. وهناك سوء ادارة في تعامل الحكومة الفلسطينية مع شارون لا يخدم القضية الفلسطينية أو الحكومة نفسها. وهو أضاف ان هذه الحكومة جاءت بعملية قيصرية ونتيجة لضغط خارجي، ولم تكن ولادتها طبيعية وبإرادة فلسطينية، وهي لا تزال موضع خلاف بين فصائل المقاومة، بل داخل فصيل "فتح" نفسه. "حماس" تريد الافراج عن جميع المعتقلين، بغض النظر عن التهم الموجهة اليهم، وترفض موقف الرئيس بوش انه لن يطلب الافراج عن أشخاص مارسوا الارهاب. وهي تقول انها تقوّم الوضع يومياً، وعلى اتصال بالأطراف العربية والدولية التي سعت الى التهدئة لتتحمل مسؤوليتها وتعلن الطرف المسؤول عن التوتر على الأرض، وهو توتر قد يؤدي الى عودة الوضع السابق. هل تلغي "حماس" أو "الجهاد" الهدنة قبل انتهاء مدتها؟ الأخ خالد مشعل يقول سنحدد موقفنا في اللحظة المناسبة، وسنضع المصلحة الفلسطينية فوق كل اعتبار وسنراعي هذه المصلحة". "حماس" تصرّ على ان تجربة أبو مازن مع شارون انتهت بالفشل، وهي تدعوه الى مصارحة الشعب الفلسطيني والقوى الوطنية بالحقيقة، لأن بعض مصادر الحكومة يروّج لانطباعات غير حقيقية عن ارتياح لسير الأمور، ورفض الاعتراف بالفشل. اذا كان لي ان أزيد شيئاً من عندي فهو انه على رغم استياء "حماس" و"الجهاد" من سير الأمور حتى الآن، فهما ستلزمان الحذر في خطوتهما المقبلة لأنهما لا تريدان ان تتحمّل المقاومة مسؤولية انهيار الهدنة، لذلك فرئيس الوزراء أبو مازن سيجد ان عنده وقتاً كافياً لاثبات صواب موقفه اذا استطاع ان يقدم الى الفلسطينيين إنجازات محددة ترفع الضغوط عن حياتهم اليومية، وحكومته تنفذ الالتزامات الفلسطينية ضمن "خريطة الطريق".