في أعقاب أحداث 11 سبتمبر جمع اتحاد الكتاب الدنماركيين مجموعة صغيرة من المثقفين العرب والغربيين لموقف مشترك وعمل فكري جماعي ضد مفهوم"صراع الحضارات"، وانتجت المجموعة كتاباً مشتركاً في الموضوع ** . كان نقاشنا مع زملائنا الغربيين أحياناً حادّاً ومريراً ، بلا أقنعة أو مجاملات بخصوص الضغائن المتبادلة. ومما شدّ الانتباه شجاعة جلال صادق العظم الذي اعترف بأنه شعر بالشماتة كأول رد فعل عند سماعه بالاعتداء على مبنى التجارة العالمية... وأنه جاهد للتخلص من شعور كان أول من يدرك عقمه وتفاهته. ولا شك في أن هذا أول شعور يخامر الكثيرين من العرب والمسلمين وهم يسمعون باكتواء مدن الغرب المتغطرس بما تكتوي به شعوب العراق وفلسطين وافغانستان في إطار الصمت والامبالاة حيث لا تقوم الدنيا ولا تقعد إلا عند الاعتداء على المدنيين الغربيين. ليكن، وهل ثمة نقاش في وجود الكيل بمكياليين والصمت الانتقائي في بعض الحالات والصخب المفرط في حالات أخرى. ليكن، اذ ان ضغائن العرب ضد السياسة البريطانية تمتد من احتلال الاسكندرية إلى احتلال البصرة مروراً باحتلال القدس ووعد بلفور المشؤوم. لكن بمن سنشمت بعد اعتداءات لندن الأخيرة: بالشعب البريطاني الذي تجند كما لم تتجند أي من الشعوب العربية ضد الحرب في العراق، هل سنشمت بالقيم والقوانين التي تسمح بوجود الكم الهائل من العرب والمسلمين في حماية بريطانيا والفارين من الدكتاتوريات التي تحتل أوطاننا عسكرياً وبوليسياً؟ وقبلها ماذا نفعت الشماتة في الشعب الإسباني الذي كان هو الآخر من أكثر الشعوب الأوروبية رفضاً لغزو العراق والذي طرد في أول انتخاب ديموقراطي رئيس وزرائه المسؤول عن دخول إسبانيا الحرب. وبخصوص اعتداء نيويورك نفسه، هل المدنيون الثلاثة آلاف الذين لم يكن لهم ضلع في سياسة حكومتهم هم من يجب أن نتشفى بهم وكأن الميتة الشنيعة التي عرفوها تعوّض بشاعة موت العرب المسلمين الذي قتلوا وشردوا بسبب سياسة الحكومة الأميركية؟ نيويورك ومدريد ولندن وكل العمليات التي استهدفت المدنيين داخل وخارج العالم العربي والإسلامي هي جرائم ضدّ الإنسانية، لا بمفهوم قيم حقوق الإنسان فقط لكن أساساً بمفهوم أعمق وأخص ما في ثقافتنا العربية الإسلامية... اللهم إلا اذا اعتبرت الجماعات المسؤولة أن قيمها فوق القيم الواردة بصريح العبارة في الآيتين الكريمتين. الأولى التي تسن:"لا تزر وازرة وزرأخرى"، والثانية التي تنبه:"من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً". والعمليات الثلاث وكل تلك التي استهدفت المدنيين خارج الوطن العربي هي، إضافة الى كونها جرائم ضد الإنسانية، جرائم ضدّ الشعوب العربية الإسلامية على وجه التحديد. لذا كانت السياسة متابعة أهداف كبرى وليست فقط ردود فعل عبثية تنطلق من الشماتة لتصل إلى الانتقام العشوائي فإن الحكم عليها يكون بالنتائج وليس بالنيات. وباستعراض النتائج الحتمية لعملية لندن، بما هي حلقة من سلسلة العمليات العسكرية ضد أهداف مدنية خارج أرض المعركة الحقيقية، فإننا نكتشف عمق آثارها السلبية على كل قضايانا. هي أولاً ستزيد في تشويه صورة العرب والمسلمين ليس فقط في الغرب وإنما في العالم أجمع. هي ستزيد من صعوبات المغتربين في أوروبا وأميركا وقد اصبحوا كلهم رهينة سوء الظن والريبة. هي ستقوي الجماعات المتطرفة في الغرب وكلها معادية للعرب والمسلمين دافعة نحو حرب الحضارات هذه الكارثة العطمى التي يجب منعها بكل الوسائل. هي ستجعل سياسة الحكومات الغربية تميل أكثر في اكثر للطروحات الأمنية. أخيراً وليس آخراً هي ستجعلها تدعم الدكتاتوريات التي أغلقت في وجهنا باب المستقبل حيث ستعتبرها خط الدفاع الأول والحال أنها السبب الرئيسي في الوضع المخيف الذي وصلنا إليه عرب وغربيون. هكذا ستكون هذه العمليات الحمقاء قد دعمت ألد اعداء الأمة وضربت في الصميم جميع أصدقائها من داخل المجتمعات المدنية الغربية وخصوصاً كل حظوظنا في كسر التحالف غير الطبيعي بين انظمتنا الدكتاتورية وانظمة البلدان الديموقراطية. إنها استراتيجية خرقاء عادت علينا دوماً بالوبال وستزيد من مصاعبنا أفراداً وشعوباً وأمة فالنضال الفعال كان وسيبقى على أرض الوطن لا خارجها، ضد الدكتاتورية لا ضّد المدنيين الغربيين، بالوسائل السلمية لا بعمليات قتل عمياء تشفي غليل المرضى لكنها في آخر المطاف لا تغني ولا تسمن من جوع وإنما تزيد الهزيل هزالاً. * كاتب تونسي. ** The wrath of the dammed - An anthology from Danish, pen, Louisiana, Denmark - Nov2002