في السنوات التي تلت اعتداءات 11 ايلول سبتمبر 2001، راحت الطائرات الاستكشافية في العالم تتعقّب حركات ما بدا على صورة جسم طائر مجهول، اي طائرة نفاثة وهميّة. كانت الطائرة من نوع"غالفستريم 5"التي يفضّلها نجوم السينما ورجال الاعمال وشوهدت في تشرين الاول اكتوبر 2001 على ارض متصلة بمطار كاراتشي. وبعد ثمانية اسابيع، ظهرت الطائرة في مطار بروما في استوكهولم، وفي المجال الجوي العسكري في جاكرتا. وفي الخريف الماضي، قالت صحيفة ال"تايمز"اللندنيّة، انّ الطائرة توجهت الى مواقع كثيرة خارج الولاياتالمتحدة، من خليج غوانتانامو الى مصر، والاردنوالعراق والمغرب وافغانستان وليبيا وأوزبكستان. وفي كانون الاول ديسمبر، كشفت صحيفة ال"واشنطن بوست"انّ الطائرة مسجّلة باسم افراد وهميّين، واضافت انّها تندرج في التكتيك الجديد الذي تتبنّاه"سي آي أي"وكالة الاستخبارات المركزية وادارة بوش في نقل المعتقلين من بلد لا يقرّ التعذيب تقنية تحقيق مع المعتقل الى آخر لا يتوانى عنه. وتبدو المعاينات العرضيّة لهذه الطائرة اللغز نموذجاً عن النظرة الخاطفة الجزئية والعرضيّة لما يصيب المواطن في غمار الساحة الواسعة للانشطة العسكرية والاستخباراتية الاميركية السريّة. والاسماء السرّية هي العنصر الاساس في نظام سري يتيح للحكومة أن تحفظ أسرارها مكتومة. فكلّ برنامج ونشاط وعملية تحمل اسماً سرّياً. حتّى الافراد، والمكاتب، والاعداء يسمّون اسماً سرّياً. ونظام التصنيف السرّي معقّد كثيراً الى درجة أنّ المستويات المختلفة التي تتمتع بحقّ الوصول الى الاسماء السرّية، تحمل هي كذلك اسماء سريّة. ويقول ويليام أركين في كتابه الجديد"الاسماء السرية"بعد مرور اشهر على اعتداءات 11 ايلول، إن بعض من يعملون في وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون وكانوا يملكون حقّ النظر في المعلومات المصنّفة"سرّية"، لم يكونوا قادرين على الوصول الى المعلومات المصنّفة"سرية جداً". أما الذين كانوا يملكون حق النفاذ الى المعلومات"السرية جداً"فلم يكونوا على علم بمستوى اعلى من هذا، يعرف باسم"بولوستيب". ويشرح أركين:"يستخدم الاسم السري بولوستيب لحصر ما يتعلّق بوضع العراق الدقيق جداً والمخطط الحربي لمكافحة الارهاب في حلقة ضيقة". وعلى مدى عقد، قام أركين بجمع الكلمات السرّية في اثناء عمله كصحافي استخباراتي ومحلّل عسكري في كتاب فريد أتى على شاكلة قاموس للغة السريّة وحوى نحو 3000 اسم سري. ويقول أركين إن الاسماء السرية أشبه ب"خريطة للامن الوطني الاميركي"لاحقاً. ولن يشعر القارئ بهذا في أول الأمر، لكنّ اركين نظّم عمداً الكتاب على صور عمل مرجعي. فالموادّ مرتّبة على التسلسل الابجدي، بعد كل اسم توصيف موجز للبرنامج. ويحظى بعض المداخل بوصف مفصّل فيما يغيب هذا الامر في أحوال أخرى. فمثلاً، يعرّف اركين"اسير غايبل"بأنّه"برنامج أو سلاح غير معروف للسلاح الجوي". وعليه، يبدو كتاب"الاسماء السرية"استفزازاً أو فعل اعتراض على نظام تصنيف سرّي ومتشعّب. ويذهب الكاتب الى أن"مقالاً يحوي اسماً سرياً لم ينشر من قبل، يضيف حقيقة ما لانه يظهر مصدراً شجاعاً كفاية ومتهوراً لكي يفضح معلومة سرية للصحافة". هذا صحيح. لكنّ أركين أغفل جانباً آخر من لعبة القط والفأر التي تلعبها أجهزة الدفاع والصحافة. ويناضل المراسلون للكشف عن اسم برنامج معيّن. الا ان ما أن ينشر الاسم، حتى تقوم السلطات العسكرية والاستخباراتية بتغييره بكلّ بساطة. وتختفي تالياً الاسماء السرية ما ان يعرفها الجمهور. وتلك هي المشكلة في كتاب أركين. إن التوتّر القائم تقليدياً بين السرية والانفتاح تحوّل مبارزة بين متطلّبات الامن القومي من جهة، والمبادئ الديموقراطية الليبرالية للشفافية، من جهة اخرى. ولا ريب في أنّ لا بدّ من بعض السرّية للحفاظ على الامن وفاعلية العمليات الاميركية. ففي 1998، كشفت صحيفة ال"واشنطن تايمز"أنّ وكالة الامن القومي استطاعت التنصّت على هاتف اسامة بن لادن، فما كان من هذا الاخير الا ان توقّف عن استخدام هاتفه. و الى الاسماء السرية، ضمّن المؤلّف كتابه لائحة بحلفاء الاستخبارات الاميركية في كل انحاء العالم. فطائرة"غالفستريم 5"قامت في مناسبات عدة، بنقل سجناء الى مصر. واعترف كثير من الذين تسلّمتهم السلطات المصرية بانّهم تعرّضوا للتعذيب. واذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فانها تدل الى علاقة حميمة مفرطة بين الوحدات العسكرية الاميركية ومثيلاتها المصرية. ويزوّد اركين القارئ بقرائن على أنّ هذا النوع من التعاون الخفي في الحرب على الارهاب لم يبق استثناء بل هو ممارسة شائعة. ويزعم الكاتب أنّ ملك الاردن سمح للقوات الاميركية الخاصة بالتدرّب والعمل على الاراضي الاردنية، وانشاء مواقع بالقرب من الحدود السورية والعراقية. ويحصي أكثر من 20 دولة تزوّد الجيش الاميركي قواعد أو منشآت اخرى، و76 وافقت على هبوط الطائرات العسكرية الاميركية في اراضيها، و89 منحت هذه الطائرات حق التحليق فوق اراضيها. ويعد القسم الثاني من"أسماء سرية"نحو 206 دول أو مؤسسات وهيئات تتعاون مع الولاياتالمتحدة في الشؤون العسكرية والاستخباراتية. ولا يكتفي بتعداد القواعد الاميركية على الاراضي الاجنبية، بل يعدّد الاتفاقات الثنائية والمتعددة الجوانب التي تحدّد العلاقات بين الهيئات الدفاعية هذه. وليس هذا بخفي، فلا يجهل أحد قدرة الجيش الاميركي على النفاذ الى اجزاء واسعة في العالم. الا أنه تتمة لكتاب اركين السابق" ساحة الحرب النووية"1985، الذي سبق أن أحصى مواقع منشآت نووية غير معروفة في العالم. وهو دليل ومرشد الى البهو الخلفي والواسع للنشاط السري الذي تقوم به الحكومة الاميركية. باتريك رادين كيف، من نيويورك ريفيو أوف بوك، عدد أيار مايو 2005.