كأنه كان يعرف أن عمره لم يعد يتسع لأحلام كبيرة، قال أن كتاب "تاريخ بيروت"هو مشروع حياته. كان سمير ينطق بكلماته هذه بفخر ثم فاجأني تردده بعد ذلك وهو يبحث عن جواب لسؤالي: ما هو المشروع المقبل؟ احتار، ثم قال: في النهاية لا أعرف. ترى هل كان يدرك أن ما تبقى من عمره لا يسعفه للتفكير بمشروع أو حلم كبير كأحلامه هو؟ كتب سمير قصير تاريخ بيروت ثم رحل، أعاد اكتشاف هذه المدينة التي عشقها. وكأنه بهذا الكتاب يقول لا تنسوا مقالاتي عن بيروت كما أريدها مدينة حرة وملتقى للمثقفين العرب. نعم هكذا كتب مراراً، في مقالات لم تتبناها الأصوات التي لا تجيد إلاّ الزعيق. نسوا يوم كتب سمير قصير يندد بسلطة لبنانية رفضت لجوء مثقف عربي مضطهد إليها، ونسوا أن سمير قصير الراديكالي الحر ما كتب يوماً ليشتم شعباً إنما لينتقد وبقسوة حقة أنظمة تظلم شعوبها. هذا ما ردده في مقابلة مع "الحياة". أمس رحل سمير، وأصوات كثيرة ستظلمه لأنها ستتحدث فقط عن سمير صاحب المقال السياسي، سينسون المؤرخ والمثقف الذي دخل قلاع الصحافة الفرنسية المحصنة ضد الأجانب عادة، وفرض نفسه صحافياً متميزاً. وحده غضب أولئك الذين ينتمي إليهم سمير سيبقى طويلاً، وهم سيستعيدون كلماته ضد المواقف العنصرية، وسيستعيدونه كاتباً بخلفية ماركسية طبعت مقالاته ببعدين ثقافي وتاريخي.