في وسط شارع فرن الحايك المتفرع من شارع الأشرفية الرئيس يقف رجال ثلاثة. يشد كل منهم بقبضة يده على كتف الآخر، ويجهشون بالبكاء بعدما شكلوا ما يشبه دائرة مقفلة. حوالي الحادية عشرة صباح أمس، وضع البعض حداً لحياة الزميل في جريدة"النهار"سمير قصير. والرجال الثلاثة هم من رفاق درب الصحافي المعارض الذي صار شهيداً. في ذلك الشارع المكشوف تقع مدرسة زهرة الإحسان. المدرسة لم يصب فيها أحد بأذى. وفي الشارع أيضا يقع عدد قليل من المتاجر الصغيرة وبائع زهور. يرتفع صوت الرئيس السابق لپ"الحزب الشيوعي اللبناني"جورج حاوي، متهماً الأجهزة التي"تقتل وتفتك، كي يبقى رئيس الجمهورية في قصر بعبدا". رئيس"حركة اليسار الديموقراطي"الياس عطا الله، كان أيضاً يبكي والى جواره الكاتب الياس خوري، لكن خوري لم يتلفظ بكلمة، اكتفى بالبكاء. ولم يسلم أي من"فلول النظام الأمني"من شتائم عطا الله. على المقلب الآخر من الشارع يقف النائب المنتخب مدير عام جريدة"النهار"جبران تويني. يدعو تويني المعارضة و"الجنرال إلى توحيد الصفوف كي لا يتمكن أي سوري في هذا النظام الأمني من اقتناصنا الواحد تلو الآخر". تغلب ملامح القلق والدهشة على وجه تويني، وتطغى على تصرفاته، فيصرخ في وجه مرافقه طالباً منه تركه وحيداً. يعرف المرافق متطلبات الظرف القاهر، فيمشي خطوات عدة ويراقب تويني المنفعل من بعيد. على بعد خطوات قليلة من السياسيين وكاميرات المصورين، يحرس العسكريون الكثر طوقاً اصفر ضربوه لمنع المارة من الاقتراب من مسرح الجريمة. يسوّر الطوق الذي انتشر فوقها الزجاج المكسور ثلاث سيارات صفت خلف بعضها بعضاً، ويسور الشارع الفاصل بين المتجر الصغير ومحل الورد. لكن، الواقف مباشرة خلف هذا الطوق يمكنه مراقبة بقايا أشلاء بشرية ملتصقة بحديد سيارة الفاروميو بيضاء، كان يهم قصير بإدارة محركها لحظة انفجرت. تصل رائحة اللحم المحترق إلى محل الورد، وترتفع حدة الرائحة ما أن يبدأ الخبراء الجنائيون رفع ما تبقى من أشلاء عن السيارة ومحيطها. "منزل جيزيل خوري زوجة قصير في الطابق السابع"، يقول بائع الورد عادل حسن. البائع كان آخر من شاهد قصير حياً، قرابة العاشرة والثلث،"الشارع هادئ، ولم يكن هناك الكثير من المارة، عندما نزل قصير من البناية، ممسكا بجاكيت بزته على كتفه. ركب في سيارته، فدخلت لأنهي طلبية علي تسليمها خلال وقت قصير. سمعت صوت الانفجار وكانت الكارثة". لا يعرف عادل، الزميل الشهيد منذ وقت طويل،"فقط منذ بدأ يتردد إلى منزل خوري، منذ عام ونصف، اعرف فقط جيزيل لأنها جارتي وولديها من زوج آخر مروان ودانيا". البائع يلبس الأسود منذ الصباح، ولا يبدو معنياً بإزالة آثار الدمار من محله، الذي نثر فيه الزجاج فوق سلل الورود. "الكلاب للدرك، لماذا لم يحضروها عند اغتيال الحريري"، يصرخ شاب منعه الأمنيون من اختراق الطوق."في السان جورج وجدوا جثة بعد شهرين، ربما لو استدعوا الكلاب آنذاك، لبقي صاحب الجثة حياً"، يضيف منفعلاً. تشم الكلاب البوليسية رائحة السيارات المجاورة، والبقايا المتطايرة على الأرض. وتشم حذاءً نسائياًَ صيفياً ونظارة شمسية وجدت في مكان قريب من سيارة قصير. الحذاء والنظارة يعودان إلى امرأة صودف مرورها قرب السيارة لحظة الانفجار. أصيبت المرأة التي قيل بداية أنها زوجة قصير، ونقلت إلى المستشفى. ثم بقيت هويتها مجهولة في وسائل الإعلام، بعدما تأكد أن زوجة قصير موجودة في أميركا منذ أسبوع. في الطابق السابع من البناية المطلة على الانفجار، كانت ميسا واليانا ابنتا قصير، غير مصدقتين لما حدث لوالدهما."لا تريدان مقابلة أحد"، يقول ناطور البناية مانعاً الصحافيين من الصعود. فپ"الظرف صعب، والشهيد لم يمض على زواجه من خوري اشهراً"، وعلى رغم منع العسكريين للعامة من الاقتراب من موقع الانفجار، ظلت الساحة تغص بالحاضرين، سياسيين وشعبيين. سياسيون كثر سمعوا ما سمعه النائب حرب الذي لاحقته إحدى السيدات قائلة:"الأشخاص يقتلون وانتم تأتون لتتكلموا فقط. لا تتفوه بأي كلمة. منذ عام 1975 وانتم تقتلوننا. أولادنا تهجروا. وقصير مات ولن تحزن عليه إلا زوجته وعائلته. والله يساعد الجنرال عون. المعارضة والموالاة كلهم كذابين". قبل هذه السيدة قام أربعة آخرون بتصرفات مماثلة، إلا أن أبناء الحي يعرفون أن"هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى التيار الوطني الحر". بعد الظهر، انصرف السياسيون من الموقع. وبقي العسكريون يحرسون سيارة بيضاء محترقة، من نوع"الفاروميو"وهي سيارة الشهيد قصير ولوحة تسجيلها كتب عليها:"لبنان 165670"مطوية أمام السيارة وقطعاً صغيرة منها متناثرة على الطريق وبعض الأشلاء وجد في موقف سيارات في الجهة المقابلة لها.