بعد تحقيق استمر منذ آب أغسطس الماضي في قضية التداول المثير للجدل بسندات اليورو الحكومية، أعلنت هيئة الرقابة المالية في لندن أمس عن التوصل إلى تسوية مع مجموعة سيتي غروب الاستثمارية الأميركية. وبمقتضى الصفقة ستدفع المجموعة 31.9 مليون جنيه استرليني 52 مليون دولار طوعاً منهية التحقيق. والمبلغ مؤلف من شقين. الأول بقيمة 4 ملايين جنيه استرليني كغرامة، والثاني بقيمة 9.69 مليون عبارة عن الأرباح التي حققتها المجموعة من تداول سريع جرى في سوق السندات الأوروبية في فرانكفورت وأدى إلى"إطلاق أجهزة الإنذار"وحدوث إرباك في نظام تسجيل عروض البيع والشراء"ام تي اس"في لندن. وتعتبر التسوية الثانية من حيث الحجم التي تدفعها مؤسسة مالية في بريطانيا بقرار من هيئة الرقابة المالية. إذ كانت مجموعة النفط العملاقة رويال دتش شل غرمت العام الماضي بقيمة 71 مليون استرليني نحو 13 مليون دولار بسبب تلاعبها بأرقام مخزوني النفط والغاز الاحتياطيين لديها. وكانت مجموعة سيتي غروب، عطّشت في الثاني من آب أغسطس الماضي سوق سندات اليورو لثوان معدودة قبل أن تعيد بيع سندات بقيمة 21.4 بليون يورو. وعادت لتشتري 4 بلايين يورو بسعر مخفض بعد تصحيح وضع السوق. وعلى رغم أن التداول الضخم ليس مخالفاً للقانون في حد ذاته، إلا أنه مخالف للأعراف في سوق السندات. خبير في سوق السندات في لندن شرح لپ"الحياة"العملية بأن تعطيش السوق من السندات يحرك آليات طلب تلقائية لدى المصارف المنافسة يجعلها ترفع الطلب فيرتفع السعر تلقائياً. ورأت فيه المصارف المنافسة عملاً منافياً للأخلاق المهنية. أما السلطات الرقابية في فرانكفورت وروما وبروكسيل فقد أحالت المجموعة إلى التحقيق لعدة أشهر قبل أن تتخلى السلطات القضائية الألمانية عن الملاحقة. معتبرة أن الأمر لا يخالف قواعد السوق. مع ذلك أصرت الهيئة التنظيمية لسوق المال الألمانية با فين على موقفها بأن لديها أدلة بمحاولة سيتي غروب التلاعب بالسوق. ولا تزال السلطتان الإيطالية والبلجيكية تحققان في القضية. كما أن سوق سندات اليورو الحكومية شهدت بلبلة بعد الارتباك الذي حصل نتيجة تصرفات المتعاملين في سيتي غروب مما ألحق الأذى بسمعتها المالية. وفيما أعربت مجموعة سيتي غروب عن أسفها لما وصفته بپ"الممارسات غير المقبولة التي مارستها مجموعة من المتعاملين داخل المصرف"، رحبت بالتسوية. إذ بعد التوصل إلى الاتفاق، صرح كل من رئيس قسم الشركات والعمليات المصرفية الاستثمارية وليام ميلز ورئيس قسم أسواق المال العالمية، في سيتيغروب توم ماهيرا،"إن قرار اليوم يؤكد على سلامة موقفنا. فالصفقة التي أجريت لم تخرق أياً من قوانين سلوك السوق. لكننا نأسف لحدوثها ونعتبرها غير منسجمة مع مستوى تعاملنا ... وبالتالي ألحقت الأذى بسمعة سيتي غروب". ونفت المتحدثة باسم سيتي غروب في لندن سوزان تذر في اتصال مع"الحياة"ان تكون سيتي غروب تعمدت الإخلال بالقوانين المرعية. وأضافت أن قرار هيئة الرقابة المالية جاء بناء على المادتين الثانية والثالثة من مبادئ الهيئة. وتدعو المادة الثانية إلى ضرورة التزام الشركة المالية في أداء عملها"بالمهارة والعناية والحذر"اللازمة. وأن"تتحلى بالمسؤولية بدرجة معقولة في تنظيم عملها والسيطرة عليه بأسلوب مسؤول وفعال". وأضافت تذر أن هيئة الرقابة في قرارها الملطف راعت اتخاذ سيتي غروب لخطوات إصلاحية"خاطبت من خلالها قضايا العناية والسيطرة". وأن سيتي غروب"لم تلجأ، عمداً، إلى تعطيل عمل منصة تسجيل حركة العرض والطلب أم تي اس كما أقرت بذلك هيئة الرقابة المالية". وأضافت أن استراتيجية التداول لم تكن تقوم اعتماداً على"وضع الأسعار أو أي سلوك آخر مخل". وأكدت أن مجموعة سيتي غروب أبدت تعاوناً كاملاً مع السلطات الرقابية في التحقيق. لكن قرار السلطات البريطانية لم يرق إلى درجة اتهام سيتي غروب بالتلاعب، وهي تهمة جنائية يعاقب عليها القانون. كما أن المتعاملين الذي أجروا الصفقات الصيف الماضي عادوا إلى مقار عملهم في سيتي غروب بعد توقيفهم عن العمل طيلة فترة التحقيق، بحسب ما اكدته سوزان تذر.