حافظت الانتخابات البلغارية التي اجريت اول من امس على النهج الذي اعتاد عليه الناخبون البلغار منذ انهيار النظام الشيوعي في بلادهم قبل 15 عاماً، بعدم تجديد التفويض لأي حكومة. وعكس ذلك تذمراً متواصلاً من الحكومات التي تراجعت عن وعودها الانتخابية بالقضاء على الفقر والفساد والجريمة المنظمة، بسبب اضطرارها لاتباع سياسية التقشف مراعاة للإصلاحات الاقتصادية المطلوبة اوروبياً ودولياً. وأظهرت النتائج شبه النهائية للانتخابات التي شارك فيها نحو 63 في المئة من الناخبين البالغ عددهم ستة ملايين و750 ألف مواطن، تقدم المعارضة الاشتراكية التي تمثل امتداداً معدلاً للشيوعية السابقة الى المرتبة الأولى بحصولها على نحو 32 في المئة من اصوات الناخبين 83 مقعداً، إلا ان ذلك يقل بنحو 38 نائباً عن العدد الذي يوفر لها قدرة على تشكيل الحكومة بمفردها. وحلّت"الحركة الوطنية"لرئيس الحكومة الملك السابق سيميون ساكس كوبورغوتسكي بعدها بحصولها على 60 مقعداً نحو 21 في المئة من الأصوات. وجاءت بعده"حركة الحقوق والحريات"التي تمثل الأقلية التركية وحصلت على 30 مقعداً 10 في المئة، وهي نسبة مقاربة لوجود هذه الأقلية العرقية في بلغاريا. وكانت الحركة دخلت في ائتلاف حكومي مع"الحركة الوطنية"في السنوات الأربع الأخيرة. مفاجأة عنصرية وكانت مفاجأة هذه الانتخابات، حصول حزب"آتاكا"الذي يعني اسمه الهجوم العنصري المتطرف المعادي للأجانب والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، على 9 في المئة من اصوات الناخبين 25 مقعداً في البرلمان، ما يجعله القوة السياسية الرابعة المؤثرة في الساحة البلغارية التي كانت خالية حتى الآن من احزاب اليمين المتطرف. وستحصل ثلاثة احزاب صغيرة على المقاعد المتبقية، فيما خرج 15 حزباً آخر شاركت في الانتخابات من دون تمثيل في البرلمان، لعدم حصول أي منها على نسبة 4 في المئة على الأقل من الأصوات لضمان تمثيله في البرلمان. عدم الاستقرار وإزاء هذه النتائج غير الحاسمة لأي فئة، فإن المراقبين يتوقعون دخول بلغاريا مستقبلاً غير واضح المعالم، بسبب الصعوبة في ان تجد استقراراً حكومياً، ما يتطلب ائتلافاً سياسياً واسعاً بين فئات متناقضة المواقف، وإذا تعذر ذلك، فلا بد من بقاء الحكومة الحالية بصفة انتقالية لحين اجراء انتخابات جديدة في الخريف المقبل، وهو ما يضر بفرص تمكن بلغاريا من الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي في عام 2007 كما هو مقرر مبدئياً، بحسب الاتفاق الذي وقعته بلغاريا مع الاتحاد في نيسان ابريل الماضي والذي يقضي قيامها بإصلاحات اقتصادية وقضائية وأمنية واسعة لضمان عدم تأجيل هذا الانضمام عاماً آخر. وقال زعيم"الحزب الاشتراكي"سيرغي ستاليشيف 39 عاماً:"نحن مستعدون لبدء مشاورات على الفور مع كل القوى السياسية الديموقراطية لضمان الاستقرار السياسي للبلاد". وإلى ذلك، قال نائب رئيس"الحزب الاشتراكي"رومين بتكوف:"لقد كسبنا الانتخابات ولكننا لسنا راضين عن النسبة التي حققناها، ما سيحتم علينا مواجهة تحديات جدية". لكن معهد"غالوب"لاستطلاعات الرأي، اعتبر ان"الاحتمالات بالنسبة الى الحكومة المقبلة ليست كثيرة جداً، خصوصاً أنه لو ضمّت الحكومة الاشتراكيين والحركة الوطنية، فمن الذي سيصبح رئيسها؟ إذ لا يتوقع ان يتنازل سيميون الثاني 68 عاماً عن منصبه الحالي للاشتراكيين اذا دخل في ائتلاف معهم". ونقل التلفزيون البلغاري عن سيميون الثاني، عدم اعترافه بالهزيمة، وقال انه"لا يزال هناك احتمال كبير في ان يحصل حزبه على فرصة لمواصلة قيادة الحكومة المقبلة". ومعلوم، انه منذ انهيار النظام الشيوعي البلغاري عام 1990، تقلّب الناخبون في منح اصواتهم للفئات السياسية، بين الديموقراطيين والاشتراكيين والملكيين، وذلك بسبب عجزهم عن ايجاد الفئة التي تفي بوعودها في اصلاح احوالهم المتخلفة اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.