قبل ايام اصيب مراسل فضائية"العربية"في بغداد جواد كاظم. ظهرت صوره حية ونابضة اثناء نقله الى المستشفى. اصابته لم تنجم عن خطأ اثناء تغطيته احداثاً. بل استهدف الرجل لأنه مراسل"العربية"، استهدف بالرصاص، وهذا ما يضاعف الشعور بأن الاستهداف محدد ومخطط له. وتوج ذلك ببيان لأنصار السنّة تبنوا فيه العملية وتحدثوا عن تغطية"العربية"لأحداث العراق، وربطوا بينها وبين"رافضية"المراسل، وهذا من قبيل الهذيان طبعاً. ذهاب الصحافيين الى العراق بات اقرب الى الانتحار. هذا ما يردده عشرات من المراسلين العرب والغربيين الذين سبق ان ذهبوا في السنوات السابقة الى العراق وغطوا احداثه. المؤسسات الاعلامية كما المؤسسات الاغاثية ضاعفت اعتمادها على المراسلين المحليين في ظل تضاعف الكلفة والمخاطر. وطبعاً حصل ذلك على حساب نوعية الخبر ودقته، اذ ان الكثر من الصحافيين العراقيين لم يختبروا بعد العمل في الاعلام غير الرسمي والشديد التوجيه. وفي العراق فرز حاد وانقسامات اهلية وطائفية وعرقية لا يبدو ان الصحافيين المحليين، وكذلك مصادر اخبارهم ومعلوماتهم، في منأى عنها. لكنّ جواد كاظم الذي شاهدناه حياً ونابضاً ونازفاً كان فعلاً في منأى عن تلك الانقسامات. فهو سبق ان غطى احداثاً تدين الجهات التي تتهم انصار السنّة محطة"العربية"بالانحياز اليها، في الفلوجة او في احياء بغدادية اخرى. ولكن يبدو ان هذه الجماعات انتقلت من استهداف الصحافيين غير العراقيين العاملين في العراق الى الصحافيين المحليين الذين حاولوا سد الفراغ الذي خلفه انسحاب الصحافة غير العراقية من بغداد. علماً ان حاجة العراقيين الى هذه الصحافة كبيرة، ولن ننسى طبعاً ان صور سجن ابو غريب ومسجد الفلوجة التقطتها عدسات غير عربية. في بغداد اليوم عدد من مكاتب محطات التلفزة ووكالات الأنباء العالمية، لكنّ هذه المكاتب اشبه بمواقع عسكرية لجهة نوع التحصينات والحمايات حولها. شركات امن خاصة تتقاضى مبالغ خيالية تتولى حماية هذه المراكز وتتحكم في حركة انتقال ما تبقى من صحافيين غير عراقيين فيها وسط تهديدات يومية وابتزازات مكلفة. كل ذلك ثمن تدفعه وسائل الاعلام هذه للخبر العراقي. اما العمل الميداني فمقتصر الى حد بعيد على مجموعة من المراسلين المحليين الذين يأتون بالأخبار الى هذه المكاتب ليتولى محررون التدقيق فيها ومقارنتها ومن ثم ارسالها الينا في عملية بالغة التعقد، ومحفوفة بالكثير من المجازفة المهنية. الصحافيون العراقيون الذين بدأوا يتلمسون طريقهم المهني صاروا اليوم مستهدفين، والتهم التقليدية التي تطلقها جماعات القتل على الصحافيين قد تكون مضاعفة اذا كان الصحافي عراقياً. انه"رافضي كافر"، او"كردي عميل"او"ارهابي من الفلوجة". ويبقى ان حاجة العراق الى صحافة تراقب وتكشف تتضاعف يوماً تلو يوم في ظل تضاعف مصاعب المهنة ومخاطرها في هذا البلد.