ترى ما سيكون مصير الاغنية المصوّرة"شرشحتو البلد"التي كتب كلماتها ولحّنها غدي منصور الرحباني، بعد ان تنتهي الانتخابات النيابية في لبنان؟ يمكن هذه الاغنية و"الكليب"الذي رافقها وقد اخرجه ببراعة طوني قهوجي، ان يدوما اسبوعاً على الاكثر بعد ختام المرحلة الانتخابية، فهما - الاغنية والكليب - مرتبطان تمام الارتباط بهذا الحدث الذي يحل كل اربع سنوات، مما يعني انهما سينامان في"ادراج"محطة LBC حتى الموعد الانتخابي المقبل! إلا أن هذا الامر لا يعني ان الاغنية ليست جميلة لحناً وكلمات وتصويراً واخراجاً و"ظرفيتها"لم تقلل من طرافتها وسخريتها اللاذعة وجرأتها في هتك"قضية"هي من ابرز القضايا السياسية والشعبية. وان كان الاقبال الشعبي الكثيف هذه السنة على الاقتراع يتناقض مع"مضمون"الاغنية أو رؤيتها السياسية، فهي تظل أغنية، مجرّد أغنية أليفة، على هامش"المعركة"الانتخابية. وجوّها الساخر والمرح قد ينطبق على أي مرحلة انتخابية بالأمس واليوم وغداً. فالاطار الذي يحيط بأجواء الانتخابات هو نفسه، وكذلك المقولات الرائجة كالمحدلة والبوسطة... والاساليب التي يعتمدها المرشحون للترويج لاسمائهم كالصور التي يلصقونها على الجدران أو يرفعونها على الاعمدة أو يفلشونها على الملصقات الاعلانية... وليس مفاجئاً أن يكون غدي الرحباني كتب الاغنية ولحّنها في العام 2000 لترافق الدورة الانتخابية السابقة، ولو لم يعلن ذلك لما خطر في بال أحد ان الاغنية غير جديدة تماماً. لكنّ الاغنية لم تستطع أن تأتي بجديد، لا لحناً ولا كلمات ولا اخراجاً، على رغم طرافتها وسخريتها وجماليتها. فهي تذكّر كثيراً بأغنيات زياد الرحباني"الشعبية"والرائجة وهي غير قليلة، سواء من ناحية اللحن القائم على جملة شرقية أليفة جداً ومألوفة حتى كأنها مستعادة من الريبرتوار الرحباني، أم من ناحية الكلمات التي تذكّر باللعبة اللفظية و"اللغوية"التي عرف زياد بها. لكنّ اعمال زياد تخفي وراء سخريتها وطرافتها حالاً مأسوية أو فكرة أو نقداً واقعياً، وهذا ما لم يسع اليه عدي الرحباني، اذ شاء اغنيته اقرب الى"القفشة"السياسية التي تضحك الجمهور وتثير فيه حماسة عابرة سرعان ما تخبو مع انتهاء الاغنية. اما الاخراج فيذكر كثيراً بأعمال زياد الاولى ولا سيما"سهرية". فالبعد المشهدي في"الكليب"بدا كأنه مستنسخ من"سهرية"مع بعض التحديث في"السينوغرافيا"، فالفكرة هي نفسها تقريباً والجو هو نفسه، جو المقهى بروّاده وحركته. ترى هل غدي الرحباني هو الذي اختار هذا الجو أم ان المخرج آثر ان يسترجع جو"سهرية"خصوصاً عبر اختياره"الاسود والابيض"في التصوير؟ ولكن أياً تكن المآخذ التي يمكن تسجيلها على هذه الاغنية المصورة، فهي تظل عملاً جميلاً وطريفاً، وقد رافقت الدورة الانتخابية اللبنانية من بعيد ناشرة حالاً من المرح والسخرية المحببة. وهي لا بد من أن تنام اربع سنوات لتصحو في الدورة المقبلة في العام 2009. أما مسألة الانتخابات ومعانيها ودلالاتها، سياسياً وشعبياً وما أحاط بها من تحولات جوهرية، فهي بعيدة كل البعد من مثل هذه الاغنية التي دارت على الهامش، والهامش فقط.