في شارع الكرادة، أكثر شوارع بغداد التجارية ازدحاماً بالمحال التجارية المختلفة، لم يعد يسترعي انتباه المواطن فيها ما درجت عليه هذه المحال طوال سنوات عدة ، من عرض سلعها وبضائعها على الأرصفة. فالحال تغيرت كلياً في هذا الشارع، بعد أن أصبح للصيف وطقسه الحار في العراق حكاية طويلة، في ظل ما بات يطلق عليه المواطنون، القطع المبرمج للتيار الكهربائي. ففي ظل تفاقم أزمة الكهرباء والأعطال المستمرة، وأحياناً لساعات طويلة من الليل والنهار، يئس المواطنون من أي تحسن محتمل لوضع الكهرباء الذي بات متعسراً إلى حد كبير. لقد تحولت معظم المحال في الشارع إلى تجارة المولدات الكهربائية، بمختلف أحجامها وأنواعها ومنشئها، وتلاشت النشاطات التجارية الأخرى على نحو ملحوظ. وتحدث أحد أصحاب المحال في الشارع عن وجود أكثر من 280 محلاً كرست نشاطها وتجارتها لبيع المولدات، ما يعني نسبة 85 في المئة من مجموع المحال في شارع الكرادة، بعد أن انتقلت هذه التجارة من شارع سيد سلطان علي الكائن بين شارعي الرشيد والجمهورية وسط بغداد إلى هذا الشارع الحيوي، الذي بات يطلق عليه الناس اسم شارع"المولدات"، بعد أن افترشت المولدات دون غيرها الأرصفة كافة. وفي هذا الشارع نستمع إلى حكايات وطرائف حول حكايات الكهرباء والصيف الطويلة، وكلها تتحدث عن تجارة جديدة غزت العراق مستغلة ازدياد ساعات قطع التيار الكهربائي، وراحت تستغل المواطن عبر بيعه مولدات معظمها قديم تعمل فترة قصيرة، تركن بعدها ليبحث صاحبها عن مولد جديد ليس أفضل من السابق. أسامة علاء العبيدي من بعقوبة، وجدناه يحمل بين يديه مولداً يبدو اشتراه منذ أيام، إلا انه اكتشف أنه لا يعمل، وان البائع يرفض استبداله إلا بعد إضافة مبلغ من المال، مشيراً إلى انه مضطر لذلك لشحة الكهرباء في بعقوبة،"بعد أن غاب القطع المبرمج تماماً وأصبحنا لا ننعم بالكهرباء سوى 4 ساعات يومياً". ويلفت أركان عدنان السعدي، وهو مصلح مولدات في شارع الكفاح المجاور لمنطقة سيد سلطان علي، جاء إلى شارع الكرادة لشراء أدوات احتياطية، إلى جملة ملاحظات، منها ان قسماً كبيراً من المولدات المستوردة لا تحمل المواصفات المطلوبة، وانه اكتشف خلال عمله في الصيانة أنها صنعت بمواد أولية مشبوهة، ما يؤدي إلى هلاكها بسرعة. وتستغرب الطالبة الجامعية رونق مصطفى تصريحات بعض المسؤولين الذين يقولون ان حاجة العراق إلى المولدات ستستمر إلى فترة طويلة، حتى يتم إصلاح شبكة الطاقة الكهربائية، وتضيف ان الأجدر بهذا المسؤول أن يطمئن المواطن إلى جهود الوزارة في معالجة أعطال الشبكة، بدلاً من أن يشيع اليأس وسط الناس الذين لم يعودوا ينعمون بليلهم ولا بنهارهم. في ظل درجة حرارة تتراوح ما بين 45 و50 درجة في فصل الصيف. وقد أنعش تردي وضع الكهرباء آمال قطاع عريض من التجار للتحول إلى تجارة المولدات، خصوصاً بعدما تضاعفت ساعات قطع التيار الكهربائي، وتصريحات المسؤولين عن حجم المتوافر من الطاقة قياساً إلى الحاجة إليها. ويقول أبو النور وهو صاحب محل لبيع المولدات ان تنوع دول المنشأ دفع بقسم من التجار إلى البحث عن السوق التي باستطاعتها توفير السلعة ذات الثمن المناسب، بمعزل عن النوعية والكفاية، وهي الحال التي يشكو منها المواطن بعد أن دفعه غياب الكهرباء والطقس الحار إلى محال الكرادة للبحث عن مولد كهربائي، مشيراً إلى ان بعض التجار غادر العراق قبل إطلالة الصيف إلى بعض دول آسيا للبحث عن مولدات يجني من وراء بيعها أرباحاً بمعزل عن مدى صلاحيتها. وهو الأمر الذي ولّد احساساً متزايداً لدى المواطن بأنه واقع لا محالة في شبكة الغش والاحتيال التي باتت تتسم بها نواحٍ عدة من مسيرة التجارة في العراق.