قال محللون ان إعلان المغرب الغاء الزيارة التي كان يُفترض ان يقوم بها رئيس الحكومة الجزائرية السيد أحمد أويحيى، الثلثاء، يشير إلى"عمق الخلافات"بين البلدين منذ"تصدع"التوافق الذي تم بين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والملك محمد السادس في قمة"زرالدة الثانية"التي عقدت على هامش القمة العربية في الجزائر في اذار مارس الماضي. ولاحظ ديبلوماسي جزائري ان البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية المغربية، الخميس،"غير ودي في الشكل والمحتوى"، مشيراً إلى أن زيارة أويحيى التي يقول الجزائريون انها كانت مقررة بطلب من المغرب،"كانت ستساهم في توطيد العلاقات الثنائية". ورأى أن ما حدث يعكس"حدود الديبلوماسية السرية"، في إشارة الى عدم إعلان الجزائر ولا المغرب فحوى المحادثات التي جرت بين الرئيس بوتفليقة والملك محمد السادس في زرالدة. ونقلت وكالة الانباء الجزائرية عن مصدر رسمي أمس ان رفض المغرب الزيارة المبرمجة لأويحيى يعتبر"تحولاً جديداً في موقف المغرب تأخذ الجزائر به علماً". وقالت الوكالة أ ف ب ان مصادر قريبة من وزارة الخارجية اكدت"ان الجزائر اخذت علماً بهذا التحول المغربي الجديد"وان"الأسرة الدولية لن تتوانى هي الأخرى عن الاطلاع على هذه المعلومات"، في اشارة الى تبدل سابق في موقف المغرب عندما قرر مقاطعة قمة الاتحاد المغاربي التي كانت مقررة في 25 و26 ايار مايو في طرابلس. وقالت المصادر الجزائرية ان"موقف الجزائر يتسم بالوضوح والثبات حول العلاقات الثنائية مع المغرب والرغبة في بناء المغرب العربي وتسوية قضية الصحراء الغربية"، مضيفة"ان مشروع زيارة رئيس الحكومة الجزائري الى الرباط رغم الحملة الاعلامية التي تستهدف الجزائر كانت دليلاً آخر على هذه الارادة والاستعداد الجزائريين". ولم يسبق للمغرب أو الجزائر أن رفضا في السابق زيارة أي مسؤول إلى أي من البلدين حتى في أسوأ الفترات الحرجة التي مرت بها علاقاتهما. وسجل ديبلوماسي جزائري أن ما سُرّب عن قمة"زرالدة الثانية"بين الرئيس الجزائري والعاهل المغربي عكَسَ التوافق الذي حصل بين الجزائر والمغرب في قمة مراكش سنة 1989 في خصوص دعم مبدأ أن"إقامة علاقات مميزة بين البلدين قد يساهم في تصفية الأجواء في المنطقة والمساعدة على معالجة قضية الصحراء الغربية"، وهو موقف كان يُجمع عليه جميع قادة دول اتحاد المغرب العربي. واعتبر الديبلوماسي أن بيان الخارجية المغربية الذي تضمن انتقادات حادة إلى السلطات الجزائرية،"أعاد العلاقات بين البلدين إلى ما قبل قمة مراكش"، وهو ما يعكس حدة الخلاف حول كيفية التعاطي مع ملف العلاقات الثنائية وقضية الصحراء الغربية. وأرجع هذا الوضع إلى"الغموض حول ما اتفق عليه"في قمة"زرالدة الثانية"قبل شهرين. وقال:"لو تم الإعلان عما جرى وتم التوافق عليه بين الرئيس بوتفليقة والملك محمد السادس فإن ذلك كان سيساهم في توضيح الرؤية". ومنذ قمة"زرالدة الثانية"بدأت العلاقات تتجه إلى التطبيع بين الجارين، خصوصاً مع إعلان الجزائر إلغاء التأشيرة التي كانت تفرضها على المغاربة. لكن رسالة"دعم"وجهها الرئيس بوتفليقة إلى زعيم جبهة"بوليساريو"محمد عبدالعزيز قبل أسبوع من قمة طرابلس المغاربية الشهر الماضي، فجرت التوافق وفتحت المجال أمام"حرب"إعلامية وديبلوماسية بين البلدين. من جهة اخرى، ألقى موقف الرباط لناحية اعتبار زيارة رئيس الوزراء الجزائري السيد أحمد أويحيى الى المغرب"غير مواتية في الظرف الحالي"، ظلالاً قاتمة على آفاق تحسين علاقات البلدين الجارين، وكذلك مساعي تسريع عقد القمة المغاربية المؤجلة، والموقف من تطورات قضية الصحراء. وعزت أوساط ديبلوماسية في الرباط الموقف المغربي الى"الالتباس"الذي كان طبع الإعلان عن زيارة المسؤول الجزائري والموزع بين النفي والتأكيد و"تنازع الاختصاص"بين اهل القرار في الجزائر، في حين قالت أوساط جزائرية إن الإعلان عن زيارة أويحيى جاء على لسان سفير المغرب في الجزائر الديبلوماسي سعيد بن ريان، ما اعتبرته مخالفاً للأعراف الديبلوماسية. إلا أن هذا التضارب لا ينفي وجود مشاكل بين البلدين، تم التعبير عنها من خلال الإعلان عن الزيارة من طرف الوزير المستشار عبدالعزيز بلخادم الذي كان أعلن انه سيزور المغرب قبل رئيس وزراء حكومة بلاده الذي نفى علمه بتحديد موعدها قبل الإعلان عنها رسمياً. وكان بيان وزارة الخارجية المغربية ركز على وصف المواقف الجزائرية ازاء العلاقة مع المغرب بأنها"تتعارض بشكل واضح مع أهداف التطبيع الثنائي واحياء البناء المغاربي"، مع ترك البحث في حل سياسي لنزاع الصحراء في نطاق صلاحيات الأممالمتحدة. ورهن البيان تطبيع العلاقات ب"انتظار موقف جزائري منسجم وتوضيح النيات الحقيقية والمستقبلية للجزائر حيال علاقاتها مع المغرب والبناء المغاربي"، في اشارة الى مواقف سابقة للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ربطت بين"تقرير المصير واستقلال اقليم الصحراء". وقالت مصادر مغربية إنه في الوقت الذي زار فيه العاهل المغربي الملك محمد السادس الجزائر على هامش القمة العربية في آذار مارس الماضي ومدد اقامته لعقد قمة جمعته الى الرئيس بوتفليقة"كانت الآلة الجزائرية تعمل من أجل تحريك الوضع في اقليم الصحراء"، في اشارة الى أحداث العيون، وتبني الجزائر مضمون مؤتمر صحافي عقده زعيم جبهة"بوليساريو"محمد عبدالعزيز الذي كان أجرى محادثات مع مسؤولين جزائريين رفيعي المستوى، ما اعتبرته الرباط"تدخلاً يعاكس جهود الأممالمتحدة في حل قضية الصحراء". وكان الوزير المغربي المنتدب في الخارجية الطيب الفاسي الفهري صرح أخيراً بأن علاقات بلاده والجزائر تقوم على الاتفاق على ثلاثة محاور تطاول تحسين العلاقات الثنائية وتفعيل الاتحاد المغاربي ودعم جهود المجتمع الدولي لحل قضية الصحراء، إلا ان التطورات الأخيرة ابانت عن تردي العلاقات الى مزيد من التدهور. واعلنت تنظيمات لمهاجرين مغاربة في الخارج انها دعت الى تظاهرات حاشدة"لممارسة ضغوط على النظام الجزائري لإطلاق الأسرى المغاربة المعتقلين في تيندوف"جنوب غربي الجزائر. وجاء في بيان لتنظيمات مغربية ستنفذ اعتصاماً اليوم السبت أمام سفارة الجزائر في باريس ان مواقف الجزائر"تجعلنا نشكك في ارادتها الحقيقية للانخراط في بناء الوحدة المغاربية". لكن العاهل المغربي حرص في خطاب الى قمة 77 زائداً الصين التي استضافتها الدوحة، على تأكيد عزم بلاده المضي قدماً في"السير بخطوات ثابتة على درب بناء الاتحاد المغاربي على أسس متينة وسليمة باعتباره خياراً استراتيجياً لا بديل عنه".