ظهر نوع جديد من العمليات في أثناء الاجتياح الإسرائيلي في 1982، وتمثل في نشوء جبهة لمقاومة احتلال بيروت على يد مجموعات اليسار اللبناني الصغيرة التي همشها"حزب الله"تدريجاً. ومنذ منتصف الثمانينات، احتكر هذا الحزب عملياً المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وجيش لبنانالجنوبي. وقامت استراتيجية"حزب الله"، آنذاك، على قلب موازين القوى. ففي حرب الحدود اعتاد الجيش الإسرائيلي على ضرب المدنيين سعياً في عزل حركات المقاومة، ودفع الدولة المعنية بالأمر إلى القضاء على هذه الحركات. ولكن"حزب الله"اتبع استراتيجية عنف تدريجي مرتبطة بأفعال الجيش الإسرائيلي. وعوضاً من فرض الإسرائيليين سياسة الردع من طريق استهداف المدنيين، عمد"حزب الله"إلى الرد على كل ضربة يوجهها الإسرائيليون على مواقعه، أو على المدنيين في قطاع تحت سيطرته، بضرب تجمعات السكان المدنيين الإسرائيليين في الجهة المقابلة. وكان النصر الحاسم لپ"حزب الله"، غداة عملية"عناقيد الغضب"في 1996، وقصف سكان قرية قانا التي تقع في منطقة تحميها الأممالمتحدة. ونتج عن المفاوضات التي رعاها وزير الخارجية الفرنسي هيرفيه دو شاريت اتفاق يمنع الطرفين الاسرائيلي و"حزب الله" من المساس بالمدنيين. ونص الاتفاق على حصر أعمال العنف بين مقاتلي"حزب الله"والجيش الإسرائيلي. وهذا ما قيد الجيش الاسرائيلي، وكان واحداً من أسباب انسحابه من جنوبلبنان لاحقاً. ويبدو أن"حماس"حاولت تطبيق استراتيجية مماثلة في الانتفاضة الثانية. ولكن أهمية هذه المنطقة حيث تجرى الانتفاضة أكبر بالنسبة إلى الاسرائيليين، وموازين القوى مختلفة كثيراً عن تلك الموجودة في لبنان. وعلى خلاف"حزب الله"الذي استطاع تطبيق استراتيجية الرد جراء سيطرته الكاملة على ساحة القتال، لم تحتكر"حماس"العنف، بل نافستها منظمات أخرى مثل كتائب شهداء الاقصى. وإلى ذلك، جعل الانقسام الجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية إنشاء إدارة مركزية أمراً بالغ الصعوبة. وبالتالي لم تنجح محاولة نقل تكتيك"حزب الله". أسهمت عمليات الاغتيالات في دق عنق قيادة"حماس"التي استحال عليها إدارة العنف. وعاد الوضع إلى لعبة الرد والرد المعاكس. فپ"الإرهاب"، في شكله الحالي في فلسطين هو"إرهاب"قومي كلاسيكي. ولپ"حماس"و"حزب الله"، وهما منظمتان لهما طابع ديني، أهداف وطنية. ويدل عدم نقل هاتين المنظمتين القتال إلى خارج حدود أرض بلادهما، إلى وطنية هذه الأهداف. وتختلف المنظمتان عن بعض منظمات حقبة الستينات والسبعينات، اليسارية الفلسطينية، وطاولت عمليات هذه المنظمات أوروبا وأنحاء أخرى من العالم. وعلى خلاف"الجهاد الإسلامي"، تضطلع حماس بدور سياسي. ولپ"حماس"متحدثون باسمها. فقياداتها، على غرار الشيخ أحمد ياسين، درجت على استقبال الصحافيين، والإسرائيليون منهم، في غزة وشرح مواقفه. ويعتبر الإرهاب إجمالاً سلاح الضعيف في مواجهة القوي. والعمليات الانتحارية تنطوي على رفض التكنولوجيا الإسرائيلية العسكرية المتطورة. وتميز القدرة على الإيذاء العنف الإسرائيلي عن العنف"الإرهابي"للانتفاضة الثانية. وفي حين يجند الإرهابي كل إمكاناته الضعيفة في سبيل قتل أكبر عدد من الأشخاص، تضطر عمليات الردع الإسرائيلية الى تقييد قوتها ولجمها،على رغم قتلها مدنيين. ولكن عمليات القتل هذه تجري في إطار عنف موجه ومنضبط وفقاً لسلسلة من القواعد القانونية. ... وعلى رغم قدرة الجيش الإسرائيلي على قتل عدد كبير من الأشخاص إلا أنه يكتفي بعدد من الضحايا تحدده الظروف"التقنية"لاستخدام القوة، فكأن تحديد شروط استخدام القوة لا يرتبط بدائرة القرار السياسي القائم على التعمد. من مقالة هنري لورانس، اسبري الشهرية الفرنسية، حزيران يونيو 2005.