قدّمت فرقة"رماد"، أخيراً عملها الجديد"صمت الحواس". وتجربة هذه الفرقة السوريّة تستحقّ وقفة متمهّلة، بعد أن حققت مجموعة من الانجازات التي تؤمن لها مكانة بين أرقى الفرق العربية واكثرها احترافاً، لاوند هاجو مؤسس الفرقة ومخرجها، وذاكرتها، معروف بقدرته على رؤية العرض كاملاً، قبل ظهوره على المسرح، وهو وراء نجاح أعمال الفرقة التي حققت الاقبال الجماهيري منذ بداياتها الأولى، وقد خلق مع الراقصة عزة سواح مجموعة اعمال لافتة، وصولاً الى العرض الأخير"صمت الحواس"الذي اشترك فيه عشرة راقصين. انعكاسات الذات العرض عن انعكاسات الذات في الجماعة، وذاكرة الجسد، وتمرد العقل، يبدأ بفيلم راقص، عن فكرة للاوند هاجو، للمخرج عبده مدخنة، ولاوند هو بطله الوحيد، إذا استثنينا الظهور الهامشي للراقصين في الدقيقة الأخيرة من الفيلم، ويأتي هذا الفيديو بمثابة مقدمة للعرض المسرحي، ليربط بعد ذلك بين مشاهده، الفيلم عن توق الانسان الى الحياة، وعن العراقيل التي تواجه المرء، والاعاقات التي تحاصره، وقسوة الطبيعة. بالنسبة الى هاجو الاعاقات موجودة في داخلنا وهي تحد حركتنا، وتمنعنا من التحليق في فضاء حريتنا، نقرأ في برنامج العرض:"في فوضى الصمت... تعثّر الجسد... وتلعثمت الأفكار، وبقي منهكاً لأه أراد، هو سعي غير منته لأن نكون انعكاساً باهتاً لهواجسنا... فكان عجزنا، وكان صمت حواسنا، فكرة تلمست طريقها لمرآة كل منا... ارتفعت فوق الزمان والمكان، قد يرى... قد يسمع... قد يتكلم. ومن خلال فكرة التوق الى الطيران والانعتاق والحرية دخل لاوند الى عمله المسرحي بذكاء وحرفية، وقد شاء أن يكون بطل فيلمه الوحيد: ينتقل من الغابة الى البحر الى الصحراء، يحاول التحليق، يطل من على صخرة عالية ملمحاً الى رغبة الانعتاق، وليته أشرك الراقصين المهمين في فرقته يحيى بيازي وخيام قدور في شريط الفيديو الذي يعطي للعرض مذاقه. لقد احتلّ هؤلاء الفضاء المسرحي: يؤدي يحيى بيازي، الراقص اللافت، رقصة الغابة عبر مونتاج مشغول بعناية، يركض لاوند في الغابة... وعندما تبدأ الرقصة يمتزج الوجهان، الراقص المتميّز خيام قدور، يؤدي هو رقصة البحر كما يؤدي ذلك الذي يريد التحليق ولا يستطيع، يجد نفسه في مواجهة قوى الطبيعة، ويظل هو الشخصية الرئيسة التي من خلال تفهم مقولة الفيلم. اخراج وكوريغرافيا إن قوّة "صمت الحواس"تكمن في الرقص التعبيري، والتشكيلات البصرية، والموسيقى المختارة بعناية، والديكور المتميز للفنان نعمان جود... وأخيراً إخراج وكوريغرافيا لاوند هاجو المتمكن من أدواته.العمل مؤلف من مجموعة لوحات، تمثل العمى والصمم والبكم، والشلل، والإعاقة الجسدية، تقدم مصحوبة بمجموعة من الرقصات الفردية والرقصات الجماعية واللوحات الجسدية، ويبرع كل من الراقصين خيام قدور، عزة سواح، سوسن أبو الخير ويحيى بيازي... وقد قدّم الاستعراض في دار الأوبرا التي تتسع لألف ومئتي مقعد، وكانت شبه مملوءة على مدار العروض الخمسة التي قدمتها الفرقة. وهذا لا يحصل إلا في العروض التجارية التي تعتمد التهريج لإضحاك الجمهور. كما بقي أن نشير الى أن فرقة"رماد"هي الفرقة الوحيدة التي تقدم المسرح التعبيري الراقص في سورية.