لأكثر من 20 عاماً لم يكن أمام غالبية الصحافيين المصريين خيار سوى أن يظلوا في خلفية الصورة التي يحتل صدارتها رؤساء تحرير صحفهم القومية العتيدة، الراسخين في مواقعهم، والباقين فيها إلى أمدٍ غير منظور، أو الى أن يتحول الصحافيون"عناكب"يلهثون وراء مكاتب الصحف العربية ليمارسوا فيها الحرية ويزيدوا من دخولهم بعدما مات الطموح داخلهم في أن يصبح أحد منهم يوماً"رئيس تحرير". واعتقد الصحافيون المصريون أخيراً أن رياح التغيير هَلّت وأن القابعين في مقاعدهم سيُنتزعون منها بفعل إعصار الإصلاح والرغبة العارمة في التطوير والتحديث ومواكبة العصر. لكن شيئاً لم يحدث حتى الآن، وتحوّل الأمر إلى"مكلمة"تحوي كثير من الاشاعات والمعلومات المغلوطة أكثر من الحقائق والانباء المؤكدة. لا يتوقف الحديث في أروقة الصحافة المصرية هذه الايام عن حركة تغييرات واسعة يفترض أن تطيح رؤساء تحرير غالبية الصحف والمجلات الذين تجاوزوا السن القانونية للتقاعد على رغم أن القانون كان عدّل اصلاً من أجلهم. فالسائد في مصر أن سن التقاعد في الوظائف العامة يأتي عند الستين، وقبل عقد من الزمن كان بعض رؤساء التحرير اقتربوا من بلوغه ولم يحتاجوا الى ممارسة ضغوط كبيرة كي ىُعدل القانون ليمنحهم خمسة سنوات اضافية ويصبح سن التقاعد خمسة وستين، لهم وحدهم وليس لجميع الصحافيين، فالأمر لا ينطبق فقط الا على من يُدَوّن في بطاقة هويته انه"رئيس تحرير". مضى الزمن وتجاوز هؤلاء الخامسة والستين ولم يكن سهلاW تعديل القانون مرة أخرى فكان الحل بغضّ البصر وتجاهل الامر. ثم وجد الصحافيون المصريون أن قانوناً يطالبون بإقراره يمنع الحبس في قضايا النشر ظل معطلاً قابعاً في أدراج الإدارات التنفيذية والتشريعية رغم أن رئيس الدولة هو الذي وجه بإصداره قبل نحو سنة ونصف السنة، أما سواد عيون رؤساء التحرير فعجّل بتعديل قانون التمديد، فحمد الصحافيون الله أن الأمر يتعلق فقط بالتمديد. أشاع هذا التناقض حالاً من اليأس فساد الاحباط، وفُقد الامل في اصلاح مؤسسات صحافية تعاني تضخماً ادارياً واعباء مالية ومستوى اداء مهني لا يناسب العصر. وطوال الاسابيع الماضية سيطر الحديث عن حركة تغيير رؤساء التحرير على أي حديث آخر. هناك بورصة اسماء متداولة للمرشحين كرؤساء تحرير جدد، وحملات استهدفت ابعاد بعض الاسماء أو"تلميع"اسماء أخرى، إلا أن أحداً لم يصدق بعد أن وجوهاً جديدة ستأتي، وأن"عناكب"الصحافة المصرية سيعودون الى صحفهم ومجلاتهم حاملين آمالاً في أن يصلحوا مع قياداتهم الجديدة الاحوال ليتنافسوا مع بعضهم بعضاً وينافسوا صحفاً حزبية ومستقلة وأخرى عربية، صار القارئ المصري يُقبل عليها بحثاً عما لا يجده في صحف رؤساء التحرير"المخضرمين"الذين يوقعون اسماءهم بخطوط يفوق حجمها حجم عناوين ما يكتبونه. وتحدثت المعلومات عن أن رؤساء تحرير "الاهرام" و"اخبار اليوم" و"الأخبار" و"الجمهورية" و"روز اليوسف" و"المصور" و"اكتوبر" سيبدلون. وروى صحافيون أن أحد رؤساء التحرير جمع متعلقاته وينتظر لحظة الرحيل، وأن آخرين منهم لا يزالون يقاومون او يضغطون ليحل محلهم موالون لهم تفادياً لفتح ملفات أو تصفية حسابات. لكن الإحباط عاد بعدما سرت أنباء عن أن الضجة حول التغييرات الصحافية صبت في اتجاه الإبقاء على رؤساء التحرير في مواقعهم الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي في أيلول سبتمبر المقبل، تجنباً ل"هزات صحافية"تضاف إلى"هزات سياسية"يموج بها المجتمع المصري. أما"العناكب"الذين يكتبون في كل شيء وينتقلون من صحيفة الى أخرى فبدأ اليأس يدب في نفوسهم، وإذ بدا ان الرياح لا تؤثر في رؤساء تحريرهم بقي الأمل في إعصار يحقق لهم أحلامهم، والى ان يأتي الأعصار لن يبقى أمامهم سوى انتظار ان تحين الفرصة كي يساهموا في إعادة الحياة الى مؤسسات انتموا إليها فانتمت هي إلى رؤساء التحرير.