كان الحديث في مصر قبل 25 كانون الثاني (يناير) الماضي عن تغييرات رؤساء تحرير ومجالس إدارات مؤسسات الصحف القومية، خصوصاً «الأهرام» و «الأخبار» و «الجمهورية» و «روزاليوسف»، ضرباً من الخيال، حتى تسلل إلى الوسط الصحافي والقارئ العادي شعور بأن هؤلاء الرؤساء القابعين منذ سنوات على رأس تلك المؤسسات يشكلون إحدى ضرورات الحياة، كالماء والهواء والمأكل. لكن التحركات الشبابية التي أطاحت نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، عجَّلت بخروج تلك الأسماء، التي طالما عُرف أصحابها بموالاتهم «حتى الثمالة» ل «الحزب الوطني الديموقراطي» الذي كان حاكماً، وكذلك للرئيس مبارك وأعوانه. فبعدما انتظر الصحافيون المصريون أسابيع بعد الثورة، طالبوا خلالها باستبدال هؤلاء الرؤساء، أجرى رئيس الوزراء عصام شرف تغييرات في قيادات المؤسسات الصحافية القومية، شملت الإطاحة بالقيادات المتهمة بتضليل الرأي العام أثناء الثورة والتحريض ضدها. لكن يبدو أن الجسم الصحافي المصري لم يكن راضياً بالكامل عن الأسماء الجديدة. وأوضح شرف أن القرار جاء «في إطار إعادة هيكلة قطاع الصحافة وتنظيمه... تمشياً مع روح التغيير واستجابة لمتطلبات المرحلة الحالية، ونظراً إلى الدور المهم الذي تضطلع به دور النشر والمؤسسات الصحافية في هذه المرحلة الدقيقة». لذا، يلاحظ في الأسماء الجديدة أنها بعيدة عن خندق الموالاة للنظام السابق، وفي الوقت ذاته لا تمثل استفزازاً للقارئ، إذ إن غالبية الأسماء ليست معروفة، ففي «الأهرام»، عُيّن لبيب السباعي رئيساً لمجلس إدارة الصحيفة المصرية العريقة بدلاً من الدكتور عبد المنعم سعيد، وعبد العظيم حماد رئيساً للتحرير بدلاً من أسامة سرايا، فيما تولى علاء ثابت رئاسة تحرير «الأهرام المسائي» بدلاً من طارق حسن. وفي مؤسسة «الأخبار»، تولى السيد النجار رئاسة تحرير «أخبار اليوم» بدلاً من ممتاز القط، وعُيّن إبراهيم قاعود رئيساً لتحرير مجلة «آخر ساعة» بدلاً من رفعت رشاد، وجمال الزهيري لمجلة «أخبار الرياضة»، وعادل أبو السعود رئيساً لمجلة «أخبار الحوادث»، وفي مؤسسة «دار التحرير للطبع والنشر» عُيّن خالد أنور عبدالحميد بكير رئيساً لمجلس الإدارة، فيما عُين محمود نافع رئيساً لتحرير جريدة «الجمهورية» بدلاً من محمد إبراهيم سليمان، وجمال أبو بيه رئيساً لتحرير «المساء». وتولى حلمي النمنم رئاسة مجلس إدارة مؤسسة «دار الهلال» التي تصدر عنها مجلة «المصور». واختير محسن حسنين رئيساً لتحرير مجلة «أكتوبر» التي تصدرها «دار المعارف». وعُين محمد جمال الدين المعدول رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة «روز اليوسف» بدلاً من كرم جبر، وإبراهيم خليل رئيساً لتحرير صحيفة «روز اليوسف» بدلاً من عبدالله كمال، فيما تولى أسامة سلامة رئاسة تحرير مجلة «روز اليوسف». وتولى عادل عبدالعزيز رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير «وكالة أنباء الشرق الأوسط» بدلاً من عبدالله حسن. وكانت المفاجأة أن التغييرات لم تتضمن اسم الصحافي وائل الإبراشي الذي كان مرشحاً بقوة لرئاسة تحرير «روز اليوسف»، وهو ما دفع مالك جريدة «صوت الأمة» عصام فهمي إلى إبعاد الإبراشي عن رئاسة تحرير الصحيفة، والاستعانة بعبد الحليم قنديل. وعن تلك التغييرات، يقول سكرتير عام نقابة الصحافيين المصريين يحيى قلاش ل «الحياة»: «كان المُلحّ عند غالبية القراء هو استبعاد القيادات الصحافية القديمة أكثر من الأسماء التي ستخلفهم، خصوصاً للعبهم دوراً في التحريض على الثورة وشبابها. ثم تغيَّر الخط التحريري بعد الثورة إلى تأييدها، ما أفقدهم الصدقية. ثمة أسماء عُيّنت أخيراً كانت تستحق منصبها منذ سنوات، مثل عبدالعظيم حماد ومحمود نافع، لكن عصر ما قبل الثورة فرض بعض الأمور غير المنضبطة». ويرى قلاش أن التغييرات أمر واقع اقتضته الضرورة والمرحلة الحالية، لأنه كان من غير المنطقي استمرار رموز صحافة النظام السابق، «على رغم أهمية هذه التغييرات، فإن هناك بعض الملاحظات عليها، إذ إنها انتقائية، بمعنى اقتصار التغيير على بعض المطبوعات من دون غيرها، كما أن الآلية التي تمت بها التغييرات ليست الأفضل. كان يجب ألا تتدخل الحكومة في شكل عميق في تلك الاختيارات، بمعنى أنه كان يجب تشكيل لجنة من كبار الصحافيين لتحديد من يناسب هذه المطبوعة أو تلك، لأنه ليس كافياً الاستفسار من دون توضيح من هم الذين جرى استشارتهم. وهذا ما يعد قصوراً». ويرى قلاش ضرورة اختيار القيادات الصحافية على أساس قانوني، وهدم منظومة التشريعات الصحافية القديمة وإعادة صياغتها، فضلاً عن النظر في علاقة الصحافيين بمؤسساتهم وفي قانون المطبوعات والنشر وحبس الصحافيين. وشهدت مطبوعات عدة مطالبات بإقصاء رؤساء تحريرها، لكن ذلك لم يحصل. ولعل أبرزها مجلة «أخبار الأدب» التي انتخب صحافيوها الزميل محمد شعير رئيساً للتحرير، لكن المجلس العسكري أبقى مصطفى عبدالله في منصبه على رغم مقاطعة معظم الصحافيين الكتابة في المجلة بسبب سياساته. والحال ذاته في مجلة «أخبار النجوم»، التي تترأس تحريرها آمال عثمان. ويتطلع الصحافي والقارئ المصري على حد سواء، إلى أن تكتمل منظومة التطهير الإعلامي برفع الدولة يدها عن المؤسسات الصحافية القومية، من جهة ما يُكتب أو لا يكتب، فضلاً عن إخضاعها للجهات الرقابية في شكل صارم، بعيداً من التجاوزات والمجاملات، كما كان الوضع قبل الثورة، لتجنب إهدار المال العام، أو تحويل تلك المؤسسات القومية إلى شركات استثمارية.