في ساحلي عاليه وبعبدا يقيم الغموض الذي يكتنف المعركة الانتخابية في هذه الدائرة في جبل لبنان. انه معدل التصويت المسيحي الذي سيقرر مستقبل اللائحتين المتنافستين، لائحة وحدة الجبل التي تحالف فيها الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وحزب الله، ولائحة التيار العوني المتحالفة مع النائب طلال ارسلان والنائب السابق بيار دكاش. ارتفاع معدل التصويت المسيحي سيضاعف من حظوظ لائحة عون، لأن اعتماد اللائحة المنافسة هو في شكل اساس على التصويت الدرزي والشيعي، في حين تنتظر هذه اللائحة من الشريك المسيحي، وهو القوات اللبنانية ان يدعمها بربع اصوات المقترعين. ولكن ماذا جرى أمس في هذه الدائرة؟ لا شك في ان المراقب سيلاحظ استيقاظ الصوت المسيحي في هذه الدائرة. فمعدلات التصويت في القرى والبلدات المسيحية في ساحلي بعبدا وعاليه كانت أعلى من أي دورة انتخابية سابقة. كانت الماكينة الناشطة للتيار الوطني الحر في اعلى درجات استنفارها. المناصرون ملأوا الساحات والطرق واللون البرتقالي طغى على الوان اللوائح الأخرى، والمندوبون شوهدوا يجرون العجائز والمقعدين الى صناديق الاقتراع. ومن الواضح ان الهدف كان رفع معدل الاقتراع. وفي المقابل سجل حضور لافت لتيار القوات اللبنانية في هذه البلدات، اي في الحدث وبعبدا وعين الرمانة - الشياح. والقوات شريك في لائحة وحدة الجبل التي يبدو انها قسمت حضورها على المناطق فكانت هذه البلدات من حصة القوات اللبنانية. في الساعات الأولى من بعد الظهر كانت نسب الاقتراع في بلدات الساحل المسيحية تجاوزت الخمسة والثلاثين في المئة، وهذا معدل لم يسبق ان سجل في هذه المنطقة ما يؤكد ميل المسيحيين في لبنان الى الانخراط والتأثير في الحياة السياسية اللبنانية، وهو ما تم تلخيصه في عبارة كتبت على احدى اللافتات الدعائية للتيار العوني الذي يبدو انه وبغض النظر عن نتائج الانتخابات نجح في التحول الى مركز استقطاب فعلي في الشارع المسيحي. كما ان هذا الإقبال المسيحي ينفي احتمال تعرض القاعدة العونية للاهتزاز بفعل التحالفات التي اقامها التيار الحر مع قوى السلطة في اكثر من مكان. والتيار العوني تمكن ايضاً من اجتذاب قوى محلية في هذه المنطقة كأنصار النائب السابق ايلي حبيقة والطبيب بيار دكاش وهو نائب سابق له مؤيدوه في المنطقة. وكان حضور ماكينة حبيقة لافتاً الى جانب ماكينة التيار ومناصريه. ولكن يبقى ان هذا يشكل نصف المشهد الانتخابي في هذه المنطقة التي تضم أيضاً قرى درزية وأخرى شيعية وعدداً من الناخبين السنّة الذين كانت همتهم الانتخابية أثقل من همم ناخبي الطوائف الأخرى بسبب عدم وجود مقعد سني في المنطقة. اما في الأقلام الشيعية وتحديداً في منطقتي برج البراجنة وحارة حريك، فكانت نسب الاقتراع مرتفعة بدورها، وماكينة"حزب الله"كانت تعمل بدأب وهدوء، متوقعة ان يصل معدل التصويت الشيعي في نهاية اليوم الانتخابي الى ما يقارب الپ60 في المئة. وتوقعت ماكينة لائحة"وحدة الجبل"ان يسجل الاقتراع الدرزي اعلى نسبة في قضاءي عاليه وبعبدا، وهو توقع يمكن رصده ايضاً في ساعات النهار، اذ وبينما كانت معدلات بعبدا والحدث نحو 35 في المئة كان معدل بلدة الشويفات الدرزية نحو 43 في المئة. ومن الواضح هنا ان لائحة "وحدة الجبل" متقدمة كثيراً في الأقلام الشيعية والدرزية. سجلت المناطق المسيحية في بعبدا - عاليه بالأمس نسبة اقتراع غير مسبوقة منذ اكثر من ثلاثين عاماً، ولهذا الأمر دلالات كبيرة تتعدى نتائج انتخابات الأمس، اذ يبدو ان الناخب المسيحي قرر اخذ المبادرة مجدداً وتحديد اتجاه المعارك. قد لا تكون انتخابات أمس اختباراً فعلياً لهذه الحقيقة، خصوصاً بفعل توزع القوى المسيحية بين تحالفات تضعف ميلاً كهذا، ولكن الأكيد ايضاً ان هذه المنطقة بدأت رحلتها نحو المشاركة في العملية الانتخابية، ولا بد للغلبة المسيحية فيها من ان تجد طريقاً الى السياسة.