الى هذه اللحظة لا استطيع كتابة أي رثاء يليق بجنابك، الى هذه اللحظة تبقى كلماتي أسيرة في حلقي تأبى الخروج من سجنها، الى هذه اللحظة لساني عاجز عن الترحم عليك وكأنك لم تمت أو لا أصدق قتلك. تبقى كل كلمات الكون فقيرة زاهدة لا تتجرأ على بوح ما بداخلها من هول المصاب الجلل الذي ألم بنا، فمن يصدق ان تنتهي حياة علامة مثلك بنهاية كهذه الفاجعة ومن كان يستطيع ان يتخيل ان نجد يوماً ونحن في امس الحاجة اليك، ان نريدك ولا نجدك، ان نطلبك وتكون مختفياً، ان نلتجئ اليك فلا نراك، من كان يصدق كل هذا؟ سيدي الكريم أريد ان انقل صورة درامية لما كان يعرض على مسرح الجريمة النكراء، ولا تهمني الجهة القاتلة في أداة رخيصة ارادت النيل منك بثمن بخس، ولا اريد ان احاكم جلاديك لانهم اناس مؤتمرون، ولكن لا ولن اسامح تلك التماسيح عندما بدأوا يذرفون العبرات على فراقك، يتباكون على موتك وقبل اعلان رحيلك بساعات كانوا يمثلون بجسدك الطاهر، كانوا يأكلون لحمك ميتاً، فالعشرات منهم كانوا يتهمونك بالخيانة، بالعمالة، بالتبعية للاجهزة الامنية، وقالوا عنك الكثير، بالسوء طبعاً لا بالخير، واعظم قول عندما اتهموك بأن اختفاءك كان فبركة منك ومسرحية محاكة بينك وبين احدى الفروع الامنية، ان لم يكن كلها. هؤلاء الجلاوزة الذين اغتالوا صوتك قبل جسدك، هؤلاء الكفرة الذين اغتالوا دينك واسلامك قبل روحك، هؤلاء الذين مثلوا بفكرك وارائك قبل ان يمثلوا بجسدك الطاهر. هؤلاء اغتالوك قبل الجلادين، هؤلاء قتلوك قبل القاتلين، هؤلاء أكلوا لحمك ميتاً، فعندما كنت تحت نير الطغاة كانوا يتهمونك بأنك في فنادق مليون نجمة، وعندما كنت تتجرع الذل والهوان كانوا يتهمونك بأنك معزز مكرم وذاهب في رحلة استجمام في احدى الجزر للسياحة. فأي تماسيح أنتم يوم بكيتموه في جنازته، وعلى قبره، وحتى عندما ألقيتم كلماتكم التأبينية تحت خيمة عزائه، ألم يكن هو نفسه العميل الرخيص الذي كان معظمكم يصفونه ألم يكن هو من اتى من وراء الكواليس بنية مبيتة فيها الضرر للشعب والامة، ألم يكن هو الذي اتهمتموه بأن اختفاءه لعبة أمنية لاخراج بطل جديد يستنزف طاقات هذا الشعب. ما أنتم من اصناف البشر، وبكم وجه تجوبون الشوارع، وتضحكون في وجه هذا وذاك وما في قلوبكم الا الغل والحقد الدفين وما الاتهامات الرخيصة التي تلصقون بها كل الناس الا هواية تمارسونها او مهنة تمتهنونها وتقبضون عليها الكثير من الغنائم والنفائس قد لا تكون جاهاً او مالاً ولكنها بطاقة توصية ترفعون فيها من شأنكم عند اسيادكم كالكلب الذي يلعق حذاء سيده بعد ان اتى بالعظمة التي رماها. الشيخ الشهيد اعذرني على كلماتي فاقسم بما كنت به مؤمناً بأنه ليس بيني وبين أحد حقد أو كراهية ولكن كفى لهؤلاء الجلادين الحقيقيين الذين يمثلون يومياً بأجسادنا، يتاجرون في كل لحظة بأرواحنا ويبيعوننا دائماً بأرخص الاثمان، وما كنت سوى إماماً قادماً لتصلح هذه الرؤى ولكن قدومك ازعجهم الى درجة تخوينك واتهامك بشتى التهم، فطوبى لك هذا الموت العظيم وطوبى لك هذا الارث الكريم من الفكر والطريقة الصالحة، وخسئ جلادوك والمتباكن عليك هؤلاء الذين قتلوك ومشوا في جنازتك ويعزون ذويك. مسعود عكو akko @ scs-net.org