لا يمكن العلاقة بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة فؤاد السنيورة ان تكون في منأى عن التداعيات السياسية لتوقيف المديرين العامين السابقين للأمن العام اللواء جميل السيد، وقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج، ومدير المخابرات العميد الركن ريمون عازار وقائد لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على رغم ان مصادر مقربة من بعبدا تحاول التقليل من اهميتها باعتبار انه لا يجوز استباق نتائج التحقيق، اضافة الى اتهام عدد من القوى السياسية في الغالبية النيابية بالعمل لضرب هذه العلاقة. وبصرف النظر عن تبادل الاتهامات بين القوى السياسية داخل الحكومة او خارجها حول المفاعيل السياسية لتوقيف الضباط الأربعة، فإن العلاقة بين الرئيسين ادخلت الى غرفة العناية الفائقة، ولن يكون في مقدور المهتمين بتصحيحها تحييدها عن الحملات السياسية التي بدأ يتعرض لها لحود وبالتالي ستتأثر سلباً ولن تبلغ مرحلة الاستقرار. وبحسب المعلومات المتوافرة لپ"الحياة"، هناك محطات سياسية عدة يتحضر لها البلد وستكون مناسبة لاختبار حجم الشرخ السياسي المسيطر على علاقة لحود بالسنيورة، في مقدمها جلاء مصير سفر رئيس الجمهورية اميل لحود الى الأممالمتحدة على رأس وفد رسمي للمشاركة في اعمال دورتها العادية ولحضور القمة الدولية التي ستعقد في هذه الأثناء، اضافة الى ما يتردد حالياً عن وجود صعوبة في توفير المناخ السياسي لعقد جلسات مجلس الوزراء في بعبدا. وبالنسبة الى ذهاب لحود الى الأممالمتحدة، فقد بات مؤكداً ان السنيورة لن يكون في عداد الوفد اذا اصر الأول على التوجه الى نيويورك على رغم النصائح المحلية والعربية والدولية التي اسديت له بضرورة صرف النظر عنها، نظراً الى الأجواء السياسية غير المريحة التي يمر فيها البلد على خلفية التحقيقات الجارية في جريمة اغتيال الحريري. وإذ تؤكد مصادر في بعبدا ان لحود عند قراره في التوجه الى نيويورك انطلاقاً من تقديرها بأن عدم الذهاب سيتيح لخصومه توجيه ضربة مجانية له من خلال وضعه في موضع الشبهة تحت عنوان ان القادة الأمنيين الأربعة مقربون منه، مع انهم لا يزالون في وضعية اتهامية غير مقرونة على الأقل من وجهة نظر وكلاء الدفاع عنهم بالأدلة والبراهين... فإن مصادر وزارية تنصح بعدم ذهاب لحود لما سيتعرض له من حملات اعلامية، اضافة الى صعوبة تأمين لقاءات له مع عدد من قادة دول العالم المتضامنين مع اسرة الرئيس الحريري. لذلك ترى المصادر الوزارية ان الحل الأفضل يكون في عزوف لحود عن الذهاب الى نيويورك لمصلحة ترؤس السنيورة الوفد اللبناني، وتعزو السبب الى ان اصرار الأول على موقفه من شأنه ان يسرع في حصول ازمة حكم تفتح الباب امام الإعداد لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. اما في خصوص جلسات مجلس الوزراء، فإن عدداً من اعضاء الحكومة بدأ ينصح بالعودة الى مقر مجلس الوزراء الكائن في المتحف كمكان وحيد لعقد الجلسات الأسبوعية للمجلس، اقتناعاً منهم بأن توزيع عقدها مداورة بين القصر الجمهوري في بعبدا والسرايا الكبيرة بحجة الدواعي الأمنية سيدفع عدداً من الوزراء الى اتخاذ قرار بمقاطعة الجلسات في بعبدا بحجة انه لم يعد من الجائز الجلوس الى الطاولة نفسها مع رئيس الجمهورية بعدما وجهت اصابع الاتهام الى اربعة من القادة الأمنيين من ابرز مقربيه. وفي هذا السياق علمت"الحياة"ان العودة الى المقر الخاص لمجلس الوزراء سيترك لعدد من اعضاء الحكومة الحرية في اختيار القرار المناسب بالنسبة الى حضور الجلسات او مقاطعتها من دون ان يترتب على قرارهم ازمة حكومية، اضافة الى ان المداورة في ترؤس الجلسات بين لحود والسنيورة ستحول دون تعطيل امور الدولة وصولاً الى إحداث شلل اداري ينعكس سلباً على مصالح المواطنين. وأكدت المصادر الوزارية ان القوى السياسية المشاركة في الحكومة، وخصوصاً تلك المنتمية الى الغالبية النيابية، لم تتخذ حتى الساعة قرارها بعدم حضور الجلسات التي تعقد في بعبدا وقالت ان هذه المسألة ما زالت قيد الدرس، لكنها رأت ان السنيورة لن يبادر الى تعطيل الجلسات وسيصر على توجيه الدعوات لعقدها، ليس حرصاً منه على التزامه صلاحياته الدستورية المنصوص عنها في الدستور فحسب، وإنما لقطع الطريق على اتهامه بأنه وراء إحداث شلل في البلد سيؤدي الى الامتناع عن تسيير امور المواطنين وشؤونهم، لا سيما ان بعضها يحتاج الى قرارات تصدر عن مجلس الوزراء. ولفتت المصادر الى ان هناك فرصة امام المعنيين في الحكومة ستتيح لهم البحث بهدوء في المخارج التي تحول دون الاقتراب من تعطيل اعمال الدولة وأمور المواطنين. وقالت ان هذه الفرصة ستكون"اجبارية"، وعزت السبب الى ان لا مشكلة امام عقد جلسة مجلس الوزراء اليوم في السرايا الكبيرة برئاسة السنيورة، بينما لا ترى من مبرر لعقد الجلسة العادية الخميس المقبل برئاسة لحود وذلك لتعذر التحضير لجدول الأعمال. ورأت ايضاً ان هناك امكاناً لعدم عقد جلسة لمجلس الوزراء في الأسبوع المقبل والتي يتزامن موعدها مع سفر الوفد اللبناني سواء برئاسة لحود ام السنيورة الى نيويورك، مشيرة الى ان المشكلة على هذا الصعيد ستندلع في الثاني والعشرين من الشهر الجاري. وتابعت المصادر ان التطورات المتلاحقة على صعيد التحقيق في جريمة اغتيال الحريري سترمي بثقلها على الوضع الحكومي، وأن استجابة لحود نصائح الآخرين بعدم الذهاب الى نيويورك، لمصلحة توجه السنيورة الى الأممالمتحدة، يمكن ان تهدئ من اندفاعة الوزراء الذين يبدون رغبة اولية بعدم الاحتكاك معه او حضور الجلسات التي يترأسها، لكنها لن تؤمّن في مطلق الأحوال الحد الأدنى من التعايش بين الرئيسين في ظل انقطاع التواصل بينهما منذ ايام...