العراقيون هل هم عراقيون؟ والعراق هل هو العراق أم تجمع للعابرين؟ من هو العراقي؟ هل تقسيم العراقيين إلى شيعة وسنة وأكراد هو التقسيم المنطقي الوحيد الذي ينتمون إليه؟ فإذا كان التقسيم على أساس طائفي ومذهبي فالكرد ليسوا طائفة دينية أو مذهبية، فلماذا لا يكون التقسيم شيعة وسنة؟ وإذا كان التوزيع قومياً فلماذا لا يوزع العراقيون عرباً وأكراداً، ثم تركمان وآخرين؟ وإذا كان التوزيع دينياً فلماذا لا يكون مسلمين ومسيحيين وصابئة ويهوداً؟ وإذا كان سياسياً فلماذا لا يكون ليبراليين ومحافظين وقوميين ويساريين وإسلاميين؟ وإذا كان مناطقياً فلماذا لا يكون بغداد والبصرة والموصل أو بحسب المحافظات الثماني عشرة؟ هل يملك المرء في العراق وفي غيره هوية واحدة مستقرة وثابتة؟ ماذا يعتبر نفسه الشيعي الموصلي الليبرالي العربي؟ إلى أين ينحاز؟ وبماذا يصوت في الاستفتاء؟ ومن ينتخب ممثلاً في البرلمان؟ وكذا الكردي الإسلامي الشيعي البغدادي؟ وماذا عن التركماني الشيوعي البصري؟ والصابئي البصري القومي؟ ليس العراق بلداً مختلفاً عن دول العالم في التاريخ والجغرافيا، فالأتراك في تركيا لا يصلون إلى نصف السكان، والبقية أكراد وعرب وأرمن ويونان وغيرهم، وفيها مذاهب وأديان شتى ومناطق ولغات، وأحزاب واتجاهات سياسية وفكرية، وإيران يتوزعها فرس وعرب وأكراد وبلوش وتركمان وآذريون، ولغات وهويات ومذهب وأديان، والولايات المتحدة الأميركية لا يمثل الانغلو سكسون فيها غالبية، فتتوزعها انتماءات إلى جميع دول العالم، ولغات ومذاهب وأديان. فالهوية ليست قدراً ثابتاً لا يتزحزح، وليست هوية واحدة لا تقبل المشاركة، وقد تكون مكانية أو إثنية أو سياسية حزبية أو دينية أو مذهبية أو قبلية عشائرية، وهي متدرجة ومتحركة أقرب إلى السيولة منها إلى الصلابة، وتتطور مع تفاعل الناس مع المكان والأحداث، وتشكلها المصالح والعلاقات والأحداث متفاعلة مع المكان والأفكار والثقافات. والتعددية من حقائق الحياة على مستوى الدول والجماعات والأفراد أيضا، فلا يمكن تصنيف الفرد الواحد في خانة واحدة، والهويات تتفاعل وتتعاون وتتنافس وتتصارع وتندمج وتموت وتحيا، ولكن المكان يبقى وامتداد الناس يتواصل. وتصور العراق على أنه مجموعة من التشكيلات المتجاورة وليس المتداخلة، وأن كل عراقي سيتصرف على أساس هوية واحدة مفترضة، ورفض الاعتراف بأن كل عراقي مسلم أو مسيحي، شيعي أو سني، عربي أو كردي أو تركماني هو عراقي، وعربي ومسلم أيضا في إطار ثقافي، وهو ابن محافظته الصغيرة، وهو يرى مستقبل العراق علمانياً محافظاً أو ليبرالياً أو إسلامياً محافظاً أو إسلامياً ليبرالياً، وفي ذلك كله يتنافس الناس ويتعاونون. هذا التصور الأحادي الذي يرفض اعتبار الهوية كياناً سائلاً متحولاً، وتطوراً تاريخياً، كما تشير التجربة الأميركية نفسها أغرق العراق في بحر من الفوضى. وعدم شعور العراقيين جميعهم بالرضا والعدل سيواصل الشعور بالظلم والاستهداف، ولن يتغير الوضع السابق الذي كانت تشعر فيه بعض الأطراف العراقية بالإقصاء والاضطهاد، وكل ما في الأمر هو تغير الوجوه وتبدل الضحايا لتستمر دوامة العنف والانتقام والحقد المتبادل. السلوك القائم في العراق لا يبدو سلوك الحكم والانتماء إلى المكان والمستقبل، وإنما يمثل استجابة غريزية للحظة التاريخية من دون تفكير بمصير العراق والعراقيين بسبب هذه الغرائز الأولية وتأثيرها الطويل والعميق على مستقبل العراق والمنطقة. ما يحتاج إليه العراقيون هو أن يكتشفوا ويتبعوا اتجاههم التاريخي في العمل على إقامة دولة للعراقيين جميعاً، وتحقيق السيادة الوطنية، والاستجابة لانتماء ينتفي معه اصطياد الفرص والمكافآت، ولهاجس محكوم بحتميات مسار عام للتاريخ يصنع المستقبل على نحو متناقض مع المخططات الراهنة التي تناطح التاريخ والجغرافيا، وألا يديروا ظهورهم للتاريخ والمستقبل وألا يستجيبوا لغرائز أولية من الانتقام، وفرص تقدمها اللحظة التاريخية للمغانم. والعراقيون الجدد يحولون أنفسهم ومجتمعاتهم إلى جماعات وظيفية تغويها اللحظة القائمة، وتغريها بإغلاق الفرص أمام محاولة استرجاع مبادئ بناء الدول وعلاقاتها الخارجية الإقليمية والدولية. كاتب أردني.