بدا"ملتقى الكويت الأول للشعر العربي في العراق"الذي افتتح أمس أشبه ب"مربد"كويتي تحييه مؤسسة البابطين احتفاء بالشعر العراقي، المقيم والمغترب. إلا أن هذا"المربد"الذي ضم أكثر من ستين شاعراً وناقداً من العراق، عطفاً على عدد كبير من المدعوين العرب، شعراء ونقاداً، لم يستطع أن يتحاشى الطابع السياسي، فهو يمثل الخطوة الأولى والحقيقية نحو ما سماه بعض الكويتيينوالعراقيين ب"التطبيع الشعري"الذي لا بد من أن يقود الى التطبيع الثقافي والسياسي. وقبيل افتتاح"الملتقى"الذي يرعاه رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحّب كتّاب كويتيون بهذه البادرة ووجدوا فيها فرصة سانحة لترميم العلاقة بين الثقافتين الكويتيةوالعراقية. أما الشعراء العراقيون المدعوون فبدوا فرحين بهذه التظاهرة الشعرية التي نجحت في الجمع بين أهل الداخل العراقي وأهل الخارج والتي سمحت لهم بالالتقاء بالشعراء والكتّاب الكويتيين الذين انقطعوا عنهم فترة غير قصيرة. ووصفت إحدى الشاعرات العراقيات المهرجان ب"الاجتياح"الشعري الذي يقرّب بين الشعبين بعدما فصل بينهما النظام العراقي السابق. أما عبدالعزيز البابطين فاعتبر"الملتقى"استعادة ل"التواصل الثقافي بين الكويتوالعراق الذي كان قوياً حتى التماثل"ورأى فيه فرصة ل"اعادة اللحمة بين الشعبين بعدما حاول بعضهم تمزيقها". كان من الصعب التصور ان تفتح الكويت أبوابها أمام الشعر العراقي بمثل هذا الترحاب، فآثار"الاجتياح"ما زالت كامنة في بعض انحاء الذاكرة، على رغم سقوط النظام السابق. وقد يتمكّن هذا الملتقى من كسر بقايا جليد ما برح يسود العلاقة بين الثقافتين والشعبين. وأن يأتي شعراء عراقيون الى الكويت ليلقوا قصائدهم على الجمهور الكويتي والعربي أمر لافت جداً بما يحمل من أبعاد. و"الملتقى"لن يقتصر على الأمسيات الشعرية بل سيشهد ندوات نقدية تعيد الى الكويت أطياف شعراء عراقيين راحلين وفي طليعتهم بدر شاكر السياب الذي توفي في الكويت عام 1964. وقد قدّر لمؤسسة البابطين أن تحيي الملتقى الشعري في العام الماضي - كما كان مقرراً - لحمل الملتقى اسم السيّاب، هذا الشاعر الذي لا يزال طاغياً بحضوره على رغم غيابه الباكر. إلا ان المؤسسة لم تنس شاعر"أنشودة المطر"فخصته بصفحتين في المنشورة الخاصة بالملتقى ونشرت"أنشودته"الشهيرة التي يخاطب فيها الخليج قائلاً:"يا خليج، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى...". شعراء من أجيال مختلفة، من الداخل العراقي المحاصر بالخوف والنار ومن"المنفى"الأوروبي الذي ما برح يمثل"وطناً"عراقياً موقتاً، استهلّوا لقاءهم عبر إلقاء القصائد معيدين الى المشهد الشعري العراقي بعضاً من وحدته التي بعثرتها الظروف الصعبة. وفي بهو الفندق حيث ينزل الجميع يلتقي هؤلاء، بعضهم ببعض، محاولين التعويض عما فات من صداقة وإلفة وزمالة. وهذا اللقاء يشارك فيه أيضاً مثقفون عرب يتوقون الى رؤية اصدقائهم العراقيين الذين انقطعوا عنهم سنوات طوالاً.