خاض كثير من الكتاب في موضوع الصورة عند العرب وذهبوا إلى أن الحضارة العربية لم تبدع فناً يذكر في المجال التشخيصي - رسم الكائنات الحية - بما في ذلك الإنسان، وطغى عليها فن له طابعه الخاص أطلق عليه اسم"الفن الإسلامي"معتدين في ذلك بمسألة التحريم في الشريعة الإسلامية، وإن كنت أجنح إلى ضرورة البحث في أسباب أخرى غير التحريم بنصوص من القرآن أو السنّة، لأن مسألة التحريم لم تتم مراعاتها في حياة المسلم في جوانب عدة نراها بارزة للعيان، لذلك فإنه بالعودة إلى تاريخنا نجد أن المسألة بحاجة إلى بحثٍ أكثر جدية للوقوف على الأسباب الحقيقية لتأخر هذا الفن لدى العرب، مع ضرورة التنويه منذ البداية إلى أن هناك إشارات عدة أسبق من تلك التي أوردها بعض الكتاب وهم يعالجون هذه المسألة منها مثلاً ما يسوقه شاكر لعيبي في كتابه"الفن الإسلامي والمسيحية العربية". الملاحظ أن علاقة العرب ببلاد فارس كانت ذات روابط متينة كما هي مع الروم، وأشار إليها القرآن في سورة"قريش"بعبارة"رحلة الشتاء والصيف"ويذهب"ابن منظور"إلى القول:"انها كانت مرة إلى بلاد فارس ومرة إلى بلاد الروم"، فأخذ العرب من هؤلاء القوم أشياء كثيرة ولا شك في أنهم أخذوا منهم فن البورتريه، وهناك شواهد تذكرها كتب التراث يمكن أن نستند عليها كدليل منها: زيارة وفدٍ عربي إلى كسرى، فقدمت له وسائد عليها صورة الملك فجلسوا عليها إلا"الحارث بن كلدة"الذي رأى أن يجلس على الأرض ويضع الوسادة على رأسه، فاستهجن كسرى فعله واعتبر هذا السلوك نابعاً من رجل جلف جاء من الصحراء، فأمر خادمه أن يفهمه أن الوسادة للجلوس وليست ليضعها على رأسه، فأجاب الحارث أنه لم يغفل عن ذلك، إنما رأى ألا يجلس على صورة لكسرى إنما يكرمه ويضعه على رأسه، فأعجب كسرى بفعله وأكرمه. من بلاد فارس إلى بلاد العرب وفي بلاط"النعمان بن المنذر"صوّر فنانون فارسيون ملحمة قتالية ل"بهرام جور"وهو يصارع الأسد عندما ألحقه والده بالنعمان لينشأ لديه. وإذا كان تناول موضوع الصور قليلاً في أدبنا العربي إلا أنه غير معدوم، نجد بعض مواطنه بين الكتب، ففي"أخبار النساء"لابن الجوزي في حديثه عن كامل بن الرضين وعشقه لأسماء بنت عبدالله بن المسافر الثقفية - وهي ابنة عمه - كيف مُنع منها حتى أشرف على الهلاك فزُوجها، فحمل إلى الدار فلما دخل شهق ومات، فمرضت أسماء، فلما أحست دنو الأجل قالت لأخص نسائها صوّري لي صورته فإني أحب أن أزوره قبل موتي، ففعلت، فلما رأت الصورة اعتنقتها وشهقت شهقة قضت نحبها. كما نجد ذكر موضوع الصورة في شعر"عبيد الله بن قيس الرقيات"مثل قوله: "وترى في البيت صورتها/ مثلما في البيعة السرج". وهذا البيت يؤكد تعاطي العرب فن التصوير لوجود النصرانية بينهم، وجود الكنائس وفيها صور المسيح وأمه. كما يمكن اعتبار تجارة الرق أحد الأسباب التي أدت إلى انتشار كثير من الصناعات والعادات في المأكل والملبس والمشرب وغير ذلك، فالرقيق كان يشترى أيضاً للحرف والصنائع المختلفة، ومساهمة تجارة الرقيق في تغيير وجه العالم لا يمكن إنكارها بأي حالٍ من الأحوال، غير أننا نتساءل كيف تم توظيف هذا الفن داخل الدولة الإسلامية على قلته؟ لا يمكن أن نجنح إلى الكتب التي بين أيدينا باعتبارها الصادقة في إعطاء الجواب"لأن أهل العلم لهم طريقتهم في انتقاء ما يكتبون، وفي عصرنا الحالي نجد من ينكر نسبة كتاب"المحاسن والأضداد"للجاحظ ويرى أنه نحل له. وهناك من يذهب إلى أن كتاب إعلام الناس بما وقع للبرامكة من بني العباس للإقليدي، كتاب يفتقر إلى الأسس العلمية. دليل آخر يتحفنا به"ابن خلدون"في قصة اسمها"الجازية"مع شكر بن أبي الفتوح - تضاهي قصة هذه المرأة قصة قيس ولبنى وكثير وعزة - إلا أن الخاصة من أهل العلم بالمدن يزهدون في روايتها ويستنكفون عنها لما فيها من خلل الإعراب، إلا أن البحث عن الحقائق يقتضي من الباحث التقصي متبعاً كل وسائل العصر، لكن من دون أن يستنكف من العودة إلى كتاب"ألف ليلة وليلة"مثلاً من أجل قضية ما، فالمجتمع يتكون من طبقات مختلفة للعامة نصيبها منها وللملوك نصيب آخر. وفي النماذج القليلة التي استطعت العثور عليها تتضح لنا نقطة مهمة هي تلبية الصورة لحاجة هي ضرورة من ضرورات الحياة، فهي عند أسماء بنت عبدالله، ذلك التواصل مع الغائب الحاضر دوماً، وفي شعر قيس الرقيات الحضور الدائم المحبوب، أما في كتاب"الأغاني"فنجد صورة ثالثة تعد نادرة تعبر عن قوة تأثير الصورة في شكل أكثر من تأثير الكلمة حتى وإن كانت من شاعر مفلق هجاء يتجنبه كبار القوم حتى لا ينهش أعراضهم وهو"بشار بن برد"، وترويى الحكاية قصة رجل بالبصرة اسمه"دحمان الخراط"، اتخذ جاما لإنسان كان بشار عنده فسأله بشار أن يتخذ له جاماً فيه صور طير تطير، فقال له كان ينبغي أن تتخذ فوق هذا الطير طائراً من الجوارح كأنه يريد صيدها، فإنه كان أحسن، قال: لم أعلم، قال: بلى قد علمت ولكن علمت أني أعمى لا أبصر شيئاًَ، وتهدده بالهجاء فقال له حمدان: لا تفعل فإنك تندم، قال: أَو تهددني أيضاً، قال: نعم، قال: فأي شيء تستطيع أن تصنع إن هجوتك، قال أصورك على داري بصورتك هذه، وأجعل من خلفك قرداً يفحش بك حتى يراك الصادر والوارد، فقال بشار: اللهم أخزه، أنا أمازحه وهو يأبى إلا الجد! بهذه المكانة حظيت الصورة لدى العرب وإن لم تنتشر، حتى أصبحت توازي الكلمة التي امتاز بها العرب والفصاحة والبيان، حتى قيل انهم سموا بالعرب لإعرابهم عن أنفسهم، أي الإبانة فطغت الكلمة عندهم على الصورة لأنها وليدة بيئتهم، أما الصورة فمهما كانت فهي صادرة إليهم من أقوامٍ سبقوهم إليها، وربما اتخذوا الصورة إلى جانب الكلمة ليجمعوا بين السمع والرؤية. لقد حافظ العرب على الكلمة أكثر من الصورة"لأنها أسرع في النقل ومتاحة لشريحة واسعة من الناس، فالحجاج بن يوسف عندما وفد إليه رسول المهلب بن أبي صفرة أمره أن يصف له معركته مع الخوارج كأنه يراها... بهذه القدرة على التعبير اضمحلت من مخيلة الناس الحاجة في شكل ملح إلى الصورة، لكن هذا مجرد افتراض أدت إليه قلة المراجع الدالة على وجود هذا الفن في شكلٍ أوسع، وربما تحقيق كتب تراث أخرى مع قراءات موسعة وبحثية على أسس علمية في المستقبل تؤدي إلى تغير هذه النتيجة. كاتبة جزائرية.