نشرت "الحياة" مقالاً عنوانه "حول محاربة الفكر القومي" للكاتب شبلي العيسمي في يومين متتالين هما 19 و20 نيسان ابريل 2005. في بداية مقالي أستشعر الحزن لأنه مضى أكثر من مئة سنة في الحديث عن العروبة في شكل عام، وعن العلاقة بين العروبة والإسلام في شكل خاص، وما زال الكلام في جوانب كثيرة منه غير موضوعي وغير علمي ويكتنفه الكثير من الغموض والأوهام والأماني. وهناك أمثلة عدة في مقال العيسمي، منها: اعتباره أن القومية في أوضح التعريفات وأبسطها حب القوم، وهذا الكلام غير دقيق. فالقومية العربية مفهوم حديث يرجع الى منتصف القرن التاسع عشر ونهايته، وهي ترجمة للكلمة Nationalism والتي تعني "الأمية" نسبة الى الأمة، لكن العرب ترجموها الى "القومية" نسبة الى "القوم" هروباً من معاني "الأمية" التي تعني جهل القراءة والكتابة وتعني عدم الثقافة والتعل. أما اعتبار القومية قديمة وربطها بوجود الأمة العربية قبل الاسلام فهذا صحيح اذا كانت الأممة العربية موجودة قبل الاسلام، لكن من المؤكد أن الأمة العربية غير موجودة قبل الإسلام، وهي غير موجودة بعد الاسلام بالمعنى القومي الذي يعتبر أن الأمة تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، فالأمة الموجودة بعد الاسلام تقوم على عامل الدين. والمتفائل من القوميين جعل انتهاء تكوين الأمة العربية بالمعنى القومي في العهد المملوكي وما بعده، ومن القائلين بهذا الرأي عصمت سيف الدولة وعبدالعزيز الدوري. أما الإبهام والأوهام والخلط في الحديث عن العروبة فيتضح أكثر عند الحديث عن العلاقة بين العروبة والإسلام، وقبل أن أناقش ما قاله العيسمي يجب أن نحدد ما الذي تعنيه العروبة. فعند العوندة الى مراجع التراث ومن ضمنها لسان العرب، نجد أن العَروبة بالفتح تعني يوم الجمعة، والعُروبة بالضم تعني أمرين: اللغة والنسب العربي، وقد أقرّ الإسلام والمسلمون بهذين الأمرين على مدار التاريخ، فكانا محط اهتمام واحترام، فاهتموا باللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم ولغة العبادات ولغة مناجاة الرب سبحانه وتعالى. واهتموا بالعرب، فكان العرب مخيّرين بين دخول الإسلام أو القتال في حين أن الشعوب الأخرى كانت مخيّرة بين ثلاثة أمور: الإسلام أو القتال أو الجزية. لذلك فإن أي حديث عن العلاقة بين العروبة والإسلام خارج هذين الأمرين: اللغة والنسب، كلام غير علمي وغير موضوعي ويدخل ضمن دائرة الأوهام والخلط والأماني، والمثال الأول على ذلك قول العيسمي: "وهذا من السهل على أي عربي أن يجد العروبة في قراءته للقرآن وفي الصلاة والحج والأذان والفقه فضلاً عن الحضارة والتراث والتاريخ". والسؤال الآن: ما العروبة التي يجدها العربي في كل الأمور السابقة؟ يجد العربي شيئاً واحداً هو اللغى العربية، ما عدا ذلك فكلها أمور جديدة على الواقع العربي، صاغها الاسلام بقيَمه ومبادئه وتصوراته وافكاره صياغة جديدة أرجع العيسمي عدم قيام الوحدة العربية الى النزعة القطرية والى رغبة الاستعمار في التفريق بين فئات الأمة من أجل تحقيق مصالحه الخاصة، لكن هذا التشخيص لا يملك الحقيقة كاملة إنما هو يصوّر جانباً منها، أما الجانب الآخر من الحقيقة فهي أن القوميين لهم دورهم الكبير في عدم تحقق الوحدة بسبب ممارساتهم القائمة على إضعاف العامل الرئيس في بناء الأمة وهو عامل الوحدة الثقافية، وذلك بسبب موقفهم من الدي الإسلامي الباني لهذه الوحدة الثقافية، هذا الموقف يراوح بين التنكر للدين والمعاداة ومحاولة الاستئصال، لا لشيء حقيقي، وإنما لأن القومية في أوروبا قامت على ذلك، وفعلت ذلك. أظن أننا نستطيع - الآن - أن نضع أيدينا على سبب رئيس لعدم نهوضنا، ولمعرفة سبب سقوط العراق المذهل وغير الطبيعي خلال عشرين يوماً من الغزو الأميركي، وهو أن القيادات القومية العربية خلال القرن الماضي كانت تتعامل مع مفهوم العروبة بتحميله المعاني التي لا يحتملها، وتتعامل مع العلاقة بين العروبة والإسلام بالأوهام والخلط والأماني وليس بالطريقة العلمية الموضوعية التي تقتضي وعي الحقائق على أرض الواقع. كاتب فلسطيني.