استقطبت"منطقة الفنادق"في مدينة حلب أموال المستثمرين السياحيين منذ ما ينيف على نصف قرن. وشهدت السنوات الأخيرة نشاطاً ملحوظاً في القطاع الفندقي من خلال زيادة السعة الإيوائية بواسطة مشاريع جديدة أبصر بعضها النور وتنتظر أخرى كي تقدم خدماتها قريباً. ويعتبر هذا التجمع الفندقي الواقع في وسط المدينة التجاري، ويضم منطقة بستان كل آب ومحلة باب جنين وباب الفرج، من أكبر التجمعات في الشرق الأوسط، إذ يحتوي على حوالى مئة فندق من مختلف الدرجات تهيمن عليها فئتا النجمتين والثلاث نجوم. نقلة نوعية تتراص الفنادق بجانب بعضها بعضاً لتؤلف كتلة معمارية ضخمة متجانسة التصميم أوفت بمتطلبات الجذب السياحي في فترتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي. ولئن فقدت بريقها في عيون مرتاديها من السياح العرب والغربيين مع نمو سلاسل الفنادق الفخمة، إلا أن سياح أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً، وبخاصة روسيا، حافظوا على عهد وفائهم معها ووجدوا فيها الدفء الذي افتقدوه في ما عداها. تتاخم منطقة الفنادق ساعة باب الفرج التي يرجع تاريخ بناء عمودها الحجري الى العام 1899، والمكتبة الوطنية التي افتتحت العام 1930 والمتحف والمصارف والمقاهي الشعبية والأسواق التجارية مثل التلل والقوتلي. ونشّطت شركات السياحة ومكاتبها في شارع بارون، الذي يحد المنطقة من جهة الغرب، عجلة السياحة، وبددت الملاهي الساهرة سكون المنطقة ليلاً! ودشّن استثمار فندق بارون من قبل شركة أجنبية منذ 15 عاماً عهد الاستثمارات في المنطقة. وترجع شهرة الفندق الى الشخصيات التي أقامت فيه مثل فيصل ملك سورية في بداية العشرينات من القرن الماضي والكاتبة البوليسية أغاتا كريستي حيث كتبت في إحدى غرفه رواية"جريمة في قطار الشرق السريع". وبينما تاخمت فنادق من فئة الأربع نجوم مثل"أمير بالاس"و"بلانيت"منطقة الفندق، رأى مستثمرون أن يبتعدوا عن مركز المدينة فأسسوا موتيلات في البيوت العربية التقليدية في منطقة الجديدة المجاورة. وبدأت الانطلاقة الحقيقية للاستثمار السياحي في المنطقة مع وضع حجر الأساس لفندق"شيراتون حلب"ذي الخمس نجوم الذي تملكه شركة باب الفرج للسياحة والفنادق. ويضم 200 غرفة وأجنحة مختلفة ومطاعم ونادياً صحياً وقاعة اجتماعات ومرآباً طابقياً ضخماً لمبيت السيارات. ومن المتوقع أن يفتتح أمام السياح قريباً ويجذب بقية المستثمرين نحو المنطقة خصوصاً بعد الانتهاء من أعمال تجديد البنية التحتية فيها. وبالفعل باشر أحد المغتربين السوريين في تحويل عقاره في قلب منطقة بستان كل آب الى فندق أربع نجوم بكلفة مليار ليرة سورية الدولار نحو خمسين ليرة وبمساحة طابقية قدرها 1200 متر مربع، بعد سنوات عدة من تعثر المشروع"بسبب دعاوى قضائية مع مستأجرين تم إخلاؤهم بموجب دعوى قضائية أيضاً". كما ينوي أصحاب بعض الفنادق القديمة صيانتها وتحسين جودة خدماتها نتيجة للمنافسة الكبيرة في القطاع الفندقي. تاريخ مجيد يفضل بعض السياح النزول في فنادق بستان كل آب أو"كليب"وفق الاسم الشائع بسبب تهاود أسعار المبيت مقارنة بغيرها ولقربها من المدينة القديمة ومعظم الأوابد التاريخية. ويؤثر زوار المنطقة الشرقية من سورية المبيت فيها لأن"ماضيها المجيد"لم يفقد الصلة بعد مع ذاكرتهم، على رغم تراجع حركة السياحة الداخلية وانزياح خط سيرها جهة المنطقة الساحلية والجبلية. وشكا أحد النزلاء من أن هذا العدد الكبير من الفنادق جاء تلبية للطلب المتزايد عليه، وقال:"ربما حال تطور الطرق ووسائل المواصلات مع بقية المناطق السورية الشمالية والشرقية والساحلية دون المبيت في حلب راهناً، إذ في إمكان زائر حلب العودة الى بلده في أي وقت بينما كان يضطر في فترات سابقة الى النزول في مركز المدينة ريثما يتدبر شؤونه". وتلاحظ حركة تجارية نشطة يقودها السياح الروس، وبخاصة السائحات، في مدخل الفنادق التي تعج بالبضاعة سواء التي جلبوها معهم لتصريفها في السوق السورية أو تلك التي اشتروها بغرض تصديرها. ولسياح دول الاتحاد السوفياتي السابق إلفة مع مدينة حلب التي اعتبرت بوابتهم الوحيدة الى سورية قبل دخول العاصمة دمشق على خط المنافسة. ولا تزال حلب تحتل المرتبة الأولى لجهة استقطاب هؤلاء ويلعب تجارها الذين اختبروا السوق الروسية دوراً حيوياً في هذا المجال. ويمكن زائر مطار حلب الدولي ان يلاحظ مقدار العلاقة الحميمة التي تربط روسيا الاتحادية بحلب. ويلفت الانتباه منافسة اللغة الروسية للغة العربية على لافتات المحال في منطقة باب جنين وبستان كل آب والمناطق المحيطة بهما مثل محال شارع التلل. وقال محمود حجار، صاحب أحد الفنادق ان حركة مبيت السياح"تحسنت عما هي عليه في السنتين الأخيرتين بعد فترة ركود امتدت ثلاث سنوات كانت حلب قبلها مركزاً تجارياً مهماً يؤمه السياح بهدف التسوق والتجارة حتى انها نافست مدينتي دمشق وطرطوس في استقطاب المتسوقين اللبنانيين". وللأتراك حصة لا بأس بها من عدد الليالي السياحية في تلك الفنادق بعد تطبيع العلاقات بين البلدين إثر فترة قطيعة امتدت عقوداً. ونتيجة لأواصر القربى والمصاهرة بين الحلبيين والأتراك يؤثر زوار اليوم الواحد من الأخيرين المبيت في مدينة حلب القريبة جغرافياً وروحياً من الأتراك، وفي شكل خاص لأبناء المنطقة الجنوبية منهم. وقال اسماعيل محيميد من محافظة دير الزور انه ألف النزول في فنادق حلب القديمة منذ دراسته في جامعة حلب:"ما زلت أحن الى تلك الفنادق التي تربطني علاقة صداقة مع بعض أصحابها، وأغتنم الفرصة بين الحين والآخر لزيارتها والمبيت فيها". ويشار الى أن المنطقة كانت في بدايات القرن الماضي عبارة عن بساتين للأشجار المثمرة خارج منطقة الأسوار من جهة باب الجنان أو"باب جنين"والذي هدم هو الآخر وتحول الى فنادق ومحال تجارية.