استأثرت حلب بحصة كبيرة من اللبنانيين الراغبين في التسوق على حساب المحافظات السورية المتاخمة للبنان، ومن المتوقع تزايد العدد بنسبة كبيرة في السنوات المقبلة، بعدما باتت وجهة مفضلة منافسة لامتلاكها الكثير من المغريات التسويقية مثل وفرة السلع وتنوعها وانخفاض سعرها مع امتلاكها في الوقت ذاته عاملي الجودة والنوعية. وتتعدد أغراض الزيارة لتشمل زيارة الأقارب والأماكن الدينية والأثرية والمشاركة في الفاعليات الاقتصادية. وتتميز حلب بطابع خاص لدى زوارها اللبنانيين الذين يقصدونها، إذ أن أعداداً كبيرة من المثقفين وخريجي الجامعات اللبنانية يتحدرون من عائلات حلبية استقر أفرادها في لبنان. كما فرّت إلى لبنان عائلات حلبية ذات أصول إقطاعية ومنها البرجوازية الناشئة في الستينيات ، بعد صدور قوانين التأميم والإصلاح الزراعي، لتساهم في نهضة لبنان التجارية والخدماتية لا سيما في مجال الإعلام والمال. وشكّل لبنان ملاذاً آمناً لعناصر التنظيمات الحزبية السورية التي لوحقت في فترة الانقلابات التي شهدتها سورية، والتي بقيت في لبنان بعد فترة الاستقرار السياسي. وقدّر عاملون في مجال السياحة عدد اللبنانيين الذين زاروا حلب خلال العام 1999 ب200 ألف سائح بزيادة قدرها 25 في المئة عن العام الذي سبقه. ولا تشير الإحصاءات الرسمية إلى الأعداد الحقيقية للسياح اللبنانيين لعدم وجود منافذ حدودية مشتركة بين حلب ولبنان كما أن مطارها لا يحظى بسمعة دولية تجعله مؤهلاً لاستقبال أفواج السياح الوافدين، على رغم التفاؤل بالعدد الكبير الذ ي سيحمله الخط الجديد الجوي المفتوح بين بيروت وحلب. ويقصد اللبنانيونالمدينة للتسوق وزيارة الأقارب، ولا تستدعي الحالتان الإقامة في أيّ من غرف المبيت، لذلك لا تعطي لائحة عدد الليالي الفندقية صورة حقيقية عن عدد الزوار اللبنانيين عدا القلة منهم الذين يرتادون حلب للسياحة والمشاركة في المؤتمرات والمعارض بعدما راجت صناعة المعارض في الفترة الأخيرة مستقطبة أعداداً لا بأس بها من رجال الأعمال اللبنانيين "لتشابك المصالح الاقتصادية بين حلب ولبنان من جهة وللمكانة والحضور الهام الذي تشغله حلب في حياة اللبنانيين عدا أواصر القربى من جهة أخرى". كما يقول كامل حداد الذي قدم إلى حلب للمشاركة في "معرض الصناعات البلاستيكية الأول" الذي أقيم على أرض سوق الإنتاج الزراعي والصناعي في حلب. ونحى السيد كرم باللائمة على عدم ديناميكية قوانين الاستثمار السورية وتخلف القطاع المصرفي في قلة اجتذاب رؤوس الأموال التي يملكها الحلبيون في الخارج كما في لبنان، وحفزهم على استثمارها في مشاريع ناجحة تدرّ أرباحاً سريعة، وتؤدي في المحصلة إلى تمتين العلاقات التجارية بين سورية ولبنان. دأب اللبنانيون على الاستفادة من المهارات الفنية التي يشتهر بها حرفيو حلب، لا سيما أعمال الزخرفة والنقش والصياغة وخط الصدف واللؤلؤ والتطعيم بالفضة والذهب والكهرمان، إضافة إلى مختلف أصناف الصناعات اليدوية والتقليدية. ويفكر خالد الطويل، مالك ورشة مختصة في الزخرفة الإسلامية بمادة الجبس، بافتتاح فرع له في بيروت لأن معظم زبائنه من لبنان "وهم مهتمون بالتصاميم والديكورات الشرقية التي تضفي نوعاً من الرتابة والسكينة على المكان". حسب قوله. ويجهد السيد الطويل في ابتكار رسومات وتزيينات رائعة لنماذجه التي تتعدد لتشمل صناديق الزينة والمجوهرات وطاولات الزهر والمقرنصات المقنصات بمختلف أشكالها. وكان لقرار رفع الرسوم عن عبور السيارات الخاصة والعامة المنافذ الحدودية بين سورية ولبنان الصادر منذ خمس سنوات أثر هام في زيادة عدد اللبنانيين القادمين إلى سورية. ولم يؤثر ذلك، في شكل مباشر، على عمل قوافل سيارات النقل العمومية التي تملكها شركات النقل السياحية في البلدين، ذلك أن معظم المسافرين من ذوي الدخل المحدود. ويحبذ السائح اللبناني ارتياد المطاعم الشرقية لا سيما تلك الواقعة في المناطق القديمة، حيث شرع مستثمرون بتحويل دور حلبية تاريخية إلى مطاعم وفنادق من فئة الأربع نجوم مثل "حوش السيسي" ودور "زمريا" و"الياسمين" و"وكيل"، ويقول أحد المشرفين على الأخيرة، وهي إحدى دور زقاق السيسي في منطقة الجْديدة، أن أكثر رواده من اللبنانيين لأن "الجو الشرقي من موسيقى ومأكولات وكذلك طبيعة الطراز المعماري للمنشأة أعطى المكان خصوصية مميزة ومحببة للزوار الأجانب واللبنانيين الذين يفضلون أجواء مريحة من هذا القبيل"، حسب قوله. مغريات حلبية تقول هدى ناصر، لبنانية من البقاع، أنها تحب ارتياد المطاعم الشرقية، وحلب في مخيلتها "تشبه مائدة كبيرة لما تشتهر به من أطعمة لا سيما الكبب الحلبية والمحاشي والكباب والحلويات على تعدد أصنافها". وتضيف أن معظم حاجاتها ومقتنياتها تشتريه من حلب التي تقصدها مرتين شهرياً لزيارة أقاربها "وغالباً ما أصطحب صديقاتي إلى حلب لأن والدتي من حلب وتملك بيتاً فيها". ولفت انتباه جاكلين خليل، اللبنانية من بيروت، أن معظم الألبسة التي كانت تشتريها من بيروتودمشق وطرطوس مصّنع في حلب لا سيما القطنيات. وتقول في ذلك: "تضاهي الألبسة القطنية الحلبية تلك المصنّعة في أوروبا، حتى أنه في كثير من الأحيان يتم تغيير علامتها التجارية لتباع على أنها فرنسية أو إيطالية الصنع نظراً إلى أن بيوتات إنتاج دولية أقرت بجودة المنتج الحلبي وباتت تصنّع منتجاتها للتصدير في حلب، ولذا أفضّل شراء الملبوسات ذات الماركات العالمية من حلب". يذكر أن انخفاض أسعار الألبسة، التي تحمل علامات تجارية لدور أزياء عالمية مثل "أديداس"، "كيكرز"، "ناف ناف"، "ميريتل"، و""بينيتون" والتي تحوي فروعاً لها في حلب، يزيد من إقبال اللبنانيين على شرائها لتفاوت أسعارها بين حلب وبيروت، إضافة إلى فارق السعر الناتج عن تدني قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي الدولار يعادل خمسين ليرة وهذا ما يزيد من القدرة الشرائية للسائح اللبناني لارتفاع متوسط الدخل لديه على رغم تدني قيمة الليرة اللبنانية. وفي بعض الأحيان، يصل فارق الأسعار إلى مئة في المئة للهدايا والتحف والفضيات والألبسة النسيجية لا سيما ألبسة الأطفال والجلابيات النسائية وألبسة الرياضة. حتى أن الكثير من محال الألبسة في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية تعاقد مع ورش حلبية لتصريف كامل إنتاجها من الألبسة. من جهتها قصدت منى درويش، حلبية مقيمة في بيروت، مدينتها حلب لشراء مستلزمات زواج ابنتها من حلى ذهبية ولباس وأدوات منزلية، مشيرة إلى أن النساء اللبنانيات يفضلن شراء "جهاز العروس" من حلب لما تتفرد به محلات المدينة من ذوق رفيع في ابتكار نماذج عصرية لبدلات الفرح وفساتين السهرة. ويتوقع اقتصاديون أن تشكل السياحة السورية نسبة معقولة في ميزان التجارة الخارجية غير المنظورة، باعتبار صادرات خدمات السياحة ووارداتها لا تمر بمصلحة الجمارك، بعد نفاذ الاتفاقات الجمركية الموقعة بداية العام 1999 الخاصة باقامة منطقة التجارة العربية الحرة بين سورية والدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية وتخفيض الرسوم الجمركية عشرة في المئة سنوياً. وكذلك الاتفاق الموقع بين حكومتي سورية ولبنان عام 1998 والتي يتم بموجبها تخفيض الرسوم الجمركية 25 في المئة سنوياً، في عملية ترشيد لعرض السلع ما سيؤدي إلى رفع كفاءة الفروع الإنتاجية وتخصيصها وبالتالي انخفاض أسعار السلع السورية، لا سيما المصنّعة في حلب العاصمة الاقتصادية لسورية، وجعلها مؤهلة لولوج أسواق تلك الدول ومنافسة سلعها. وإن لم تشكل السياحة نسبة الواحد في المئة من إجمالي الصادرات حالياً. ليش يا "شوام"... يرى حسام زعرور من شتورة، أن المساومة التي يعتبرها "الشوام" فناً ويتباهون بها في تصريف بضاعتهم تنفر السائح الأجنبي. يقول: "لا أستطيع تقدير القيمة الفعلية للسلعة، إذا لم يكن هناك مجالاً للمقارنة، وأشعر دائماً أنني مغبون لدى شراء أي سلعة". وأشاد في الوقت ذاته بأسواق التسوق المرافقة للمهرجانات السياحية التي ترعاها وزارتا السياحة والثقافة السوريتان، لا سيما المقامة في محافظات حدودية مع لبنان كحمص وطرطوس ودمشق "لأنها تتيح الفرصة أمام اللبنانيين لتسوق حاجاتهم كما في مهرجان طرطوس السياحي". في المقابل، تمنى أميل كرم من بيروت، أن تنجح مساعي المجلس الأعلى للسياحة في إقامة مهرجاني التسوق في دمشق وحلب أسوة بمهرجان دبي، لأن ذلك من شأنه اجتذاب أعداد لا بأس بها من اللبنانيين. وشرح سبب زيارته إلى حلب بالقول :"أعرف حلب كما أعرف بيروت لأنني أقضي أوقاتاً طويلة فيها وأقود سيارة شاحنة تنقل بضاعة بين حلب وبيروت. وأزور أختي المقيمة في حلب وأتسوق لوازم العائلة أسبوعياً من حلب لرخص أسعارها وجودتها ونوعيتها العالية". وانتقد أسلوب المساومة والمراوغة التي يتبعها البائع الدمشقي في عملية البيع معتبراً "الصدق والأمانة والنزاهة وراء نجاح وشهرة التاجر الحلبي". زيارة حلب وأحيائها القديمة جولة زائر حلب ممتعة ومفيدة إذا ما استهلت بزيارة أبرز معالمها ومنها جامعها الأموي والمساجد والكنائس القديمة والخانات والقيثاريات والحمامات والبيمارستانات والمدارس الدينية. ولعل من أهم الأوابد قلعة حلب الشهيرة التي تعدّ أضخم قلعة في العالم ولا يعرف زمن بنائها بالتحديد، وحولها تتوزع أحياء حلب القديمة التي تشعر السائح بالألفة المستمدة من عراقة الشرق. ولابدّ من أخذ قسط من الراحة في أحد مقاهي الرصيف القائمة مقابل مدخل القلعة قبل ولوج أبواب "المْدينة" القديمة عبر شبكة من الأزقة الضيقة المسقوفة التي يزيد طولها عن 12 كيلو متراً والتي تعدّ بذلك أطول سوق تجارية مسقوفة في العالم. وتقسّم هذه الشبكة إلى أسواق متخصصة في بيع مختلف أنواع السلع التي تغري الزائر بالتبضع. ويشغل الجوالون شوارع وأزقة وسط المدينة عارضين بضاعتهم المتنوعة الوفيرة فوق "بسطة" يمدونها أمامهم، وتشكل بحد ذاتها ظاهرة طريفة. وهم يتحدّون قرارات مجلس مدينة حلب الخاصة بمنع اشغال الأرصفة، ويكتفون في بيعهم بربح زهيد جداً قياساً إلى أرباح المحلات التجارية، وهذا ما يبرر اقبال السياح على الشراء من هذه "البسطات".