في حفلة أقيمت ضمن فعاليات الدورة الثالثة لپ"أمسيات فاس الشعرية"التي ينظمها"بيت الشعر"في المغرب تنسيقاً مع جامعة محمد بن عبدالله وبلدية فاس مندوبية وزارة الثقافة في العاصمة العلمية للمملكة، تسلم الشاعر المغربي محمد السرغيني جائزة الأركانة العالمية للشعر التي يمنحها"بيت الشعر". وإذا عادت هذه الجائزة في دورتها الأولى إلى الشاعر الصيني المقيم في الولاياتالمتحدة الأميركية بيي ضاو، والتي كان تسلمها في إطار فعاليات"المهرجان العالمي للشعر"الذي احتضنته الدار البيضاء سنة 2002، فإن"بيت الشعر"شاء هذه المرة أن يمنح جائزة الأركانة الثانية للشاعر والناقد محمد السرغيني في مدينته فاس التي وُلد فيها سنة 1930، واحتفى بها في بعض قصائده ودواوينه، ودرّس أبناءها الأدب والمعرفة الشعرية منذ سنة 1950 إلى حين مغادرته كلية الآداب محالاً على التقاعد سنة 1995. وكان السرغيني التحق بسلك التدريس مبكراً، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة تعليمه العالي. وهكذا غادر فاس إلى العراق حيث حصل سنة 1959 على الإجازة في الأدب العربي من جامعة بغداد، قبل أن يعود إلى المغرب ليحصل على شهادة الأدب المقارن من جامعة محمد الخامس في الرباط سنة 1963، وعلى دكتوراه السلك الثالث من جامعة السوربون في باريس سنة 1970، ثم دكتوراه الدولة من السوربون سنة 1985. وأصدر الشاعر طوال مسيرته الشعرية الحافلة التي انطلقت في الخمسينات من القرن الفائت عدداً من الدواوين التي أسست للحداثة الشعرية المغربية، ونذكر منها:"وَيكونُ إحراقُ أسمائه الآتية"،"بحار جبل قاف"،"من فعل هذا بجماجمكم؟"،"احتياطي العاج"، إضافة إلى ديوان باللغة الفرنسية تحت عنوان"جناز إلى محمد خير الدين". وقبل أن يتسلم السرغيني درع الجائزة وهو على شكل"شجرة أركان برونزية"وشيكاً نقدياً قدمه له"بنك الوفاء"، تحدث رئيس بيت الشعر في المغرب عبدالرحمان طنكول مؤكداً أن منح جائزة الأركانة هذه الدورة لشاعر مغربي أمر يعزز مكانة الشعر المغربي على الصعيد العالمي. ولأن الشعر هو توطين ذكرى الآتي، يقول طنكول، فإن السرغيني تمكن فعلاً من أن يوطن ذكرى الآتي بما يتسم به شعره من استشراف لآفاق لا نهاية لها. أما السرغيني فأكد بعد تسلمه الجائزة أن الشعر ما زال حياً، خصوصاً في مدينة مثل فاس حيث لا يمكن من يعيش على أرضها إلا أن يتنفس شعراً، واختتم صاحب الأركانة كلمته بقراءة شعرية لمقتطفات من عمله الشعري الجديد"تنويهاً بحالات ضعف الذاكرة". ويبدو أن جائزة أركانة للشعر، وبعدما نجحت في دورتها الأولى في خلق أفق عالمي لها من خلال منحها للشاعر الصيني بيي ضاو، توقفت هذه المرة بامتياز في الانغراس في التربة الشعرية المغربية وفي الانتصار الواضح والحاسم للاختيار الشعري الحداثي. فمحمد السرغيني لا يعتبر فقط مُعلماً للأجيال الشعرية والنقدية في المغرب، لكنه أساساً أحد أهم رواد الحداثة في هذا البلد. فهو أول الشعراء الكبار الذين أعلنوا مبكراً عبر القصيدة رفضاً قاطعاً للجماليات المكرورة لقصيدة التفعيلة. أما قصيدة السرغيني فهي كما يصفها الشاعر نور الدين الزويتني"قصيدة لا تقول أكثر من توترها، حيث الكلمات والعبارات لا تعني بقدر ما تتصادم باستمرار في ما بينها. أما السرغيني فلا يأبه بإثبات الشروط وتثبيتها بقدر ما ينقضها نقضاً، غير عابئ بالفضاءات الخراب التي يتركها وراءه والتي ستضطلع بتعميرها قصيدة أخرى، ستنجح في فك التوتر لمصلحة حساسية جديدة هي الحساسية المرتبطة بقصيدة النثر".