يكشف الممثل والمخرج نمر سلمون عن حيوية لافتة، فمسرحيته"المهرج المتأمل"التي يقدمها حالياً على مسرح"مونو"في بيروت هي عمله الرابع في أقل من ستة أشهر على قدومه من اسبانيا حيث يُنهي دراساته العليا. والحيوية هذه ستكون مضاعفة ولافتة أكثر حين نعلم أن الأعمال الأربعة كانت من تأليفه وتمثيله وإخراجه. اثنان منها قدمهما نمر سلمون بصفته حكواتياً، والعمل الثالث كان درساً ارتجالياً درامياً بمشاركة الجمهور، أما"المهرج المتأمل"، عمله الرابع، فهو مونودراما وصفها بأنها كوميديا متصوفة. يروي العرض حكاية شخصية اسمها سلمون بدءاً من ولادته التي تضعه أمام خيارين، ان يكون مهرجاً أو متصوفاً، فيختار التصوف أولاً لكنه يكتشف انه يضحك الناس فيقرر التحول الى مهرج فيُبكي الناس بنكاته التي تحمل نفساً صوفياً. ولحل المشكلة يقترح عليه معلم حرفة التهريج أن يبحث في موضوع أكاديمي لكي يتعلم فن الاضحاك. أما عنوان البحث فهو جسدك هو العالم فأعد ترتيبته. العرض الذي قُدم بالفصحى يلعب على التحولات الجسدية والصوتية والفكرية التي يمر بها نمر سلمون كممثل وحيد على الخشبة. حيث يدور صراع حاد بين ذواته الثلاث ينتهي أخيراً بتعاون هذه الذوات على تنفيذ فكرة ترتيب العالم. ليكتشف الجمهور، الذي يشارك في هذا الترتيب، أن العالم في صورته الحالية قائم على انعدام العدالة بين الشعوب. يعتمد نمر سلمون أسلوباً متقشفاً في كل ما يتعلق بالعرض. فالنص قائم على تدفق اللغة التي تتبدل بحسب الشخصية التي يتقمصها بطل المونودراما، وقد تميز نمر سلمون في الاستعانة بأكثر من نبرة صوتية لإقناع المشاهدين بالتغيرات التي تمر بها الشخصية. ويحدث ذلك على خشبة خالية إلا من مجسم لإنسان سيستخدم في نهاية العرض كوسيلة شرح وايضاح لفكرة توزيع خريطة العالم على أقسام جسده. الأسلوب المتقشف يذكرنا، في هذا المعنى، بأجواء المسرح الفقير الذي دعا فيه غروتوفسكي الى تقديس جسد الممثل والاعتماد عليه بصفته الرهان الأساس والجوهري لأي عمل مسرحي. ونمر سلمون تبنى هذا الطرح، من دون إعلان انتماء توثيقي طبعاً، في اعتماده على سينوغرافيا زاهدة وفقيرة وعلى حضوره الجسدي والانفعالي لقيادة العرض كله. والأرجح ان هذا الاسلوب ظهر بنسب متفاوتة في الأعمال الثلاثة السابقة التي قدمها في بيروت. أقصد اعتماده في التمثيل على نفسه فقط، وتطبيقه نهجاً يكتفي بالممثل ويستبعد، حتى الآن، أي حضور للتقنيات والاقتراحات الأكثر حداثة للمسرح كما نراها ونتابعها في عروض محلية وعربية وعالمية. القصد أن نمر سلمون لا يزال يقدم نفسه كمسرحي قديم، وصفة القديم هنا لا تعني تثمين عمله أو التقليل من أهميته، بل القصد أن نمر سلمون ربما يعلن عن رغبة في أن يكون منتمياً الى تقاليد مسرحية راسخة، وأن يتحرك في فضاء يعطي الى الممثل حقه الكامل في أي عرض مسرحي، بعدما أقصته التقنيات، في عروض راهنة كثيرة، أو خففت من حضوره لمصلحة اقتراحات بصرية واخراجية مختلفة ومغايرة.