لم يحظ بول ريكور، في النتاج الثقافي العربي، بالاهتمام الذي حظي به الكثير من الفلاسفة والمفكرين الفرنسيين، من أمثال جان بول سارتر وجان لوي ألتوسير وميشال فوكو وجيل دولوز ورولان بارت وجاك دريدا وبيار بورديو وسواهم. ربما يعود ذلك الى عدم تأسيسه منهجاً ما، مثل"وجودية"سارتر و"حفريات"فوكو و"تفكيكيات"دريدا و"تأويليات"غادامر ودلتاي، أو الى حال التهميش أو الاقصاء التي تعرض لها في وطنه فرنسا، عندما غاب في ستينات وسبعينات القرن العشرين المنصرم عن حقل النقاش الفرنسي المحتدم في ذلك الوقت. وهناك أسباب تتعلق بوضعه الوظيفي والأكاديمي في تلك الفترة الحرجة من تاريخ فرنسا، وأسباب شخصية، تتعلق بطباع ريكور الذي لا يحب الظهور اعلامياً في مظهر الفيلسوف المندمج بقضايا العصر، أي كفيلسوف عضوي. علماً أنه وقف مواقف مناهضة لحرب الجزائر والبوسنة والعراق، وانخرط أخيراً في الفضاء السياسي العام، من خلال اسهامه القوي في الجدل الذي دار حول مسألة ارتداء الحجاب، ومحاكمة مجرمي الحرب والاستنساخ. تنقل ريكور في أعماله الفلسفية والفكرية في حقول عدة، ونهل من معظم المدارس والاتجاهات والنظريات التي عرفها القرن العشرون، ما يدل على امتلاكه قدرة كبيرة على دمج النظريات المتباينة، وتطويعها ضمن رؤيته الفلسفية ومشروعه الأخلاقي الديني. وهكذا اشتهر بانتقاله من منهج الى آخر وبقدرته النقدية خلال حياته الفلسفية والفكرية الطويلة. وعلى رغم ان أعمال ريكور تناولت مساحات واسعة في الفلسفة والفكر والأدب، تمتد من الظواهرية الى الوجودية ونقدها، الى نقد الفرويدية، ثم تأسيسه نظرية خاصة بالتأويل تستند الى ارثه الواسع، الا ان أثره في التناول العربي اقتصر على بضع دراسات وترجمات متفرقة، توضح بعض أطروحاته وآرائه الفلسفية والأدبية. ويعود الاهتمام العربي، قراءة وترجمة وتوظيفاً الى وقت متأخر جداً، وتحديداً الى نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الجديد، حين ترجم القليل من كتبه الى العربية. ترجم سعيد الغانمي عن الانكليزية كتاب"الوجود والزمان والسرد"المركز الثقافي العربي، 1999، وكذلك"نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى"المركز الثقافي العربي، 2003، وترجم كل من محمد برادة وحسان بورقية كتاب"من النص الى الفعل: أبحاث في التأويل"عين للدراسات، 2001. وترجم فلاح رحيم كتاب"محاضرات في الايديولوجيا واليوتوبيا"دار الكتاب الجديد المتحد، 2002، ثم ترجم كتاب"الانسان الواهن"الى اللغة العربية عدنان نجيب الدين تحت اسم"الإنسان الخطّاء"المركز الثقافي العربي، 2003، وكان ريكور نشره ضمن مؤلفه الضخم"فلسفة الارادة". وترجم وجيه أسعد كتاب"في التفسير: محاولة في فرويد"أطلس، 2004. وترجم منذر عياشي كتاب"صراع التأويلات: دراسات هيرمينوطيقية"دار المدار الاسلامي، 2004. وستصدر قريباً ترجمة لكتابه"الذات عينها كآخر"وقد أنجزها الباحث اللبناني جورج زيناتي. لكن الملاحظ هو أن الأعمال التأسيسية المهمة لبول ريكور لم تترجم بعد، بخاصة تلك المتعلقة بالفلسفة الرمزية التي تخص مجمل المنظومة الفكرية والأخلاقية وتلك التي تتصل بالنص والرواية وسواهما، وبالتالي من الصعب تلمس تأثير حقيقي لريكور في الفكر أو في المجال الثقافي العربي.