اذا كانت الكويت اشتهرت بالتجارة والنفط والديموقراطية والعمل الانساني، فإن عبدالعزيز الصقر هو من الأوائل الذين أسسوا أولى الدعائم الاقتصادية والسياسية والانسانية للبلاد. نعم، شيعت الكويت أمس ركناً من أركان النظام الذي ساهم منذ الثلاثينات وحتى التسعينات بوضع اللبنات الأولى، ثم اعلاء البنيان لمجد اقتصادي وسياسي قلما تسنى لأحد من رجالات القطاع الخاص العربي أن يكون على هذا القدر من الشهرة والمواقف التي لا تنسى وتبقى محفورة في ذاكرة الأجيال. في البداية، تجدر الاشارة الى ان عائلة الصقر من العائلات العريقة في الكويت. وكانت منذ بدايات القرن العشرين منفتحة على العالم. وفي سن مبكرة قبيل العشرينات من عمره تسلم عبدالعزيز حمد الصقر تجارة العائلة مع الهند وباكستان، وتحديداً أوائل العشرينات من القرن الماضي، حيث أدار اسطولاً من 50 سفينة تجارية من ميناء بندر جابت البحار وأسست للكويت شهرة تجارية مرموقة. وفي بداية الخمسينات كان الصقر من مؤسسي أول مصرف كويتي بعدما ضاق تجار الكويت ذرعاً بشروط البنك البريطاني للشرق الأوسط. وقام بنك الكويت الوطني الذي يعد اليوم بين أول 10 مصارف عربية. وكان الصقر تولى رئاسة أول مجلس ادارة لهذا المصرف العريق. وفي العام 1954 استكمل الصقر جزءاً اضافياً من رؤيته الانفتاحية المتنورة وساهم في تأسيس أول شركة للسينما. ومن مآثره زيادة نسبة على أسعار تذاكر الدخول يعود ريعها لثورة الجزائر التي تعاطف معها بكل جوارحه خلال تلك الفترة، كما تعاطف قولاً وفعلاً مع كل قضايا الأمة العربية وفي مقدمها قضية فلسطين. ومن مآثره الوطنية أيضاً احساسه المبكر بأن للكويت حقاً كاملاً في انتاج ونقل وتسويق نفطها بعيداً من أي هيمنة اجنبية. لذا نراه مؤسساً لشركة ناقلات النفط في العام 1957، وترأس مجلس ادارة أول شركة نقل نقط وطنية أخذت شهرة عالمية حتى التسعينات. أما الانجاز الأهم الذي عرفه كل العالم العربي عن عبدالعزيز الصقر فهو حماسته لانشاء أول غرفة تجارة وصناعة أواخر الخمسينات. فمنذ تأسيس الغرفة في 1959 وحتى 1996 استمر رئيساً بإجماع اقتصادي وسياسي قل نظيره في العالم العربي. وأمر الغرفة في الكويت أكبر أهمية من أي دور لأي غرفة عربية. لقد عبر الصقر من خلال رئاسته المديدة لغرفة الكويت عن الدور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الكامل للقطاع الخاص. حتى باتت الغرفة شريكاً سياسياً بكل ما للكلمة من معنى طوال أكثر من 30 سنة على قاعدة أن السلطة للأسرة الحاكمة والتجارة للعائلات الحضرية، في توازن وتكامل كلي، اشتهرت بهما الكويت في ما يشبه العقد الاجتماعي الذي بنيت على أساسه الدولة الحديثة. ولطالما كانت للصقر صولات وجولات في ميادين دعم السلطة تارة، ومعارضتها تارة أخرى لخدمة قضايا الوطن والناس والقطاع الخاص. ويذكر للصقر موقف تاريخي أثناء الغزو العراقي للكويت وتحديداً في مؤتمر جدة عام 1990 ابان ذروة الشك والحيرة، حيث انبرى مجدداً ثقة من يمثل من شرائح واسعة بالأسرة الحاكمة ومجنداً الامكانات لنصرة حق الكويتيين في تحرير بلادهم. وكانت المواقف السياسية البارزة تجلت للصقر أوائل الستينات عندما كان ركناً من أركان تجربة الديموقراطية. وساهم في وضع أول قانون للانتخابات ثم ترأس أول مجلس للأمة. وكان دوماً نصيراً لحق الناس في التعبير الديموقراطي، في تجربة طالما أثارت اعجاب العالم العربي، وتحلى الصقر بجرأة نادرة اذ كان يرفع الصوت عالياً عندما يعارض ما يراه ضد مصالح الناس ومسيرة الدولة. وفي العمل الانساني، أسس مع آخرين عام 1965 الهلال الكويتي الذي تمتد أياديه البيض منذ تأسيسه وحتى تاريخه الى نحو 50 بلداً حول العالم لا سيما العالم الثالث. تبقى الاشارة الى ان الحس الوطني لعبدالعزيز الصقر تجلى طوال حياته في تأسيس شركات وطنية كثيرة لعل أبرزها مساهمته في تأسيس الخطوط الجوية الكويتية عام 1954 وترأس أول مجلس ادارة للمؤسسة التي ما زالت الى اليوم رمزاً من رموز الكويت. رحيل عبدالعزيز الصقر يؤشر رمزياً الى انتهاء مرحلة وبداية أخرى حيث أصبح القطاع الخاص في الكويت حاضراً في أربع رياح الأرض، وأضحت الديموقراطية الكويتية محط اهتمام العالم، خصوصاً بعد منح المرأة حقها السياسي... لقد أدى دوراً تأسيسياً ومضى مرتاح البال بعدما أعطى درساً حول كيفية وضع قدرات القطاع الخاص في خدمة الوطن سياسياً وتنموياً واجتماعياً.