تناقلت وكالات الانباء اخيراً خبر تفاصيل الاتفاق الثلاثي، بين الاردن والسلطة الوطنية الفلسطينية واسرائيل، عن انشاء انبوب للوصل بين البحرين الميت والاحمر. وتذكرت وسائل الاعلام مشاريع تتداول في المنطقة، خصوصاً منذ بعثة جونستون في الخمسينات، عن الموارد الاساسية في المنطقة، والتي انتقل جزء منها الى الجامعة العربية. ومن ابرز تلك المشاريع، التي تنام في ادراج تلك الجامعة، مشروع"قناة البحرين"، للربط بين الميت والاحمر, و"مشروع البحار الثلاثة"للربط بين ذينك البحرين والمتوسط. العلم في مسار السلام المتعثر الارجح ان تلك المشاريع وأمثالها تحتاج الى مناخ من السلام المستقر، الذي لا يبدو انه يسيطر على اجواء المنطقة راهناً, على رغم انطلاقة عملية السلام العربي - الاسرائيلي منذ اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل - 1978، وما سمي طويلاً بلقب"عملية السلام"، بين الفلسطينيين واسرائيل، منذ اتفاقية اوسلو في العام 1992. وفي المقابل، يمكن تذكر مبادرة لافتة حدثت في العام الفائت, تشير الى التداخل الكبير بين العلم والسلام. ففي خطوة هدفت حينها، الى تحفيز اتفاقية السلام بين الاردن واسرئيل التي تعاني ركوداً في بنودها, اطلق رجال اعمال وأكاديميون اردنيون واسرائيليون واميركيون مبادرة لتشجيع التعاون العلمي, عبر انشاء مركز بحث علمي تكنولوجي في نقطة الحدود الاردنية - الاسرائيلية. يتمثل الهدف المعلن للمشروع في تحويل منطقة"وادي عربة"الصحراوية في جنوبالاردن الى قرية علمية تقنية معنية بدراسة البيئة الصحراوية والبيولوجية لمنطقة البحر الميت. والمعلوم ان الدولتين وقعتا اتفاقية سلام بينهما عام 1994, في الموقع نفسه الذي خصص للقرية العلمية. وأفردتا 300 ميل من اراضيهما الحدودية في المنطقة الممتدة بين البحرين الميت والاحمر والبعيدة من الكثافة السكانية، وفي ظل حراسة مكثفة لانشاء"مركز تجسير الهوة"Bridging the Rift Centre كما هو الاول من نوعه في المنطقة في خضم موجة عارمة من السخط والانتقادات ضد التعامل والتطبيع مع اسرائيل. وفي العودة الى الظلال السياسية، فالمقصود بالهوة تلك المسافة السياسية والحضارية والثقافية التي يفترض ان يملأها السلام. وتمول المركز"مؤسسة تجسير الهوة"الاميركية, التي تهدف الى دعم عملية السلام المتعثرة في الشرق الاوسط من خلال بناء جسر فاعل بين الشعوب في المناطق المتنازعة، عبر برامج تعاون تتضمن الابحاث وتوفير فرص تعليمية متقدمة. ويلقى المشروع عينه دعماً علمياً وأكاديمياً من جامعتي كورنل وستانفورد, اللتين تعتبران من ابرز خمس جامعات في الولاياتالمتحدة. وعلى رغم المعارضة السياسية للمشروع، الذي لم يتأخر بعض النواب في وصفه بأنه ستار لغايات التطبيع مع اسرائيل, يعتقد بعض المتابعين ان المركز سيوفر للاردن ولدول عربية اخرى قاعدة للعلم والمعرفة وفرصة لتبادل خبرات علمية تسهل من اقامة الابحاث العلمية المتقدمة في منطقة الشرق الاوسط. وبحسب مصدر أكاديمي مطلع على تفاصيل"مركز تجسير الهوة", فإن فكرة انشائه تمثل خطوة اساسية للأمام ليكون حافزاً لتطور العلوم والتكنولوجيا في الاردن, مما قد يساعد في التخفيف من ظاهرة هجرة العقول الى الخارج. وقال المصدر، الذي فضل عدم كشف هويته:"ان تجمع علماء اردنيين واسرائيليين يعملون معاً على مواضيع تهم الطرفين هي بداية لانطلاق اجيال قادمة ينمو لديها شعور التعاون مع الغير في اطار اهداف سلمية ومصالح مشتركة". في مهب التجاذب بين المعارضة والموالاة منذ انطلاقته، واجه المشروع عواصف التجاذب بين الموالاة والمعارضة. ففي جلسة لا تزال طرية في الاذهان، هدد مجلس النواب، بأنه سيحجب الثقة عن ثلاثة وزراء، خالد طوقان وزير التربية والتعليم وعصام زعبلاوي وزير التعليم العالي وباسم عوض الله وزير التخطيط والتعاون الدولي كانوا شاركوا في وضع الحجر الاساس، حينها، مع وزير المال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرة التربية والتعليم ليمور ليفانت. وفي غضون ذلك، اوضح النائب عدنان حسونة رئيس لجنة التربية والتعاون والشباب, وهو معارض لاتفاقية السلام وعضو"كتلة جبهة العمل الاسلامي", التي تعتبر اقوى تكتل حزبي في مجلس النواب,"نحن نعتبر قضايا البحث العلمي مظلة لتبرير مفاهيم معينة من اجل التطبيع والاستلاب الفكري والحضاري لتقبل الكيان اليهودي، وان كان تحت مظلة البحث العلمي". وقال:"لا يمكن ان نقبل العدو ما دام هناك احتلال لفلسطين, وأي شكل من اشكال التعاون والتطبيع مع اسرائيل مرفوض من الغالبية العظمى من الشعب حتى تنسحب اسرائيل وتقبل في الشرعية الدولية". ووفقاً لجامعة ستانفورد, تتركز الاهداف العلمية للمركز على فهم بيولوجية العضويات في المنطقة الصحراوية ذات ملوحة ودرجة حرارة مرتفعة. والهدف الآخر هو تحفيز التعاون العلمي بين الباحثين الاردنيين والاسرائيليين للعمل معاً في مشروع يخدم السلام. وعند الانتهاء من بنائه بعد خمسة اعوام, سيستقطب المركز 30 طالباً متفوقاً من الاردن واسرائيل في المراحل الاولية, وبعدها من دول عربية اخرى. ويحصل الخريجون على شهادات في الماجستير والدكتوراه في مجالات تتعلق بالاحصاءات الجينية والبحث التطبيقي الذي يساهم في تطور اهداف المنطقة اقتصادياً. وتأتي فكرة اطلاق المشروع، الذي وقعت الاردن واسرائيل مذكرة تفاهم في عام 2001 لانشائه، في وقت تشهد العلاقات الاردنية - الاسرائيلية فتوراً منذ ان سحب الاردن سفيره من تل ابيب منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. وكذلك بسبب قضايا شائكة ابرزها ملف 60 اسيراً اردنياً محجوزاً في السجون الاسرائلية, وموقف الاردن ازاء الجدار الاسرائيلي الذي يعد تهديداً لأمن الاردن الوطني. وسبق للحكومة الاردنية اوضحت عبر تصريحات عدة، انه ليس لها علاقة بالموضوع باستثناء تقديم بعض التسهيلات في ما يخص البنية التحتية والارض. وفي اعقاب التوقيع على تلك الاتفاقية العام الماضي، ردت الحكومة على الانتقادات المعارضة بالتشديد على ان المركز هو بحثي ستستفيد منه المنطقة. وأاشارت الى ان كثيرأً من الدول تدفع مبالغ طائلة من اجل اقامته في بلدانها نظراً للسمعة العلمية التي تتمتع بها الجامعتان الميركيتان. وسيوفر المركز بعثات تعليمية للطلبة الاردنيين والاسرائيليين حتى يسافروا الى الولاياتالمتحدة ومن ثم يحاضروا في المركز. وسيستوعب اعداداً كبيرة من الطلاب في سنوات لاحقة. وبحسب مصادر مطلعة, تفكر اسرائيل بإنشاء سكة حديد تربط تل ابيب بالمركز, الذي عرض له مجسم ضخم خلال الاحتفال. وقد يعتمد المشروع على الطاقة الشمسية عند اكتماله, كمصدر بديل للطاقة. وأوضحت الحكومة الاسرائيلية، عبر سفارتها في الاردن، ان المركز المشار اليه سيحظى بوضعية خاصة، فلا يحتاج الطلاب الاردنيون الى الحصول على فيزا لدخول المركز, بمعنى ان كل دولة تخضع للقوانين الخاصة بها. ويقول اكاديميون ان حكومات متعاقبة اطلقت مبادرات عدة لدعم البحث العلمي في الاردن, الا انها لم تر النور بسبب عدم جدية الحكومات. ويشير آخر تقرير للتنمية البشرية التابع للامم المتحدة, الى ان نسبة البحث والتطوير في العالم العربي لا تتعدى 0,2 من الناتج القومي المحلي. وهناك اقل من جامعة واحدة من بين عشرين جامعة تتابع الامور العلمية في مقابل جامعة واحدة من بين خمس في جنوب كوريا. وكذلك, هناك 371 عالماً ومهندساً يعملون في البحث والتطوير لكل مليون شخص, في حين تصل النسبة العالمية الى 979 باحث. وفي الوقت ذاته, انخفضت نسبة الطلاب العرب الذين يرتادون الجامعات الغربية بنسبة ثلاثين في المئة بين عامي 1999-2002 مع موجة العداء ضد العرب، ولا سيما بعد أحداث ايلول سبتمبر, ولجوء بعض السفارات الاجنبية الى تشديد اجراءات الفيزا. وبينت مصادر حكومية ان مشاركة الاردن في المشروع جاءت تأكيداً للعالم اجمع"بأننا دعاة سلام نريد الامن والاستقرار في المنطقة، ما يفرض تحدي السلام على الطرف الاسرائيلي ايضاً". ويذكر ان الاردن خصص نحو 450 مليون دولار في مشروع لتطوير التعليم في خطة تعتمد على ادخال تكنولوجيا المعلومات، ولاستخدام الانترنت في كل القطاعات التعليمية.