ممنوع التدخين تحت طائلة الغرامة". عبارة يستوقفك انتشارها الواسع في معظم الحافلات العمومية في دمشق. إلا أنّ جميع الرجال بمن فيهم السائق لا يأبه للأمر، كأنّ هذا الملصق وضع للزينة مثله مثل كل تلك الصور والعبارات المزركشة الأخرى. لا يلتزم بالعبارة سوى النساء... ولكن لأسباب أخرى. ذلك أنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى الشابات، إذ أنّ منظر السيجارة في يد الفتاة أمر مستهجن يحمل الكثير من الدلالات"غير الأخلاقية." "التدخين بالنسبة الينا يعتبر من قلة التهذيب والأدب"، تقول صبية في العشرين من عمرها، وتضيف:"هذه هي الصورة التي نقلتها الأفلام الأجنبية والعربية، التي ارتبط فيها التدخين براقصات الملاهي الليلية وسيدات الأعمال اللواتي يتاجرن بالمخدرات وغيرهن. أخاف أن ألمس سيجارة بيدي، لا أدري كيف يتجرأ بعض الفتيات ويدخنّ علناً بكل وقاحة، ربما فقدن أصول الاحترام والذوق". المفارقة أن الكثير من الفتيات اللواتي يطلقن مثل هذه الأحكام الجائرة على مثيلاتهن المدخنات لا يترددن بدورهن في تدخين النارجيلة، التي حصلت على إجماع شعبي لعدم ارتباطها في خيال الناس بأي دلالة أخلاقية سيئة."النارجيلة أمر مختلف، فمن حق الجميع تدخينها"، يقول أب منفتح ومتفهم ويضيف:"أتقبل أن تدخن ابنتي النارجيلة، أما السيجارة فلا أسمح بها مطلقاً". "لم يعد للنارجيلة أي معنى لأنها ليست من الممنوعات ولا تشفي غليل الفتاة الجريئة والمتمردة"، ترد فتاة مدخنة، وتضيف مبتسمة :"أما السيجارة فهي ذات قيمة معنوية كبيرة بالنسبة إلي. إذ عندما أدخن، أجعل الجميع يفهم أنني مختلفة ومتميزة أي رافضة لكل ما يسمى تقاليد اجتماعية". ممنوع مرغوب يرفض أحد الشباب في شكل قاطع أن يسمح لخطيبته ممارسة أي شكل من أشكال التدخين، ويجد آخر أن الأمر ممتع،"فلا أجمل من منظر السيجارة في يد الفتاة"،"إنها قمة الإثارة". في حين يزمجر ثالث صارخاً:"إن الفتاة التي تدخن تستحق القتل". وإذ تتضارب الآراء ويتجاهل المجتمع حقوق الفتاة في المساواة ويسخر من قدرتها كإنسان على الاختيار، تدخن فاتن كنوع من"التحدي لكل التقاليد البالية والمتخلفة". وتشرح رأيها:"من الظلم أن يتهموا كل فتاة مدخنة بأوصاف لا أساس لها من الصحة. نعم أنا أدخن نكاية، من أجل أن أظهر أمامهم بأنني حرة وأن رأيهم لا يهمني". أما مايا 25 عاماً فتجد أن التدخين حق طبيعي لكل فتاة أو شاب، وأنّ من يقول غير ذلك هو"موضة قديمة". وتضيف:"أشعر بسعادة حقيقية عندما ينظر الجميع إلي وأنا أدخن. هذا يعني أنني"كول". بينما تهمس سلوى 20 عاماً:"قد يذبحني أبي إذا علم أنني أدخن"، وتضيف ساخرة:"وضعت خطة بوليسية محكمة ووجدت مكاناً آمناً أخبئ فيه علب السجائر لا يمكن حتى للجن الأزرق أن يجده. أخبرت أمي أنني أدخن. أما أبي وأخوتي فأعوذ بالله". ربما زاد إدراج التدخين تحت لائحة المحرمات من جاذبيته بالنسبة الى كثيرات وأصبحت لبعضهن طقوس خاصة بممارسة هذا الممنوع. وكثيراً ما يكون التبغ ضيفاً عزيزاً على اجتماع عدد من الفتيات في منزل إحداهن وفي غياب الأهل طبعاً. وتصف ديما المشهد فرحة:"هو أمر ممتع جداً، نعيش حريتنا المغتصبة في مثل هذه اللقاءات، نتبادل الأسرار عن كل ما هو عيب وحرام وندخن أيضاً". سواء أكان الأمر تحدياً أم هروباً، تجاوز التدخين بالنسبة الي بعض الفتيات مجرد كونه عادة سيئة ومضرة بالصحة أو ثقافة غربية مصدرة، ليصبح تعبيراً عن الوجود المتميز حيناً والرافض في أحيان أخرى لكل ما اعتدنا أن نظلم به الفتاة الشرقية من دون وجه حق.