يشهد الإقبال على التدخين نمواً ملحوظاً بين المراهقين والشباب في سورية ويترافق ذلك مع مشاهد لم تكن مألوفة من قبل في الشوارع العامة والحدائق وأمام المدارس والمعاهد وصالات السينما لهؤلاء الذين يصرون على إعلان عاداتهم الجديدة بطرق استعراضية ومبالغ فيها أحياناً... وفي ظلّ ندرة، وربما، عدم وجود إحصاءات ودراسات دقيقة عن هذه الظاهرة، فإن ملاحظات ومشاهدات الآباء والمربين اليومية تعد مصدراً وحيداً يجري الحديث عنه باستمرار في المدارس والمنازل. مدير إحدى الثانويات في ضواحي دمشق الأستاذ سعيد يلمس هذه الظاهرة باستمرار أثناء مشواره اليومي من منزله الى المدرسة وبالعكس، فحدسه واهتمامه كمرب يجعلانه يراقب على الدوام مايجري: "هناك مراهقون لايتجاوز عمر الواحد منهم ال/16/ عاماً أراهم شخصياً و أسمع شكاوى آبائهم وأمهاتهم من أنهم يدخنون علناً من دون احترام لكبير أو صغير، بل إن بعضهم بدأ بحمل علبة تبغه الخاصة، واللافت أن أعدادهم تتزايد باستمرار. والحديث لايدور عن مراهق أو اثنين على مستوى المدرسة أو الحي بقدر ما أصبح ظاهرة يجري التعايش معها تدريجاً كحال طبيعية". توصيف آخر للظاهرة يرسمه أبو محمد صاحب أحد المحلات الكبيرة وسط بلدة السيدة زينب المجاورة لدمشق. فالرجل الذي بلغ الستين من العمر ويعرف كل الأجيال في هذه المنطقة يحيل السبب الى ضعف اهتمام الأهل وغياب رقابتهم على ابنائهم وتغير "أحوال الدنيا" التي تجعل هؤلاء يقدمون على التدخين وعلى غير التدخين تقليداً لأصحابهم الذين سبقوهم في هذا الطريق... وهؤلاء تزداد أعدادهم كل يوم طالما أنهم لايجدون من يسألهم أصلاً آخر النهار أين كانوا ومع من يمشون؟! ويضيف الرجل مستنكراً: "في السنوات الماضية كنا نعرف أن الشاب الفلاني ابن فلان يدخن ولا نصدق لأنه كان يخجل ويحرص على ألاّ يدخن أمامنا، الآن الوضع اختلف كلياً ترى الولد ابن ال15 سنة يحمل سيجارته ويتباهى بها أمام الجميع". تقليد الكبار المدخنون من المراهقين والشباب يسوقون تبريرات متباينة عن سبب تدخينهم. مالك 19 عاماً "لأنني لا أستطيع تركه"، وكذلك أنس 21/ عاماً الذي تعلق بالسيجارة وناصر 25 عاماً يدخن للتسلية فقط: "والدليل أنني أستهلك علبة واحدة كل يومين"، أما علا 27 عاماً فتدخن لأن التدخين يخفف عنها ضجرها وهمومها. بينما تدخن سماح 23 عاماً لأنها جربت السيجارة وأعجبتها. وفي الفئات العمرية الأصغر يبدو الاقبال على التدخين تقليداً للكبار بالدرجة الأولى، ومحاولة لإثبات الوجود أمام الآخرين من الأصدقاء وأبناء الحي وزملاء المدرسة والصديقات وحتى الفتيات في الشارع... ويقول مالك "أنا شخصياً جربت السيجارة وعمري 14 عاماً كنت في الضيعة أعمل مع والدي في الزراعة وتربية الأبقار فأقضي ساعات طويلة في الحقل بعيداً عن ناظريه ما اتاح لي فرصة تجريب التدخين بحرية، أول مرة كما أذكر، سرقت سيجارتين من علبة أبي ثم توالت السرقة أياماً وأسابيع الى أن أحس بفقدان دخانه، فقررت شراء علبة خاصة بي كي أخلص من المشكلة، وبالفعل تم ذلك وأذكر أنني كذبت على البائع مدعياً أن الدخان لوالدي كوننا في ضيعة صغيرة والناس تعرف بعضها بعضاً" واستمرت حال مالك على هذا المنوال شهوراً عدة الى أن تأكد أبوه من أن ابنه يدخن عندما ضبط علبة تبغ مخبأة في "حظيرة الأبقار"، فانتقل الموضوع كما يقول الشاب بعد "علقة كبيرة" من السر لى العلن!. أنس تعلم هذه "الآفة" كما يصفها في المعمل الذي لم يكن فيه أحد إلا ويدخن :"وخلال استراحة الغداء كان الجميع يقبل بنهم على التدخين مع إطلاق عبارات السخرية مني باعتباري لم أجرب طعم السيجارة هذه... ويوماً بعد آخر انضممت لأصحابي الذين قدموا لي السجائر، ثم اشتريت الدخان بحيث أصبحت الآن بالفعل غير قادر على ترك السيجارة مع أنني جربت الاقلاع عنها أكثر من مرة". طلاب مدخنون أمام مدارس البنات يبدو انتشار الطلاب المدخنين ممن هربوا من مدارسهم لافتاً. والمشهد ليس حكراً في الواقع على مدرسة من دون غيرها، بل يتكرر أمام كثير من المدارس، حتى يكاد يصبح جزءاً من يوميات الدراسة. ويقول أحمد الذي يحمل بزة المدرسة على ساعده وفي يده علبة سجائر أجنبية فاخرة... "أنا حقيقة لا أدخن كل ما هناك "تنفيخ بتنفيخ" وفقط عندما آتي الى هنا لأرى صديقتي"، مضيفاً بابتسامة، "وحتى العلبة التي أحملها اشتريتها قبل أسبوع كامل !". بدوره يصّر زميله حسان الآتي من المدرسة المجاورة: "معظم الطلاب الذين تراهم هنا لا يدخنون، لكن أمام البنات كله بدو يدخن ويستعرض، فما بالك إذا كان الواحد يريد ان يرى صديقته". فراس المنزعج من هذا الكلام يؤكد أنه يدخن دوماً: "ولست سائلاً على البنات" مضيفاً: "أنني أدخن منذ فترة واشتري علبة كاملة وإذا ضاقت الأمور معي "اشتري فرط" سيجارتين أو ثلاثة أضعها معي في الكتاب وأدخنها في الفرصة وراء المدرسة أو في المغاسل"، وموجهاً كلامه لزميليه يقول "تتذكرون كيف فصلت العام الماضي عندما ضبط الموجه علبة الدخان في درج المقعد". فضول واستعراض ولا تختلف صورة المدخن لدى الشباب الاكبر سناً كثيراً، كل ما هنالك أن الأمور تصبح أكثر تنظيماً وأسباب التدخين أعمق وأوجه كما يشرح يزن 27 عاماً الذي تعلم التدخين العام الماضي فقط بسبب ضجره وعمله ساعات طويلة في التصميم الهندسي، ويقول "أقضي نحو 10 ساعات متواصلة يومياً في المكتب والى جواري زميل يدخن بشراهة، في البدء دفعني الفضول للتجريب وقبول سيجارة صديقي الذي أعطاني محاضرة مطولة عن مخاطر ومضار التدخين، إلا أن ذلك الفضول تحول الى عادة تجبرني الآن على استهلاك علبة تبغ يومياً، وحالي أضحت كحال صديقي فنحن نعرف أن الدخان مضر ونحذر الآخرين من الاقتراب منه لكننا لا نستطيع الابتعاد عنه...". من جهته يقدم عمر 26 عاماً نموذجاً آخر للمدخن الذي يحمل السيجارة "للاستعراض" مع أنه لا يفضل هذه الكلمة المزعجة مضيفاً "أضع علبة دخان أجنبي من الماركات الشهيرة على واجهة سيارتي باستمرار وقد تبقى معي نحو أسبوع الى أسبوعين خصوصاً وأنني لا أدخن منها أكثر من سيجارة أو اثنتين في اليوم وذلك حسب المكان أو الجلسة التي أنضم اليها. ولا أجد نفسي بحاجة للتدخين في المنزل مثلاً، وهذه الحال تنطبق على مجموعة من الأصحاب من الجنسين إذ تعلو سحب الدخان طاولتنا عندما نجلس في المقهى أو المطعم مع أن أحداً منا لا يدخن بشكل فعلي". وتضيف سمر الى كلام عمر :"نحن زملاء منذ أيام الدراسة الجامعية وما زلنا حتى الآن نجتمع مرة أو مرتين أسبوعياً نتحدث ونتسامر وحديثاً أصبحنا ندخن للتسلية ما عدا صديق واحد يدخن بانتظام...". شابات مدخنات والتدخين بمعنى آخر يشكل "تقليعة" جديدة لدى كثير من الفتيات اللواتي يجدن فيه جزءاً مكملاً للمظهر العام، فتخرج الفتاة من حقيبتها المفاتيح وجهاز "الموبايل" وعلبة التبغ من أغلى الاصناف الاجنبية لتكمل المظهر الارستقراطي التقليدي في مجتمع لا يتجاوز دخل الموظف شهرياً 150 دولاراً اميركياً، انه بالطبع إعلان براءة من هذه الطبقة التي لاتستطيع وفق هذه الارقام التمتع بهذه النعم معاً، وتقول نسرين 29 عاماً التي تنطبق عليها هذه الحال، "أنا لا أفكر وفق هذه النظرة السطحية للأمور، بل أنا غير معنية كيف يصنفني الناس مع الفقراء أو مع الأغنياء. هذا لا يهم، ولا أستطيع تأطير تصرفاتي وفق هذه الذهنية.... أنا أدخن لأنني تعلقت بالدخان، وخلال خمس سنوات من اعتيادي التدخين أدخن صنفاً معيناً لاأستطيع تبديله كل يوم وهذا شيء يعيه المدخنون جيداً... وبالطبع فان سعره المرتفع 50 ليرة سورية ما يعادل دولاراً ليس مشكلة". عبير وتيريز تعلمتا التدخين بصورة مختلفة تماماً....القصة ليس لها علاقة بالمراهقة او الاستعراض على الاطلاق كما تقول عبير 24 عاماً الموظفة في احدى الدوائر الحكومية، مضيفة "أداوم في دائرة حكومية مع أربع زميلات من أعمار متقاربة. نقضي الوقت بالأحاديث وتناول الفطور ثم شرب القهوة مع زميلة مدخنة سرعان ما دفعنا الفضول الى مشاركتها عادتها هذه، وبعد بضعة اشهر فقط اصبحت انا وتيريز نحمل علبة تبغ !!". تيريز 30 عاماً ترى بدورها انها لم تكن تتوقع ان تتعاطى الدخان بهذه السرعة، "كنا ايام الجامعة نرى زميلاتنا يدخّن في الحمامات والمغاسل خشية ان يراهن احد... الآن الصورة اختلفت جذرياً إذ اصبحنا ندخن امام عامة الناس من مراجعين وزملاء عمل...".