كان أمس يوم التقاط الأنفاس في مصر، فالحكومة و"الحزب الوطني"وأجهزة الأمن بذلت جهوداً مضنية في الأسابيع الماضية للتمهيد لجلسة البرلمان التي عقدت أول من أمس وأقرت فيها التعديلات على المادة 76 من الدستور التي جعلت اختيار رئيس الجمهورية يتم بالانتخاب الحر المباشر بين أكثر من مرشح، كما تعاطت مع تحركات قوى المعارضة وتظاهراتها باللين تارة وبالقبضة الحديد تارة أخرى حتى مر اليوم الحاسم بسلام. أما قوى المعارضة فإنها انشغلت أمس بالتفكير في الوضع الجديد، وسبل الرد على إصرار الطرف الآخر على تجاهل مطالبها. وبدأ الحزب الحاكم في مصر إجراءات جديدة لتمرير حزمة من القوانين ذات العلاقة بالعمل السياسي لاعتمادها من مجلس الشعب، بينها قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلسي الشعب والشورى وقانون الانتخابات إضافة إلى قانون جديد يتعلق بإجراءات انتخاب رئيس الجمهورية، وكانت مشاريع تلك القوانين طرحت على الملأ قبل تقديمها إلى البرلمان، فاعترضت قوى المعارضة عليها أيضاً، ورأت أنها"لا تمثل إصلاحاً سياسياً كما يدعي الحزب الحاكم وإنما تساهم في إحكام قبضته على مقاليد الحكم في البلاد". وبين تباعد المساحة بين الطرفين، قالت مصادر في"الحركة المصرية من أجل التغيير"المعروفة باسم"كفاية"إن"الحركة ستبدأ نشاطاً حافلاً لتفعيل دعوتها للمواطنين لمقاطعة الاستفتاء على التعديل الدستوري، وكذلك مقاطعة المشاركة في الاستحقاق الرئاسي"، فيما يتوقع أن تصعد جماعة"الإخوان المسلمين"في الأيام المقبلة من نشاطها في الشارع المصري عبر تظاهرات يعتقد أن الجماعة ستطلقها في القاهرة ومحافظات أخرى على رغم الحملة الأمنية المستمرة ضد ناشطيها. وسيحدد الزعيم اليساري خالد محيي الدين اليوم موقفه من الترشح لخوض الاستحقاق الرئاسي في اجتماع يعقده"حزب التجمع"، فيما تترقب الأوساط السياسية المصرية جمعية عامة سيعقدها نادي القضاة غداً. وفي محاولة منه لتهدئة الأوضاع المتفجرة في داخل نادي القضاة والداعية الى مقاطعة قضاة مصر للاستفتاء على رئاسة الجمهورية ما لم يتم اصدار قانون استقلال السلطة القضائية قبل عملية الاستفتاء ووضع ضمانات لتحقيق الإشراف القضائي الكامل على كل الانتخابات، أعلن وزير العدل المستشار محمود أبو الليل في بيان أمس أن اللجنة المشكلة في وزارة العدل برئاسة مساعد أول وزير العدل المستشار عصام حسين انتهت من بحث مشروع قانون السلطة القضائية المقترح من نادي قضاة مصر. وأشار وزير العدل في بيانه الى انه قرر ارسال المشروع المقترح بهذا الشأن وما أجري في شأنه من دراسات الى مجلس القضاء الأعلى لإبداء الرأي فيه إعمالاً لنص المادة 77 مكرر من قانون السلطة القضائية. وتضم هذه اللجنة في عضويتها مساعد وزير العدل لشؤون التشريع رئيس نادي القضاة المستشار زكريا عبدالعزيز والأمين العام لنادي القضاة المستشار هشام حسني كممثلين لنادي القضاة. وكان وزير العدل لمح في تصريحات له الاسبوع الماضي الى أن إعداد مشروع القانون المذكور لن يتم خلال الدورة البرلمانية الراهنة لانشغالها بقوانين الإصلاح السياسي، الا ان رئيس النادي أكد عزمه على مواصلة النضال لإصدار قانون السلطة القضائية حتى ولو أدى الأمر الى الاعتصام وتنظيم المسيرة لرجال القضاء في أول مرة في تاريخ القضاء المصري. وعلى رغم صدور سلسلة من قرارات الجمعيات العمومية للمحاكم المصرية التي أكدت عزمها المشاركة في الانتخابات وعدم الربط بينها وبين إصدار قانون السلطة القضائية الا ان رئيس النادي اعتبر ان هذه القرارات لا تعبر عن إرادة الجمعية العمومية لنادي القضاة التي ستحسم هذا الامر غداً الجمعة. وأبدى خبراء خشيتهم من أن يؤدي اعتماد"الحزب الوطني"أسلوباً يعتمد على الدفع بعناصره للتظاهر في الأماكن نفسها التي تحددها قوى المعارضة إلى وقوع صدامات بين المواطنين، وقال أحد مؤسسي حركة"كفاية"المهندس أبو العلا ماضي، إن تصرف"الوطني"يعكس"ضعفاً ورغبة في وأد نشاط المعارضة وليس ممارسة نشاط حزبي يخص الحزب الحاكم"، لافتاً إلى أنه في إمكان الوطني"تنظيم التظاهرات التي يريدها بعيداً عن الأماكن التي تحددها قوى المعارضة". من جهة أخرى، قال نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان الدكتور أحمد كمال أبو المجد إنه"لا يجوز قبول الإشراف الخارجي على الانتخابات في مصر"، وقال إن"الانتخابات مسألة داخلية وهناك سيادة دولة يجب ألا تنتهك"، مشيراً إلى أن القضاء في مصر مشهود له بالحياد والاستقلالية وانه أشرف على الانتخابات من قبل وكان نزيهاً في إشرافه، لكنه رأى أنه"لا مانع إذا رأت مصر أن توجه الدعوة إلى حكماء دوليين أو شخصيات عالمية أو بعض من خبراء ورجال الأممالمتحدة من المشهود لهم بالموضوعية لمتابعة الانتخابات لدرء الشبهة وتفويت الفرصة عى من يريد تضخيم الأمور في مصر". وشدد على أنه لا يجوز مطلقاً أن يأتي وفد من دولة ما ومن دون دعوة كي يشرف على الانتخابات، معرباً عن تأييده التام لما ذكره رئيس مجلس الشعب أمس بشأن موضوع الانتخابات في مصر. وسيصدر الرئيس حسني مبارك في وقت لاحق، قراراً جمهورياً بدعوة الناخبين المصريين المقيدين في جداول الانتخابات بالاستفتاء على نص المادة 76 من الدستور بعد إقرارها نهائياً من البرلمان تمهيداً لإعداد قانون انتخابات الرئاسة. وأكدت مصادر برلمانية مطلعة أنه فور إعلان نتيجة الاستفتاء وإبلاغها للبرلمان تعد المادة 76 نافذة دستورياً وتبدأ خطوات إعداد مشروع قانون انتخابات رئيس الجمهورية لعرضه على المحكمة الدستورية. وقالت المصادر إن"مشروع قانون انتخابات رئيس الجمهورية سينظم عمل لجنة الإشراف على الانتخابات وآليات العمل بالنسبة الى فحص وقبول أوراق المرشحين وإعداد نموذج للمرشح للرئاسة وعمل اللجان المشرفة على الانتخابات وشروط الترشيح". كما يبدأ البرلمان ومجلس الشورى إعداد قوائم الاختيار للشخصيات العامة الخمس المرشحة لعضوية لجنة الإشراف، وتشمل القوائم فاروق سيف النصر وزير العدل السابق والدكتور بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان والكاتب الصحافي سلامة أحمد سلامة. ومن ناحية أخرى بدأت لجنة الأحزاب السياسية إعداد القوائم المعتمدة لقيادات الأحزاب السياسية، خصوصاً الهيئة العليا لكل حزب في 10 آيار مايو 2005 بحيث يقتصر عليهم فقط حق الترشيح في انتخابات الرئاسة المقبلة لمنع ضم أي عناصر جديدة في ظل توافر معلومات عن صفقة بين جماعة الإخوان وأحد أحزاب المعارضة لتقديم مرشح إخواني للرئاسة.