سعود بن بندر يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية لهيئة تطوير المنطقة الشرقية    إسرائيل تستبق وقف النار.. اغتيالات وغارات عنيفة    الكشافة تعقد ندوة الاتجاهات التربوية الحديثة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السعودية تتصدر العالم بأكبر تجمع غذائي من نوعه في موسوعة غينيس    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    التعليم : اكثر من 7 ٪؜ من الطلاب حققوا أداء عالي في جميع الاختبارات الوطنية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    بوريل يطالب إسرائيل بالموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    فصل التوائم.. أطفال سفراء    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    ألوان الطيف    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    من أجل خير البشرية    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ب"حساب المواطن" والدعم الإضافي لعام كامل    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    المملكة تستضيف المعرض الدوائي العالمي    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بمناسبة الحياة" رواية أولى للمصري ياسر عبدالحافظ . مدينة الخراب التي تبتلع الجميع
نشر في الحياة يوم 12 - 05 - 2005

صدرت في القاهرة، عن داري"ميريت"وپ"شرقيات"للنشر، أربع روايات تتخذ من الموت موضوعاً لمقاربة واقع"يتفنن"في صنع الضياع وعدم التواصل:"سحر أسود"لحمدي النجار،"استقالة ملك الموت"لصفاء النجار،"حمامة بيضاء"لصبحي موسى، وپ"بمناسبة الحياة"لياسر عبدالحافظ.
تميزت هذه الروايات بتعدد المدارات التي انطلق كتابها منها الى الموضوع الأكثر تناولاً منذ فجر الرواية، بالطابع الإشكالي للرؤى المطروحة، وبأسلوب سرد ممتع يضاعف درجة مقروئيتها. يضيق المجال أمام الموازنة، لذلك أتوقف أمام رواية ياسر عبدالحافظ، التي وافقت الروايات المذكورة في اعتبار الجنس وجهاً آخر للموت تصنعه أفعال التعرية/ القهر/ الألم، قيام السرد على تأملات قلقة وحكايات صغرى، سيطرة الشخصيات الشبحية والسحر الكارثي للأشياء، بعثرة المشاهد الاحتفالية التي تخفف الشعور بالحزن، وتقترح الإمكانات الغنية للحياة.
الراوي سامح مؤنس في رواية"بمناسبة الحياة"شخص غير مستقر نفسياً واجتماعياً، يحاول على مدى الراوية رصد لعنة غامضة أصابت كلّ من يعرفهم، في مدينة وصفت بأنها"مدينة الخراب العامر"، ومن خلال مسار سردي يتجه الى التعبير عن المصير المخيف الذي ينتظر الجميع، نتيجة تمرد كينونات صغرى لا تجد مجالاً لتحقيق نفسها، أو تعويض فشلها، إلا في أشكال متطرفة من الصراع.
الواقع المرصود في الرواية فصامي أسود، يتآكل بتأثير البطالة وعنف الثالوث السلطوي الدين، الدولة، الأب. الشخصيات كلها لا مبالية، تفتقد رفاهية الإيمان بالمستقبل وتعجز عن التفكير في حلول لأزماتها، حتى لو كانت بعيدة المنال، خصومها يستحقون روحها العدوانية، وكفاحها"سيناريو"لعالم يخلو من الغائية.
شخصيات ياسر عبدالحافظ مكتملة منذ بداية ظهورها، وأكثر الأحداث محكية بعد تمامها. وكان حرياً بذلك أن يعرِّض مسار السرد للجفاف، لولا تدارك المؤلف باعتماد الطابع التهكمي في الرؤية، لطرح إشكالية التوتر بين التمرد والانضباط المشرّع اجتماعياً، مع تضمين دور الشعور بالذنب في تشكيل الهوية وتعجيل الدمار.
يبدو التهكم من"عقدة الأب"، صانعة الحضارة بحسب نظرية فرويد في المحرم والتابو، واضحاً منذ الصفحات الأولى، حيث يُوصف الأب من مسافة متزايدة وباستنكاف جمالي، وتُستخدم صورة احتضاره لقيادة السرد إلى استخلاصه الختامي..."مات الذي يعرف كل شيء وبقي الذي يفهم كل شيء، وما ضرورة الفهم من دون معرفة!!".
موت المعرفة، ومعرفة المعرفة اللازمة لممارسة أي سلطة، يعني انهيار الثالوث السلطوي، غياب القانون الذي يمتنع الابن بموجبه عن الحلول في مكان الأب، وبالتالي نشوء فراغ حضاري تعبر عنه الفوضى المنتشرة ومتوالية الموت العبثي.
تعزز الرواية فكرة الغريزة التي تجعل الموت هدفاً للحياة، لكنها تحول مبدأ المتعة الخادم لهذه الغريزة إلى مبدأ لا مبالاة، انقياد غير مشروط عبر شبكة علاقات ذات طابع متسلط، في البيت/ الحي/ مقر العمل/ المدينة، وإقرار فاجع بحتمية ما يحدث وعدم القدرة على تغييره.
الأحداث الفعلية والمتخيلة في الرواية كثيرة، متداخلة، ويربط بينها مأزق الوعي بالفشل:"الأب فاشل والابن كذلك، كلاهما اجتمع على عدم المحاولة. ما حدث أن الابن تطور بحيث أصبح مدركاً لفشله وذلك ما لم يدركه الأب، لهذا قضى حياته معذباً بالبحث عن حل اللعنة، الابن استراح لفكرة أن فشله هو قراره الذي اتخذه بمحض إرادته، لكن ما سيعذبه طوال حياته الابتعاد عن التماثل مع النسخة السابقة".
كيف لا يتماثل المرء مع مَن يجهله؟! تلمح الرواية إلى أن قسوة الأب والرغبة في الاختلاف عنه - مع الجهل به - من أهم أسباب الحالة العدائية السائدة، حالة تجلت في النهاية بأعنف صورها مع مظهر، الشاعر الذي طعنه والده ثم حرق جثته، هذا الفعل المتطرف بحد ذاته لا ينهي الصراع، إنما ينهيه إلغاء القبر بصفته دلالة تطور رافقت نشأة المدينة والاستقرار.
توحي الإشارة المبكرة إلى رؤية الراوي وجهَ صديقه مظهر في الماء/ المرآة - بأنه الجانب الآخر من القالب الفصامي، لكن الجانب الآخر يتسلل في مشهدين يصفان الراوي مستعداً لتنفيذ مذبحة عشوائية، عدتها اثنتان وسبعون رصاصة، في سخرية واضحة من قتلة الأبرياء الذين يرجون الشهادة. الاستعداد للقتل هنا ثورة معادلة لقتل الأب، تمرد مخادع على دور المقتول الذي يجيده الراوي، وخروج من دائرة الفصام التي يزعم أنه دخلها بإرادته.
استخدم المؤلف وجهة نظر الغائب في الفصل الثاني كله، وانفرد الفصل الأول بفقرات مجدولة من وجهتي نظر الحضور والغياب، ما يقترح شخصية فصامية غير مترابطة التفكير، لا تميز بين الوقائع والهلاوس، وتعاني عدم الثقة في النفس والآخرين. أما بقية الفصول فتروى من وجهة نظر المتكلم مع تعمد إشاعة الفوضى في مسار السرد، وتمويه التركيب الزمني إلى حد الإرباك.
يتحرك مسار السرد من خلال أربعة عشر فصلاً مرقمة، عدا خمسة تحمل عناوين فرعية عوضاً عن الأرقام. وتسهل ملاحظة أن الفصل الخامس يليه مباشرة الفصل التاسع، ما يعني سقوط الفصلين السابع والثامن من ترتيب المسار، لكن تأمل مشهد دفن الأب في الفصلين السادس والحادي عشر يكشف الخطوة الأخيرة لتنظيم الفصول مع السهو عن ضبط الترقيم والعنونة.
ساهمت هذه الفوضى المتعمدة في تأكيد الدلالة المستفادة من تناول إشكالية الصراع بين الأجيال، وفي إرباك التركيب الزمني للرواية، كأن يتأخر تفصيل العلاقة بالضحية الأهم للمذبحة المتخيلة - في الفصل الثاني - حتى الفصل الثاني العشر، حيث يبدو الراوي في موقع يسمح له بالانتقام المعنوي من شبيه أبيه/ كبير غرسونات الفندق الذي أهانه.
الإشارات الى المستقبل عموماً غامضة، وتأتي مبتورة أو قبل أوانها، كأن يقود الراوي في الفصل الثاني سيارة فاخرة أهديت إليه، ولا نعرف في النهاية إن كانت صاحبة الهدية الباذخة زميلته أم فتاة الإعلانات، فلا فرق واضحاً بينهما. ويزداد التمويه بقوله في الفصل التاسع إنه أهدى بعد سنوات عدة الخاتم الفضي - الذي أهدته إياه - إلى صبية تحلم بأن تكون فتاة إعلانات. ثم تأتي الصبية الحالمة في الفصل الثاني عشر في سياق إشارة إلى مرور ثلاثة أشهر منذ دخل بيت صديقته وكذلك الإشارة إلى شخصية عادل، إذ نراه في نهاية الرواية يشارك في تأبين مظهر، بوراثة إحدى صفاته، بعد تفصيل حادثة مقتله الوحشية أثناء حياة مظهر في الفصل الرابع.
من خلال الوظائف المتعددة التي مارسها الراوي كاتب سيناريو إعلانات، غرسون في فندق، ناسخ في مكتب خدمات كومبيوتر تشتبك الرواية بالسخرية مع الخطاب الإعلامي، بوجوده القهري/ محتواه التعويضي/ لغته الغرائزية، مع بيئة الأعمال الخدمية بتراتبيتها المهينة، ومع فلسفة إدارة الأشياء في عالم الاتصالات الذكية.
ومن خلال اهتماماته الثقافية يجري الاشتباك الأهم مع كل من الخطابات الأدبية والسينمائية والدينية، فتنتشر أسماء الكتب/ المؤلفين/ الأفلام/ الممثلين/ المخرجين مؤطرة بالتعليقات الساخرة، وإن أوحت المرارة الظاهرة بكناية الأسماء عن الفرصة العادلة التي تفتقدها الشخصيات. فتعوضها باعتناق الأوهام والاكتفاء بمراقبة انهيار الواقع المتطرف.
عبرت الرواية عن هذا العالم بلغة متكافئة، هجومية حادة وصريحة، إلى حد البذاءة أحياناً، لغة تتخذ من السخرية منطقاً داخلياً يقود النص ويعكس المفارقات المحيطة بممارسة التعرية، سواء كانت للذات العالقة في سيناريواتها أو للمجتمع الذي يقتل أبناءه، ويوازن المناخ الكئيب بالكوميديا الصارخة: مشهد"نصر"تاجر المخدرات التائب ومناجاته التي استقطبت الى المسجد جمهور الأفلام المصرية، محاكمة"ربيع"على دوره - قبل أن يولد - في اغتيال الرئيس المؤمن، الزعيم الضئيل"سيد"وسط صبيانه العمالقة، إلى آخر المشاهد الاحتفالية، والتعليقات السردية والحوارية التي منحت الرواية، الأولى لياسر عبدالحافظ، عمقاً يُضاف الى رؤيتها المتميزة ويجعل التضحية - بحقيقة الموضوع المبتذل روائياً - مثمرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.