الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إطلالة على الزمن القديم    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطة شارون للانفصال أمنية أم فرض تسوية نهائية ؟. الخيارات المتوافرة لتنفيذ فك الارتباط مع غزة 3 من 3
نشر في الحياة يوم 06 - 04 - 2005

يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون, تمسكه بخطة"فك الارتباط"والانسحاب واخلاء المستوطنات في قطاع غزة، وخطى أخيراً خطوات مهمة على طريق التنفيذ وأزال عقبة الموازنة بعدما اقرتها الكنيست نهاية الشهر الجاري بغالبية كبيرة، ورفضت مشروع قانون يطالب باجراء استفتاء على الانسحاب. وسبقن قرار الكنيست قرارات انتزعها شارون من الحكومة اهمها إخلاء المستوطنين وتعويضهم وجدولة تنفيذ الخطة زمنيا. وصوت الى جانب القرار الاخير 17 وزيرا وعارضه خمسة فقط واعتبرت القرارات انتصارا لشارون في مواجهة المعارضين للخطة.
ويفترض ان تبدا عملية الإخلاء في 20 تموز يوليو المقبل وتستمر سبعة اسابيع في قطاع غزة. اما اخلاء المستوطنات الاربع كاديم وغانيم سانور وحوميش في شمال الضفة فسيستغرق اسبوعا واحدا. وحدد الجدول اسبوعين اضافيين لاخلاء البنية التحتية المدنية والعسكرية. ويفترض تنفيذ العملية في اربع مراحل، وسيكون شارون في حاجة الى قرار جديد قبل تنفيذ كل مرحلة. وتحدث وزير الدفاع أخيراً عن امكان اختزال فترة الانسحاب وتقليص مراحله.
والقراءة المتأنية لأزمة النظام السياسي في اسرائيل وطبيعة المعركة حول خطة الفصل تبين انه لا يمكن الجزم بأنها ستنفذ كاملة بهدوء من الفها الى يائها وبحسب التوقيتات التي حددت. فعلى رغم المواقف المعلنة والتحضيرات الجارية لا أحد يستثني احتمال وقوع تطورات خلال ال100 يوم التي تفصلنا عن تاريخ التنفيذ تؤثر في الجدول الزمني وتزيد في احتمالات الفشل. صحيح ان شارون كسب جولة حاسمة في معركة الفصل والاخلاء والانسحاب لكنه لم يربح الحرب. والكل يعرف كيف جاهد في الايام والاسابيع الاخيرة من اجل البقاء في رئاسة الوزراء، وركض في كل اتجاه حتى مرر الموازنة، وتجاوز المأزق الخطير بشق الانفس وقدم رشوة لحزب شينوي أكلت جزءا من رصيد العجوزين لبيد وشارون. كما لا يمكن تجاهل احتمال تعطل تنفيذ بعض بنود الخطة, خصوصاً ان قرار مجلس الوزراء حمل في طياته ما يساعد على ذلك عندما اكد حاجة شارون لقرار جديد لتنفيذ كل مرحلة بذاتها. وقررت قوى اليمين تحويل المسألة قضية مصيرية وعقدت العزم على خوض معركتها بكل الامكانات. وتسمع اليوم اصوات في اوساط اليمين المتطرف تتهم شارون بالتخاذل والردة والخيانة شبيهة بتلك التي سبقت اغتيال رابين. فشارون يعرف ان خطته فجرت معركة حقيقية مع اقرب الناس اليه. وتمريرها في الكنيست والحكومة بالاستناد الى حزب العمل وحزب لبيد لا يؤشر على قوة، ولا يعني انه حقق انتصارا ساحقا على خصومه، وضمن فوزا استراتيجيا، بمقدار ما يعني ان معركة حقيقية بدأت داخل معسكره.
في كل الحالات سيعمق تنفيذ الخطة الاشكالات السياسية والحزبية في اطار النظام السياسي الإسرائيلي بصرف النظر عن شكل التنفيذ ومدته الزمنية. بعض الاشكالات بدأ يطل برأسه في الحلبة الحزبية، اولها فشل شارون في تمرير خطته في حزبه بهدوء، تلاها تصدع الائتلاف الحاكم وتمرد عدد من اعضاء ليكود في الكنيست. وهذه مقدمات لتطورات أكبر يقدر لها ان تطفو على سطح المسرح السياسي عند الشروع في تنفيذ الخطة. ولا أحد يستطيع تجاهل إمكان حدوث مفاجآت أمنية توثر في تنفيذ الخطة, خصوصاً ان النزاع داخل معسكر اليمين يتجه نحو التصعيد. وبغض النظر عن عنجهية شارون ومحاولة الايحاء بانه يمسك بزمام الامور، فحالته الراهنة تشير إلى انه يسابق الزمن ويبحث عن مخرج لكن مأزقه يتعمق اكثر كيفما تحرك. فبعض اطراف اليمين يسعى الى اسقاط الحكومة قبل تنفيذ الخطة وقوى اليسار تخطط لاسقاطها بعد تنفيذها. وكل الدلائل تشير الى ان حزب العمل عازم على فسخ الشراكة بعد الانتهاء من تنفيذ الخطة او تعطل تنفيذها. وقد يحتاج شارون بدءا من تموز إلى معجزة لتمديد عمر حكومته وضمان بقائها وبقائه في رئاسة الوزراء حتى نهاية ولايته في 2007.
وبديهي القول ان فشل شارون في تنفيذ خطته لاي سبب كان يبقي الوضع في قطاع غزة وشمال الضفة على ما هو عليه، ويصاحب الفشل ارتفاع في درجة التوتر السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي وتوتر اشد في العلاقة مع الفلسطينيين، يرافقه خرق"الهدنة"وقد يتجدد اطلاق النار في كل الاتجاهات وتنتعش اعمال التطرف. وتكون النتيجة المؤكدة تجميد الجهود الهادفة الى تحريك عملية السلام بانتظار الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها في العام المقبل على ابعد تقدير. وتقدم هذا الاحتمال على الاحتمالات الاخرى يعفي الفلسطينيين من اشكالات داخلية محتملة، ويؤجل غرقهم في مهمات امنية استثنائية ليسوا جاهزين لها. وفي كل الحالات اذا حال ميل المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف دون تنفيذ خطة شارون فالمسؤول الرئيس عن هذه النتيجة هو شارون نفسه الذي قاد المجتمع الإسرائيلي نحو أقصى درجات التطرف.
وبديهي القول ان لا مصلحة للفلسطينيين او اي طرف عربي في مساعدة شارون على الخروج من المأزق. وخشية البعض سقوط شارون"المعتدل"وانتصار القوى الاكثر تطرفا في ليكود والمجتمع الإسرائيلي ومن ضياع فرصة الانسحاب من غزة, تعبر عن سذاجة سياسية في احسن الاحوال. فشارون يبقى ألد اعداء السلام العادل حتى إذا دمر مستوطنات القطاع كما دمر ياميت وسحب الجيش من هناك. ويخطئ من يعتقد ان موافقة شارون على تجديد دور مصر في البحث عن تسوية وابداء الاستعداد اللفظي للتعاون مع محمود عباس يعبر عن تغير جوهري في سياسته المعادية للسلام وتغيير موقفه السلبي من السلام ومن خريطة الطريق، أو انها تفسح في المجال للتقدم بمبادرات منتجة والقيام بتحركات تخرج عملية السلام من مأزقها وتعيد لها حيويتها.
وتفحص الخيارات المتوفرة لتنفيذ خطة شارون، في حال تجاوز الفشل، يبين ان هناك اكثر من خيار:الاول، ان يتم التنفيذ بالتعاون والتنسيق مع طرف ثالث. والثاني، تنفيذها من جانب واحد والاكتفاء بابلاغ"الصديق"بوش بالجدول الزمني. والثالث، تنفيذها بالتعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية واجهزتها الأمنية والمدنية.
آفاق الخيارات الثلاثة ونتائجها المحتملة
الأخذ بالخيار الاول، أي مشاركة طرف ثالث في التنفيذ قوات أمم متحدة او قوات مصرية او متعددة الجنسية من الحلف الاطلسي بقيادة أميركية او قوات أميركية صرفة, يساعد في تمرير خطة الانفصال بهدوء ويوفر نسبة اعلى من الأمن لكل الاطراف. ويؤمن للخطة قوة تحميها وتساهم في تحويلها في مرحلة لاحقة الى خطوة حقيقية على طريق حل النزاع وصنع السلام. وكل الاطراف وضمنها إسرائيل تعرف أن أجهزة الأمن الفلسطينية غير قادرة، بعد الضربات التي تلقتها، على ملء الفراغ الأمني الذي يخلفه انسحاب الجيش واخلاء المستوطنات، ولن يكون سهلا عليها فرض سيطرتها الكاملة في كل زاوية يخليها الاحتلال, خصوصاً اذا حصل خلاف فلسطيني داخلي حول الموضوع، وهذا الامر متوقع بعد اعلان"حماس"رغبتها في المشاركة في ادارة القطاع بعد الانسحاب، وقوات الامن الفلسطينية بحاجة الى مساعدة طرف ثالث لملء الفراغ وتوفير فرصة لاعادة التنظيم.
واذا اتيح للقيادة الفلسطينية حق اختيار الطرف الثالث فالمصلحة الفلسطينية تعطي افضلية لقوة دولية تتشكل بقرار من مجلس الأمن الدولي، ولا تعترض على أن تكون قوات أميركية صرفة أو متعددة الجنسية ومن اي جنسيات ترضى عنها إسرائيل.
وعلى رغم المبرر الواقعي لدور طرف ثالث، الا ان هذا الخيار غير مطروح حتى الآن بشكل جدي على أجندة أحد باستثناء الطرف الفلسطيني الضعيف ودول الاتحاد الاوروبي بنسبة أقل. ومراجعة مواقف إسرائيل من المسألة يؤكد ان حظ هذا الخيار شبه معدوم في ظل موقف شارون الرافض فكرة منح طرف ثالث دورا ميدانيا مباشرا في تنفيذ الخطة. وهو استبق اي تفكير في طرف ثالث وضمّن خطته فقرة تقول"إسرائيل تصر على ان لا يكون وجود امني اجنبي في قطاع غزة و/او في يهودا والسامرة دون موافقتها". وتوافق على"انه بالتنسيق معها ستمنح مشورة مساعدة وارشاد لقوات امن فلسطينية لاحظ مشورة وارشاد وليس اكثر لغرض مكافحة الارهاب والحفاظ على النظام من قبل محافل أميركية وبريطانية ومصرية وأردنية او خبراء آخرين وكما يتفق عليه ثنائيا".
وإذا كان شارون يعارض بقوة أي دور ميداني لطرف ثالث، ويعارض الاستعانة بقوات أميركية أو دولية أو متعددة الجنسية للفصل بين الشعبين و"الدولتين"، فليس عاقلا من يصدق أنه سيترك الحدود المصرية الفلسطينية دون رقابة إسرائيلية مشددة او انه سيسلم الحدود والمعابر الرسمية للفلسطينيين، وهو الذي يؤمن بأن الرقابة الأمنية الإسرائيلية وحدها القادرة على منع الفلسطينيين من تهريب الأسلحة والمتفجرات. وشارون ليس في عجلة من أمره ولا يتعرض لأي ضغط جدي داخلي أو إقليمي أو دولي للانسحاب من قطاع غزة وتسليم المعابر والحدود مع مصر للفلسطينيين. وبديهي قول أن بقاء معبر رفح تحت السيطرة الإسرائيلية ينسف جوهر فكرة الانسحاب ويبقي القطاع بصيغة واخرى تحت الاحتلال.
وفي شأن الخيار الثاني التنفيذ من جانب واحد: يمكن القول ان رحيل عرفات وتولي محمود عباس زمام السلطة الفلسطينية عبر انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة، ولقاء شارون مع الرئيس الفلسطيني في قمة شرم الشيخ في حضور حسني مبارك والملك عبد الله الثاني، ورغبة جورج بوش في تجنب احراج محمود عباس وتنسيق خطة الانسحاب اسرائيلي معه,احدث تبدلا في موقع هذا الخيار ضمن الخيارات الثلاثة. في عهد عرفات كان هذا الخيار في الصدارة وعليه بنى شارون خطته وحملت عنوان"فصل وانسحاب احادي الجانب"، لكنه بعد تولي عباس زمام السلطة تراجع جزئيا لصالح الخيار الثالث المفضل أميركيا والقائم على التنفيذ بالتنسيق بصيغة واخرى مع الجانب الفلسطيني.
لا شك في ان بامكان شارون ايجاد ذريعة بديلة لذريعة عرفات وحتى خلق ذرائع كثيرة اذا اراد، او الاستمرار في توجهه دون ذريعة, خصوصاً انه لا يتعرض لضغوط اميركية ودولية جدية، ومصلحته لا تزال تكمن في الانسحاب الاحادي الجانب الذي يعفيه من اجراء تعديلات في الخطة تفرضها قواعد الشراكة, ويعفيه من كشف اوراقه في ما يتعلق بالجواب على سؤال ماذا بعد الانسحاب من غزة.
صحيح ان لدى شارون جواب خلاصته دعونا ننفذ الخطة ونرتاح 10 سنوات كمرحلة انتقالية، لكنه يعرف ان جوابه مرفوض فلسطينيا ولا يحظى برضى احد بما في ذلك بوش ودول الاتحاد الاوروبي.
الى ذلك، هناك عقبات اخرى تصب في مصلحة العودة لاعتماد خيار التنفيذ من جانب واحد، منها صعوبة الاتفاق مع الجانب الفلسطيني على تفاصيل التنفيذ خلال الفترة الباقية. اذ ان شارون التزم امام الكنيست ترتيبات خاصة يصعب التراجع عنها، ووفرت عملية تل أبيب التي نفذتها سرايا القدس التابعة للجهاد الاسلامي ذريعة لشارون وزاد تمسكه بتنفيذ خطته من جانب واحد, ومماطلته الملموسة بحجج مختلغة في تسليم المسؤولية الأمنية عن المدن الفلسطينية الخمس: أريحا وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم ورام الله للسلطة، تؤكد نياته السيئة، خصوصاً ان السلطة دانت العملية بلسان رئيسها وتحركت لاعتقال ومحاكمة المسؤولين عنها، ونجح عباس بمساعدة مصرية في التوصل الى هدنة.
في كل الحالات، يعفي التنفيذ الاحادي الجانب الطرف الفلسطيني من اي التزامات امنية تجاه الجانب الإسرائيلي، ويثير في حال تطبيقة أسئلة حول مصير المستوطنات والبنية التحتية: هل سيقرر شارون تدميرها ام يتركها سليمة ويسلمها للسلطة مباشرة او عبر طرف ثالث, وسؤال آخر حول تشغيل مطار غزة والميناء وحول السيطرة على المعابر البرية. ونص مشروع شارون"الخطة"على أن"إسرائيل ستشرف على الغلاف الخارجي في البر وتحرسه، وستسيطر بشكل منفرد في المجال الجوي لغزة وتواصل اجراء النشاط العسكري في المجال البحري لقطاع غزة". وبديهي القول ان تمسك إسرائيل بهذا الشرط يبقي القطاع عمليا تحت الاحتلال.
ونعتقد ان الانسحاب الاحادي لن يمر بهدوء وسلام وسيبدو وكانه انتصار لانصار العمل العسكري والعمليات الانتحارية، وقد يتسبب في فوضى في الجانب الفلسطيني في السيطرة على مخلفات الجيش والمستوطنين من منشآت ومعدات صناعية وزراعية. واستمرار شارون بالاستهتار بالطرف الفلسطيني واضعاف مكانة السلطة يزيد في احتمال وقوع اعمال عسكرية في مرحلة ما بعد الانتخابات الفلسطينية تكون حتما قوية من الجانب الإسرائيلي لردع اي تطاول فلسطيني, تقابلها اعمال فلسطينية ينفذها البعض لاعتبارات معنوية ومحاولة تكريس الدور الذاتي وانتزاع حصة في الترتيبات.
لن نتأخر غالبية الإسرائيليين في إدراك مخاطر أطروحة شارون ومفاهيمه حول الأمن على صنع السلام بين الشعبين ومستقبل العلاقة بينهما وعلى علاقات إسرائيل بالقوى الإقليمية والدولية التي تؤمن بالسلام وتنادي بالفصل بين الشعبين باتفاق سلام شامل ودائم. وفي كل الاحوال يبقى الانسحاب من جانب واحد وهم خادع لا يحقق"الأمن والسلام"في بقية عهد شارون، وهو يشبه وهماً قديماً دام 20 عاما بناه أركان المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على سياج أمني اقاموه على حدود لبنان، وايضا على المنطقة الأمنية العازلة التي عينوا أنطوان لحد زعيما لها وطواه النسيان. وتجربة العزل والفصل المفروضة على قطاع غزة منذ سنوات تؤكد ان خطة الفصل قادرة على تقليص العمليات داخل إسرائيل لكنها لا تنهيها كليا. وترفع في نسبة الأمن للإسرائيليين لكنها لا تحققه كاملا ولا تقضي على العمليات الانتحارية ولا توقف القصف بمدافع الهاون والقذائف الصاروخية.
الاحتمال الثالث: التنسيق مع السلطة يمكن القول ان حظوظ هذا الخيار باتت في الآونة الأخيرة أعلى من سواه وزادت لاسباب عدة منها: زوال الذريعة بعد وفاة عرفات وتولي عباس السلطة ونجاحه في اقناع قيادة حركة حماس وبقية القوى بوقف اطلاق النار والتوصل بمساعدة مصرية الى هدنة طويلة. ويعبر عباس بوضوح عن رغبته في التنسيق مع الاسرائيليين بشأن خطة الفصل وفي كل خطوة تمس الارض والشعب. وزادت تطورات الوضع خصوصا تبوؤ عباس قيادة السلطة في رغبة الادارة الأميركية والمجموعة الاوروبية ان يتم تنفيذ خطة شارون بالتنسيق بين الطرفين وتجنب كل ما يسبب احراجا لعباس. وانضمام حزب العمل للحكومة رفع من نسبة الاخذ بهذا الخيار خصوصاً ان الحزب يعلن انه دخل الائتلاف لضمان تنفيذ خطة الانفصال، وتتمسك قيادته بتنشيط الاتصالات مع الرئيس عباس وتفضل تنفيذ الخطة بالتنسيق معه.
كما إن وجود شمعون بيريز وآخرين من العمل في الحكومة يزيد في قدرة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي ومصر والاردن على التاثير في موقف شارون وربما يساعد في تحويل الخطوة من انسحاب احادي الى انسحاب بالتعاون والتنسيق مع الجانب الفلسطيني. وجاءت قمة شرم الشيخ يوم 8 شباط 2005 التي جمعت عباس وشارون بحضور الرئيس المصري مبارك وملك الاردن عبد الله الثاني وزادت في احتمال اعتماد هذا الخيار. ولا شك في ان تعيين الادارة الأميركية الجنرال وليم وورد كمنسق للعلاقة الأمنية مع الفلسطينيين يساعد في لعب الجانب الأميركي دورا أكبر من دور المسهل او المراقب لتنفيذ مهام التعاون والتنسيق.
نظن ان حكومة شارون تملك القوى والوسائط لتنفيذ الخطة اذا حزمت أمرها، والمؤسسة الأمنية العسكرية معروفة بانضباطها للقرار السياسي وجاهزة لتنفيذ قرار الاخلاء. والقرار يحظى بغالبية برلمانية وشعبية، وتمرد المستوطنين وانصارهم في اليمين وداخل ليكود لا يعطل تنفيذ القرار اذا حسم شارون موقفه. ومصلحة الجيش الإسرائيلي تتقاطع مع موقف عباس بشان التنسيق الأمني ولدى قيادته رغبة حقيقية غير معلنة بهذا الخيار وتحاشي تكرار نموذج الانسحاب من جنوب لبنان في عهد باراك.
وترى قيادة الجيش في تنفيذ الخطة بالتنسيق مع السلطة خياراً يقلص كلفة الانسحاب المادية والمعنوية، ويعفي الجيش من مسالة حساسة هي الظهور امام العالم في صورة من تراجع امام المقاومة. ويعتقد بعض اركان الجيش ان التنسيق يحول الخطوة من"انسحاب"دون ثمن الى"انسحاب"مقابل ضمان الهدوء خلال الانسحاب وبعده. واذا كانت عملية تل ابيب التي نفذتها الجهاد الاسلامي شوشت على خيار"تنفيذ الخطة بالتنسيق مع السلطة"فان موقف أبو مازن واجراءات اجهزة الأمن الفلسطينية تبقي حظوظه عالية شريطة أن لا تتبعها عمليات أخرى.
وبديهي القول ان اعتماد هذا الخيار يفرض على الجهات المعنية في السلطة بذل اقصى الجهود لصياغة البروتوكولات اللازمة لضمان الحقوق في الخطة وفي المراحل اللاحقة عليها. واذا كانت القيادة الإسرائيلية لا تثق بدور قوى الأمن الفلسطينية في حماية الحدود، وتخشى تولي هذه الاجهزة أمن المعابر، وترفض تكييف متطلبات اسرائيل الأمنية للقوانين الدولية وتتصرف بأريحية في قرارات الامم المتحدة، وتطبق ما تريد وترفض ما تريد ولا تجد من يردعها, يصبح دور الطرف الثالث ضرورة لا غنى عنها لانجاح التعاون والتنسيق الثنائي. ويصعب تصور خطة شارون خطوة على طريق تهدئة الصراع واستقرار الأمن في المنطقة من دون هذا الطرف .
في كل الحالات، نظن أن الفلسطيين والمهتمين بصنع السلام في المنطقة ستشاهدون في النصف الثاني من هذا العام مزيد من الاشتباكات السياسية والعنيفة في شوارع اسرائيل وفي مناطق المستوطنات وطرقها بين انصار الخطة وخصومها. وهذه التطورات الدراماتيكية ستوفر لوسائل الاعلام الدولية مادة مثيرة ومشوقة تعرضها يوميا على جمهور المتفرجين. ويتوقع ان يسلط بعضها الاضواء على حجم معاناة المستوطنين ويضخم آخرون حجم معاناة شارون ومشاكله. وينسى خلالها الاسرائيليون والاوروبيون والاميركيون معاناة الفلسطينيين الذين سلبتهم ارضهم واقيمت عليها المستوطنات التي ستزال والتي ستبقى تمزق جسد الدولة الفلسطينية وتعرقل صنع السلام والامن والاستقرار لشعوب المنطقة. وقد يطالب بعضهم السلطة الفلسطينية والدول العربية بمد العون"للمناضل"من أجل السلام"شارون". ويجب ان لا يفاجئ رئيس السلطة رئيس المنظمة ابو مازن اذا سمع في زيارته القريبة لواشنطن بوش واركانه يتمنون عليه التحلي بالصبر ومساعدة شارون"المسكين"في مواجهة المستوطنين المتطرفين...!
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.