صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة ل 115 مقيمًا لتبرعهم بالدم عشر مرات    الجيش الأمريكي يقرر تقليص عدد قواته في سوريا إلى أقل من ألف    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الفيحاء    يايسله يتغنى في الأهلي بعد اكتساح الفيحاء    القصيم تحتفل باليوم العالمي للتراث    لاندو نوريس يتصدر التجارب الثانية بجدة وتسونودا يتعرض لحادث    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية بنسبة (50%) وعودتها إلى قيمتها الأساسية    انطلاق البرنامج التدريبي والتأهيلي ل "هاكثون التحوّل"    السعودية تنهى مشاركتها في ألعاب القوى الآسيوية ب"5″ ميداليات    «سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    القادسية يكسب النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله    إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة        قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    «حرس الحدود» بينبع يحبط تهريب (3.6) كجم "حشيش"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطة شارون للانفصال أمنية أم فرض تسوية نهائية ؟. الخيارات المتوافرة لتنفيذ فك الارتباط مع غزة 3 من 3
نشر في الحياة يوم 06 - 04 - 2005

يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون, تمسكه بخطة"فك الارتباط"والانسحاب واخلاء المستوطنات في قطاع غزة، وخطى أخيراً خطوات مهمة على طريق التنفيذ وأزال عقبة الموازنة بعدما اقرتها الكنيست نهاية الشهر الجاري بغالبية كبيرة، ورفضت مشروع قانون يطالب باجراء استفتاء على الانسحاب. وسبقن قرار الكنيست قرارات انتزعها شارون من الحكومة اهمها إخلاء المستوطنين وتعويضهم وجدولة تنفيذ الخطة زمنيا. وصوت الى جانب القرار الاخير 17 وزيرا وعارضه خمسة فقط واعتبرت القرارات انتصارا لشارون في مواجهة المعارضين للخطة.
ويفترض ان تبدا عملية الإخلاء في 20 تموز يوليو المقبل وتستمر سبعة اسابيع في قطاع غزة. اما اخلاء المستوطنات الاربع كاديم وغانيم سانور وحوميش في شمال الضفة فسيستغرق اسبوعا واحدا. وحدد الجدول اسبوعين اضافيين لاخلاء البنية التحتية المدنية والعسكرية. ويفترض تنفيذ العملية في اربع مراحل، وسيكون شارون في حاجة الى قرار جديد قبل تنفيذ كل مرحلة. وتحدث وزير الدفاع أخيراً عن امكان اختزال فترة الانسحاب وتقليص مراحله.
والقراءة المتأنية لأزمة النظام السياسي في اسرائيل وطبيعة المعركة حول خطة الفصل تبين انه لا يمكن الجزم بأنها ستنفذ كاملة بهدوء من الفها الى يائها وبحسب التوقيتات التي حددت. فعلى رغم المواقف المعلنة والتحضيرات الجارية لا أحد يستثني احتمال وقوع تطورات خلال ال100 يوم التي تفصلنا عن تاريخ التنفيذ تؤثر في الجدول الزمني وتزيد في احتمالات الفشل. صحيح ان شارون كسب جولة حاسمة في معركة الفصل والاخلاء والانسحاب لكنه لم يربح الحرب. والكل يعرف كيف جاهد في الايام والاسابيع الاخيرة من اجل البقاء في رئاسة الوزراء، وركض في كل اتجاه حتى مرر الموازنة، وتجاوز المأزق الخطير بشق الانفس وقدم رشوة لحزب شينوي أكلت جزءا من رصيد العجوزين لبيد وشارون. كما لا يمكن تجاهل احتمال تعطل تنفيذ بعض بنود الخطة, خصوصاً ان قرار مجلس الوزراء حمل في طياته ما يساعد على ذلك عندما اكد حاجة شارون لقرار جديد لتنفيذ كل مرحلة بذاتها. وقررت قوى اليمين تحويل المسألة قضية مصيرية وعقدت العزم على خوض معركتها بكل الامكانات. وتسمع اليوم اصوات في اوساط اليمين المتطرف تتهم شارون بالتخاذل والردة والخيانة شبيهة بتلك التي سبقت اغتيال رابين. فشارون يعرف ان خطته فجرت معركة حقيقية مع اقرب الناس اليه. وتمريرها في الكنيست والحكومة بالاستناد الى حزب العمل وحزب لبيد لا يؤشر على قوة، ولا يعني انه حقق انتصارا ساحقا على خصومه، وضمن فوزا استراتيجيا، بمقدار ما يعني ان معركة حقيقية بدأت داخل معسكره.
في كل الحالات سيعمق تنفيذ الخطة الاشكالات السياسية والحزبية في اطار النظام السياسي الإسرائيلي بصرف النظر عن شكل التنفيذ ومدته الزمنية. بعض الاشكالات بدأ يطل برأسه في الحلبة الحزبية، اولها فشل شارون في تمرير خطته في حزبه بهدوء، تلاها تصدع الائتلاف الحاكم وتمرد عدد من اعضاء ليكود في الكنيست. وهذه مقدمات لتطورات أكبر يقدر لها ان تطفو على سطح المسرح السياسي عند الشروع في تنفيذ الخطة. ولا أحد يستطيع تجاهل إمكان حدوث مفاجآت أمنية توثر في تنفيذ الخطة, خصوصاً ان النزاع داخل معسكر اليمين يتجه نحو التصعيد. وبغض النظر عن عنجهية شارون ومحاولة الايحاء بانه يمسك بزمام الامور، فحالته الراهنة تشير إلى انه يسابق الزمن ويبحث عن مخرج لكن مأزقه يتعمق اكثر كيفما تحرك. فبعض اطراف اليمين يسعى الى اسقاط الحكومة قبل تنفيذ الخطة وقوى اليسار تخطط لاسقاطها بعد تنفيذها. وكل الدلائل تشير الى ان حزب العمل عازم على فسخ الشراكة بعد الانتهاء من تنفيذ الخطة او تعطل تنفيذها. وقد يحتاج شارون بدءا من تموز إلى معجزة لتمديد عمر حكومته وضمان بقائها وبقائه في رئاسة الوزراء حتى نهاية ولايته في 2007.
وبديهي القول ان فشل شارون في تنفيذ خطته لاي سبب كان يبقي الوضع في قطاع غزة وشمال الضفة على ما هو عليه، ويصاحب الفشل ارتفاع في درجة التوتر السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي وتوتر اشد في العلاقة مع الفلسطينيين، يرافقه خرق"الهدنة"وقد يتجدد اطلاق النار في كل الاتجاهات وتنتعش اعمال التطرف. وتكون النتيجة المؤكدة تجميد الجهود الهادفة الى تحريك عملية السلام بانتظار الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها في العام المقبل على ابعد تقدير. وتقدم هذا الاحتمال على الاحتمالات الاخرى يعفي الفلسطينيين من اشكالات داخلية محتملة، ويؤجل غرقهم في مهمات امنية استثنائية ليسوا جاهزين لها. وفي كل الحالات اذا حال ميل المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف دون تنفيذ خطة شارون فالمسؤول الرئيس عن هذه النتيجة هو شارون نفسه الذي قاد المجتمع الإسرائيلي نحو أقصى درجات التطرف.
وبديهي القول ان لا مصلحة للفلسطينيين او اي طرف عربي في مساعدة شارون على الخروج من المأزق. وخشية البعض سقوط شارون"المعتدل"وانتصار القوى الاكثر تطرفا في ليكود والمجتمع الإسرائيلي ومن ضياع فرصة الانسحاب من غزة, تعبر عن سذاجة سياسية في احسن الاحوال. فشارون يبقى ألد اعداء السلام العادل حتى إذا دمر مستوطنات القطاع كما دمر ياميت وسحب الجيش من هناك. ويخطئ من يعتقد ان موافقة شارون على تجديد دور مصر في البحث عن تسوية وابداء الاستعداد اللفظي للتعاون مع محمود عباس يعبر عن تغير جوهري في سياسته المعادية للسلام وتغيير موقفه السلبي من السلام ومن خريطة الطريق، أو انها تفسح في المجال للتقدم بمبادرات منتجة والقيام بتحركات تخرج عملية السلام من مأزقها وتعيد لها حيويتها.
وتفحص الخيارات المتوفرة لتنفيذ خطة شارون، في حال تجاوز الفشل، يبين ان هناك اكثر من خيار:الاول، ان يتم التنفيذ بالتعاون والتنسيق مع طرف ثالث. والثاني، تنفيذها من جانب واحد والاكتفاء بابلاغ"الصديق"بوش بالجدول الزمني. والثالث، تنفيذها بالتعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية واجهزتها الأمنية والمدنية.
آفاق الخيارات الثلاثة ونتائجها المحتملة
الأخذ بالخيار الاول، أي مشاركة طرف ثالث في التنفيذ قوات أمم متحدة او قوات مصرية او متعددة الجنسية من الحلف الاطلسي بقيادة أميركية او قوات أميركية صرفة, يساعد في تمرير خطة الانفصال بهدوء ويوفر نسبة اعلى من الأمن لكل الاطراف. ويؤمن للخطة قوة تحميها وتساهم في تحويلها في مرحلة لاحقة الى خطوة حقيقية على طريق حل النزاع وصنع السلام. وكل الاطراف وضمنها إسرائيل تعرف أن أجهزة الأمن الفلسطينية غير قادرة، بعد الضربات التي تلقتها، على ملء الفراغ الأمني الذي يخلفه انسحاب الجيش واخلاء المستوطنات، ولن يكون سهلا عليها فرض سيطرتها الكاملة في كل زاوية يخليها الاحتلال, خصوصاً اذا حصل خلاف فلسطيني داخلي حول الموضوع، وهذا الامر متوقع بعد اعلان"حماس"رغبتها في المشاركة في ادارة القطاع بعد الانسحاب، وقوات الامن الفلسطينية بحاجة الى مساعدة طرف ثالث لملء الفراغ وتوفير فرصة لاعادة التنظيم.
واذا اتيح للقيادة الفلسطينية حق اختيار الطرف الثالث فالمصلحة الفلسطينية تعطي افضلية لقوة دولية تتشكل بقرار من مجلس الأمن الدولي، ولا تعترض على أن تكون قوات أميركية صرفة أو متعددة الجنسية ومن اي جنسيات ترضى عنها إسرائيل.
وعلى رغم المبرر الواقعي لدور طرف ثالث، الا ان هذا الخيار غير مطروح حتى الآن بشكل جدي على أجندة أحد باستثناء الطرف الفلسطيني الضعيف ودول الاتحاد الاوروبي بنسبة أقل. ومراجعة مواقف إسرائيل من المسألة يؤكد ان حظ هذا الخيار شبه معدوم في ظل موقف شارون الرافض فكرة منح طرف ثالث دورا ميدانيا مباشرا في تنفيذ الخطة. وهو استبق اي تفكير في طرف ثالث وضمّن خطته فقرة تقول"إسرائيل تصر على ان لا يكون وجود امني اجنبي في قطاع غزة و/او في يهودا والسامرة دون موافقتها". وتوافق على"انه بالتنسيق معها ستمنح مشورة مساعدة وارشاد لقوات امن فلسطينية لاحظ مشورة وارشاد وليس اكثر لغرض مكافحة الارهاب والحفاظ على النظام من قبل محافل أميركية وبريطانية ومصرية وأردنية او خبراء آخرين وكما يتفق عليه ثنائيا".
وإذا كان شارون يعارض بقوة أي دور ميداني لطرف ثالث، ويعارض الاستعانة بقوات أميركية أو دولية أو متعددة الجنسية للفصل بين الشعبين و"الدولتين"، فليس عاقلا من يصدق أنه سيترك الحدود المصرية الفلسطينية دون رقابة إسرائيلية مشددة او انه سيسلم الحدود والمعابر الرسمية للفلسطينيين، وهو الذي يؤمن بأن الرقابة الأمنية الإسرائيلية وحدها القادرة على منع الفلسطينيين من تهريب الأسلحة والمتفجرات. وشارون ليس في عجلة من أمره ولا يتعرض لأي ضغط جدي داخلي أو إقليمي أو دولي للانسحاب من قطاع غزة وتسليم المعابر والحدود مع مصر للفلسطينيين. وبديهي قول أن بقاء معبر رفح تحت السيطرة الإسرائيلية ينسف جوهر فكرة الانسحاب ويبقي القطاع بصيغة واخرى تحت الاحتلال.
وفي شأن الخيار الثاني التنفيذ من جانب واحد: يمكن القول ان رحيل عرفات وتولي محمود عباس زمام السلطة الفلسطينية عبر انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة، ولقاء شارون مع الرئيس الفلسطيني في قمة شرم الشيخ في حضور حسني مبارك والملك عبد الله الثاني، ورغبة جورج بوش في تجنب احراج محمود عباس وتنسيق خطة الانسحاب اسرائيلي معه,احدث تبدلا في موقع هذا الخيار ضمن الخيارات الثلاثة. في عهد عرفات كان هذا الخيار في الصدارة وعليه بنى شارون خطته وحملت عنوان"فصل وانسحاب احادي الجانب"، لكنه بعد تولي عباس زمام السلطة تراجع جزئيا لصالح الخيار الثالث المفضل أميركيا والقائم على التنفيذ بالتنسيق بصيغة واخرى مع الجانب الفلسطيني.
لا شك في ان بامكان شارون ايجاد ذريعة بديلة لذريعة عرفات وحتى خلق ذرائع كثيرة اذا اراد، او الاستمرار في توجهه دون ذريعة, خصوصاً انه لا يتعرض لضغوط اميركية ودولية جدية، ومصلحته لا تزال تكمن في الانسحاب الاحادي الجانب الذي يعفيه من اجراء تعديلات في الخطة تفرضها قواعد الشراكة, ويعفيه من كشف اوراقه في ما يتعلق بالجواب على سؤال ماذا بعد الانسحاب من غزة.
صحيح ان لدى شارون جواب خلاصته دعونا ننفذ الخطة ونرتاح 10 سنوات كمرحلة انتقالية، لكنه يعرف ان جوابه مرفوض فلسطينيا ولا يحظى برضى احد بما في ذلك بوش ودول الاتحاد الاوروبي.
الى ذلك، هناك عقبات اخرى تصب في مصلحة العودة لاعتماد خيار التنفيذ من جانب واحد، منها صعوبة الاتفاق مع الجانب الفلسطيني على تفاصيل التنفيذ خلال الفترة الباقية. اذ ان شارون التزم امام الكنيست ترتيبات خاصة يصعب التراجع عنها، ووفرت عملية تل أبيب التي نفذتها سرايا القدس التابعة للجهاد الاسلامي ذريعة لشارون وزاد تمسكه بتنفيذ خطته من جانب واحد, ومماطلته الملموسة بحجج مختلغة في تسليم المسؤولية الأمنية عن المدن الفلسطينية الخمس: أريحا وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم ورام الله للسلطة، تؤكد نياته السيئة، خصوصاً ان السلطة دانت العملية بلسان رئيسها وتحركت لاعتقال ومحاكمة المسؤولين عنها، ونجح عباس بمساعدة مصرية في التوصل الى هدنة.
في كل الحالات، يعفي التنفيذ الاحادي الجانب الطرف الفلسطيني من اي التزامات امنية تجاه الجانب الإسرائيلي، ويثير في حال تطبيقة أسئلة حول مصير المستوطنات والبنية التحتية: هل سيقرر شارون تدميرها ام يتركها سليمة ويسلمها للسلطة مباشرة او عبر طرف ثالث, وسؤال آخر حول تشغيل مطار غزة والميناء وحول السيطرة على المعابر البرية. ونص مشروع شارون"الخطة"على أن"إسرائيل ستشرف على الغلاف الخارجي في البر وتحرسه، وستسيطر بشكل منفرد في المجال الجوي لغزة وتواصل اجراء النشاط العسكري في المجال البحري لقطاع غزة". وبديهي القول ان تمسك إسرائيل بهذا الشرط يبقي القطاع عمليا تحت الاحتلال.
ونعتقد ان الانسحاب الاحادي لن يمر بهدوء وسلام وسيبدو وكانه انتصار لانصار العمل العسكري والعمليات الانتحارية، وقد يتسبب في فوضى في الجانب الفلسطيني في السيطرة على مخلفات الجيش والمستوطنين من منشآت ومعدات صناعية وزراعية. واستمرار شارون بالاستهتار بالطرف الفلسطيني واضعاف مكانة السلطة يزيد في احتمال وقوع اعمال عسكرية في مرحلة ما بعد الانتخابات الفلسطينية تكون حتما قوية من الجانب الإسرائيلي لردع اي تطاول فلسطيني, تقابلها اعمال فلسطينية ينفذها البعض لاعتبارات معنوية ومحاولة تكريس الدور الذاتي وانتزاع حصة في الترتيبات.
لن نتأخر غالبية الإسرائيليين في إدراك مخاطر أطروحة شارون ومفاهيمه حول الأمن على صنع السلام بين الشعبين ومستقبل العلاقة بينهما وعلى علاقات إسرائيل بالقوى الإقليمية والدولية التي تؤمن بالسلام وتنادي بالفصل بين الشعبين باتفاق سلام شامل ودائم. وفي كل الاحوال يبقى الانسحاب من جانب واحد وهم خادع لا يحقق"الأمن والسلام"في بقية عهد شارون، وهو يشبه وهماً قديماً دام 20 عاما بناه أركان المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على سياج أمني اقاموه على حدود لبنان، وايضا على المنطقة الأمنية العازلة التي عينوا أنطوان لحد زعيما لها وطواه النسيان. وتجربة العزل والفصل المفروضة على قطاع غزة منذ سنوات تؤكد ان خطة الفصل قادرة على تقليص العمليات داخل إسرائيل لكنها لا تنهيها كليا. وترفع في نسبة الأمن للإسرائيليين لكنها لا تحققه كاملا ولا تقضي على العمليات الانتحارية ولا توقف القصف بمدافع الهاون والقذائف الصاروخية.
الاحتمال الثالث: التنسيق مع السلطة يمكن القول ان حظوظ هذا الخيار باتت في الآونة الأخيرة أعلى من سواه وزادت لاسباب عدة منها: زوال الذريعة بعد وفاة عرفات وتولي عباس السلطة ونجاحه في اقناع قيادة حركة حماس وبقية القوى بوقف اطلاق النار والتوصل بمساعدة مصرية الى هدنة طويلة. ويعبر عباس بوضوح عن رغبته في التنسيق مع الاسرائيليين بشأن خطة الفصل وفي كل خطوة تمس الارض والشعب. وزادت تطورات الوضع خصوصا تبوؤ عباس قيادة السلطة في رغبة الادارة الأميركية والمجموعة الاوروبية ان يتم تنفيذ خطة شارون بالتنسيق بين الطرفين وتجنب كل ما يسبب احراجا لعباس. وانضمام حزب العمل للحكومة رفع من نسبة الاخذ بهذا الخيار خصوصاً ان الحزب يعلن انه دخل الائتلاف لضمان تنفيذ خطة الانفصال، وتتمسك قيادته بتنشيط الاتصالات مع الرئيس عباس وتفضل تنفيذ الخطة بالتنسيق معه.
كما إن وجود شمعون بيريز وآخرين من العمل في الحكومة يزيد في قدرة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي ومصر والاردن على التاثير في موقف شارون وربما يساعد في تحويل الخطوة من انسحاب احادي الى انسحاب بالتعاون والتنسيق مع الجانب الفلسطيني. وجاءت قمة شرم الشيخ يوم 8 شباط 2005 التي جمعت عباس وشارون بحضور الرئيس المصري مبارك وملك الاردن عبد الله الثاني وزادت في احتمال اعتماد هذا الخيار. ولا شك في ان تعيين الادارة الأميركية الجنرال وليم وورد كمنسق للعلاقة الأمنية مع الفلسطينيين يساعد في لعب الجانب الأميركي دورا أكبر من دور المسهل او المراقب لتنفيذ مهام التعاون والتنسيق.
نظن ان حكومة شارون تملك القوى والوسائط لتنفيذ الخطة اذا حزمت أمرها، والمؤسسة الأمنية العسكرية معروفة بانضباطها للقرار السياسي وجاهزة لتنفيذ قرار الاخلاء. والقرار يحظى بغالبية برلمانية وشعبية، وتمرد المستوطنين وانصارهم في اليمين وداخل ليكود لا يعطل تنفيذ القرار اذا حسم شارون موقفه. ومصلحة الجيش الإسرائيلي تتقاطع مع موقف عباس بشان التنسيق الأمني ولدى قيادته رغبة حقيقية غير معلنة بهذا الخيار وتحاشي تكرار نموذج الانسحاب من جنوب لبنان في عهد باراك.
وترى قيادة الجيش في تنفيذ الخطة بالتنسيق مع السلطة خياراً يقلص كلفة الانسحاب المادية والمعنوية، ويعفي الجيش من مسالة حساسة هي الظهور امام العالم في صورة من تراجع امام المقاومة. ويعتقد بعض اركان الجيش ان التنسيق يحول الخطوة من"انسحاب"دون ثمن الى"انسحاب"مقابل ضمان الهدوء خلال الانسحاب وبعده. واذا كانت عملية تل ابيب التي نفذتها الجهاد الاسلامي شوشت على خيار"تنفيذ الخطة بالتنسيق مع السلطة"فان موقف أبو مازن واجراءات اجهزة الأمن الفلسطينية تبقي حظوظه عالية شريطة أن لا تتبعها عمليات أخرى.
وبديهي القول ان اعتماد هذا الخيار يفرض على الجهات المعنية في السلطة بذل اقصى الجهود لصياغة البروتوكولات اللازمة لضمان الحقوق في الخطة وفي المراحل اللاحقة عليها. واذا كانت القيادة الإسرائيلية لا تثق بدور قوى الأمن الفلسطينية في حماية الحدود، وتخشى تولي هذه الاجهزة أمن المعابر، وترفض تكييف متطلبات اسرائيل الأمنية للقوانين الدولية وتتصرف بأريحية في قرارات الامم المتحدة، وتطبق ما تريد وترفض ما تريد ولا تجد من يردعها, يصبح دور الطرف الثالث ضرورة لا غنى عنها لانجاح التعاون والتنسيق الثنائي. ويصعب تصور خطة شارون خطوة على طريق تهدئة الصراع واستقرار الأمن في المنطقة من دون هذا الطرف .
في كل الحالات، نظن أن الفلسطيين والمهتمين بصنع السلام في المنطقة ستشاهدون في النصف الثاني من هذا العام مزيد من الاشتباكات السياسية والعنيفة في شوارع اسرائيل وفي مناطق المستوطنات وطرقها بين انصار الخطة وخصومها. وهذه التطورات الدراماتيكية ستوفر لوسائل الاعلام الدولية مادة مثيرة ومشوقة تعرضها يوميا على جمهور المتفرجين. ويتوقع ان يسلط بعضها الاضواء على حجم معاناة المستوطنين ويضخم آخرون حجم معاناة شارون ومشاكله. وينسى خلالها الاسرائيليون والاوروبيون والاميركيون معاناة الفلسطينيين الذين سلبتهم ارضهم واقيمت عليها المستوطنات التي ستزال والتي ستبقى تمزق جسد الدولة الفلسطينية وتعرقل صنع السلام والامن والاستقرار لشعوب المنطقة. وقد يطالب بعضهم السلطة الفلسطينية والدول العربية بمد العون"للمناضل"من أجل السلام"شارون". ويجب ان لا يفاجئ رئيس السلطة رئيس المنظمة ابو مازن اذا سمع في زيارته القريبة لواشنطن بوش واركانه يتمنون عليه التحلي بالصبر ومساعدة شارون"المسكين"في مواجهة المستوطنين المتطرفين...!
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.