المرحلة الانتقالية التي يشهدها لبنان بين الإدارة السورية لأوضاعه، وبين تسلم اللبنانيين مقاليد الأمور بفعل الانسحاب السوري، عبر اجراء الانتخابات النيابية المنتظرة في 29 ايار مايو المقبل، تشهد غموضاً وضبابية في مواقف الأطراف، مقابل الوضوح في بعض ملامحها. وبقدر اتفاق الأطراف الخارجيين والمحليين على اولوية اجراء الانتخابات النيابية، على أي موضوع آخر، لأن فرصة الانكفاء السوري تفترض ان يحول اللبنانيون دون حصول فراغ في المرجعية في السلطة، فإن حصول تسويات بين الموالين والمعارضين على قانون الانتخاب، حتى لا يكون الخلاف عليه سبباً لتأجيل الانتخابات، تسبب باعتراضات لدى بعض المعارضين على هذه التسويات بعض اعضاء لقاء قرنة شهوان وباعتراضات لدى بعض الموالين سليمان فرنجية، عصام فارس، اميل لحود الذي تحدث نجله النائب اميل عن احتمال عدم الترشح للانتخابات. وأدت التسوية باعتماد قانون العام 2000 للانتخابات الى فرز يعتبره بعض الأفرقاء موقتاً. ورأى البعض في هذه التسوية نوعاً من الاصطفاف الطائفي، اسلامي من جهة ومسيحي من جهة ثانية، لأن القوى الرئيسة التي صاغت التسوية هي اللقاء النيابي الديموقراطي جنبلاط وحركة"امل"و"حزب الله"الشيعيان وكتلة قرار بيروت وتيار المستقبل السنيان. لكن الحقيقة ان بعضاً من قادة"لقاء قرنة شهوان"لم يكونوا بعيدين منها على رغم انهم مع معارضين مسلمين آخرين كانوا يفضلون القضاء، لكنهم قبلوا بخيار قانون العام 2000 لإنقاذ الانتخابات خوفاً من ان يؤخرها بري اذا اعتُمد القضاء. ويرى مراقبون ان الحديث في الوسط الإعلامي عن هذا الاصطفاف في التسوية حول القانون، ازداد اول من امس بسبب الخلاف على طائفة المدير العام للأمن العام، إذ طالب رئيس الجمهورية اميل لحود باستعادة الموارنة للمنصب مكان الشيعي اللواء المستقيل جميل السيد، فيما اصر"حزب الله"على مرشح شيعي وسانده في ذلك الوزراء السنّة والوزراء المقربون من"امل"بحجة ان التغيير في الهوية الطائفية في هذا المنصب تتطلب تغييراً في سلة مناصب الفئة الأولى كلها. وفي المقابل فإن قطباً معارضاً يرد على الحديث عن اصطفاف طائفي بالقول انه مصطنع وغير صحيح، ويتهم قوى محددة بترويجه كالآتي: - ان بقايا بعض حلفاء دمشق ممن لا وزن تمثيلياً لهم، انزعجوا من التسوية بين"امل"و"حزب الله"والمعارضة لأنها مقدمة للتخلي عنهم من الطرفين الشيعيين الرئيسين لمصلحة مرشحين مقبولين اكثر بعد التحولات الحاصلة في الرأي العام فضلاً عن ان هؤلاء كانوا يتمنون تأجيل الانتخابات. ويقول القطب المعارض نفسه ان بعض بقايا الأجهزة يهدف الى الترويج للنظرية التي تقول ان الانسحاب السوري اخذ يؤدي الى انقسام طائفي. - ان بعض اسباب الترويج للانقسام هو قيام بعض الموالين للرئيس لحود بدعم تمسكه باستعادة منصب المدير العام للأمن العام للموارنة، لأنهم يريدون تقوية موقع لحود لدى المراجع الأساسية في الطائفة المارونية بصفته مدافعاً من موقعه في الرئاسة عن مصالحها وحصصها. وثمة قوى اخرى موالية تجد في التقسيم الانتخابي لقانون العام ألفين ما لا يؤمن مصلحتها الانتخابية نتيجة الانقلاب الحاصل في مزاج الرأي العام منذ انطلاق انتفاضة الاستقلال، فتعترض على قانون الانتخاب، وعلى تأجيل الرئيس بري البت في قانون العفو عن سمير جعجع وعن الموقوفين بأحداث الضنية، تحت عنوان طائفي لكن السبب الحقيقي انتخابي. ويبدو ان ضبابية المرحلة الانتقالية لن تنجلي إلا بعد الانتخابات النيابية، لأن المشهد سيرسو فيها على معادلة اكثر وضوحاً. هذا فضلاً عن ان الانتخابات ستشهد تحالفات، تبدد الصورة التي رُوّج لها عن اصطفاف طائفي، على رغم انها ستشهد في بعض المناطق خلطاً للأوراق في هذه التحالفات بين موالين ومعارضين خصوصاً في المناطق التي يحرص تيار المستقبل وجنبلاط على طمأنة"حزب الله"الى انهما لن يقبلا باستهدافه وللتخفيف من الحساسيات السنية - الشيعية.