ثمة أمور في الكويت تثير الحيرة، أو هي تثير حيرتي. لا أحتار ازاء تراجع دور الكويت القومي، فقد كان الاحتلال زلزلة، وأفاق الكويتيون من حلمهم الوطني الكبير، وانشغلوا بعد التحرير بإعادة بناء البيت وتضميد الجرح، وخسر العرب صوتاً جمع بين الحكمة والاعتدال، والقدرة على مد يد العون للاخوان في كل بلد. هذا أفهمه وأتحسر على ما كان، غير انني لا أفهم ان يتراجع دور الكويت في الريادة والمثل الصالح للدول الشقيقة في الخليج خصوصاً، وضمن المجموعة العربية عموماً. وثمة صراعات تعرقل، وأحياناً تعطل، العمل الديموقراطي في الكويت، والنتيجة أن بعض الشقيقات الأصغر سبق الشقيقة الأكبر في مجالات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع ان الكويت أكثر قدرة بشرية ومالية، مع تجربة أطول، لتحقيق حاجات مجتمعها. أشعر أحياناً بأن الديموقراطية أضرت بالكويت، فقد أوصلت الى موقع السلطة قوى محافظة لا تريد تقدم المجتمع. والبرلمان الكويتي، وهو من أنشط البرلمانات العربية وأكثرها حرية وحيوية، يقف الآن أمام استحقاقات أساسية من نوع الخصخصة وحقوق المرأة، ونفط حقول الشمال الذي سيمثل قريباً 40 في المئة من انتاج البلد، وقانون المستثمر الأجنبي، وهو يبحث في كل منها بحماسة حتى يكاد ينطبق عليه فعلاً، ما نقول مجازاً، عن أنه"قتل"الموضوع بحثاً. ومع هذا كله فهناك دائماً استجواب أو أكثر لهذا الوزير أو ذاك. وقد استقال وزير الصحة محمد الجار الله تحت وطأة استجواب، وقد يواجه نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء محمد ضيف الله شرار استجواباً جديداً الشهر المقبل بعد استجوابه السنة الماضية، وقد لا ينتهي استجوابه الجديد حتى يكون بدأ استجواب وزير آخر. الكويت تمثل لي أشياء كثيرة، منها فايزة الخرافي رئيسة للجامعة، ونبية المنلا سفيرة لدى الأممالمتحدة، وبيبي المرزوق رئيسة لتحرير"الأنباء"، ومع ذلك فالحديث في الكويت اليوم هو عن حقوق المرأة، فيما ترأس نساء جامعات دول خليجية غير الكويت، ويخضن غمار السياسة. كان محمد الصقر وعبدالله النيباري وعبدالوهاب الهارون وأحمد الربعي وعبدالمحسن المدعج قدموا مشروع قانون الى مجلس الأمة، يعطي المرأة الكويتية حقوقها السياسية، فسقط بفارق صوتين 34 في مقابل 32. وعندما حل المجلس في 3/5/1999 صدر حوالى 60 مرسوماً أميرياً وهو حق دستوري خلال فترة الحل بينها مرسوم يعطي المرأة حقوقها السياسية. الا ان المجلس التالي رفض المراسيم كلها بحجة عدم دستوريتها لانتفاء الضرورة. ولو حل الأمير المجلس غداً لجرت انتخابات خلال شهرين بموجب الدستور، ولعاد مجلس من النوع نفسه. وقبل شهرين قدم عشرة نواب طلباً الى المحكمة الدستورية لتفسير المادة 39 من الدستور التي تنص على ان الناس سواسية أمام القانون، ولا تفرقة بسبب جنس أو لون أو غير ذلك. ولكن النواب سحبوا طلبهم بعد ان وعدت الحكومة بتقديم مشروع قانون يضمن للمرأة حقوقها كاملة، الا ان الحكومة لم تفعل حتى الآن. في غضون ذلك، تعارض الحركة السلفية والاخوان المسلمون ونواب المناطق الخارجية والقبائل حقوق المرأة لأسباب دينية أو اجتماعية. غير ان أغرب جزء في هذا التكتل هو السيد جاسم الخرافي، رئيس مجلس الأمة، فهو بين بين أتبع موقفه لحساباته البرلمانية، وقدم تحالفه مع الاسلاميين على قناعاته المفترضة، أو المتوقعة، كابن مدينة وصاحب بعد فكري يتجاوز حدود دائرته الانتخابية. ربما كان موقف السيد الخرافي من حقوق المرأة قناعة شخصية، لا مصلحة انتخابية، وربما كان تحالفه مع الاسلاميين من نوع التكتيك لا الاستراتيجية، وربما كان يرى ان الحل لا يتحقق الا على المدى البعيد، ولا يجوز التسرع لمنع زيادة الانشقاق حوله. ربما كان هذا أو ذاك أو غيره، ولكن الواقع على الأرض هو ان المرأة الكويتية التي كانت أول من تعلم في الخليج، وعمل وسافر الى الخارج وعاد بأعلى الدرجات العلمية، تخلفت عن اخواتها في البحرينوقطر، وربما عمان، فيما مجلس الأمة والحكومة"يدرسان"الوضع. وفي حين تناقش الاصلاحات الاقتصادية، ويقرر البرلمان مزيداً من الدرس، نجد ان قطر ودبي تقدمتا على الكويت في مجال البناء، ولن استعمل كلمة أخرى، ففيما الكويتيون يدرسون المشاريع، تتسابق قطر ودبي على تنفيذها، ومثلهما أبو ظبي والشارقة والبحرينوعمان في الجنوب، كل ضمن نطاق قدرته، مع العلم ان قدرة الكويت أكبر. أعتقد بأن الجماعات المحافظة في البرلمان الكويتي تمارس نفوذاً يفوق حجمها على الأرض، وهي مسؤولة عن تراجع دور المرأة الكويتية، وهذه مسؤولية ستدفع الجماعات المتشددة ثمنها في النهاية عندما تنال المرأة الكويتية حقها السياسي وتحاسب الذين عرقلوا مسيرتها. طبعاً هناك صراعات معوقة أخرى، الا انني لا أستطيع أن أتحدث عن بعضها بالصراحة والحرية اللازمتين، فأتجاوزها. ولكن أقول ان"المسألة الكويتية"في بالي دائماً، وقد سألت خلال زيارات ومؤتمرات في لندن ودافوس وقطر ودبي عن الجيل القادم من القيادة الكويتية، وفي كل مرة سمعت اسم الشيخ أحمد الفهد الأحمد الصباح، فهو على ما يبدو ابن أبيه شعبية وقدرة وتواصلاً مع الناس. وكانت هناك أسماء أخرى تكررت، ما يطمئن الى المستقبل. وأكتب مدركاً تماماً ان آرائي ستعجب بعض الناس، وتغضب بعضاً آخر، ورضا الناس غاية لا تدرك، فكيف اذا كانوا كويتيين المعارضة فيهم"خصوصية"معروفة. لذلك أريد أن أختتم بشيء يخفف من"فداحة"الموضوع، فأنا لا أفهم أن يعارض رجل عربي من أي بلد الحقوق السياسية للمرأة العربية، لأننا معشر الرجال خربنا الدنيا على رؤوسنا في الجيلين الأخيرين، والمنطق يقول ان نفسح المجال أمام المرأة العربية لتحاول اعادة بناء ما خرب الرجال. وأي رجال هم؟ نحن نعيد الآن كتابة قتل بزرجمهر:"وما كانت الحسناء ترفع سترها/ لو أن في تلك الجموع رجالاً". وبما انني أكتب عن ناس متخلفين عقلاً وديناً، فإنني أحتاج أن أشرح أن الشاعر لا يدعو الى السفور، فالكلام رمزي والمعنى ندرة الرجال الرجال.