هل سينجح رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون في تقليص فرصة قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة؟ ان المؤشرات من سجل اعماله تؤكد ذلك بقوة. وقد برزت خلال زيارته الاخيرة للولايات المتحدة مؤشرات اخرى جديدة-قديمة تدل الى ان هدفه هو ترسيخ الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية مقابل الانسحاب من قطاع غزة وبضع مستوطنات صغيرة في الضفة ليس لها اهمية استراتيجية رغم انها غير قانونية، شأنها شأن اي مستوطنة اقامتها اسرائيل منذ حربها التوسعية في حزيران يونيو 1967. لقد تحدث شارون يوم الاثنين الماضي بعيد محادثاته مع الرئيس الاميركي جورج بوش في مزرعته في تكساس عن نية اسرائيل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى القائمة في الضفة. ولم ينبس بوش بكلمة، وكيف له ان يعترض وهو الذي غذى جشع شارون بقوله امامه ان تلك الكتل الاستيطانية هي"مراكز سكانية اسرائيلية"وحقائق يجب اخذها في الاعتبار في اي تسوية مقبلة. ان الكتل الاستيطانية الضخمة التي يتحدث عنها بوش وشارون هي"ارئيل"في شمال الضفة، و"غوش عتصيون"جنوبالقدس و"معاليه ادوميم"شرق القدس على الطريق بينها وبين مدينة اريحا. وهذه الكتلة الاخيرة هي التي اعلنت حكومة شارون نيتها توسيعها ببناء ثلاثة آلاف وخمسمئة وحدة سكنية جديدة لتصبح على اتصال مباشر بالقدسالشرقية. اذا نفذت اسرائيل خطة وصل"معاليه ادوميم"بالقدسالشرقية، فان هذا سيعني بالنسبة الى الفلسطينيين شق الضفة الغربية الى منطقتين شمالية وجنوبية لا رابط بينهما جغرافياً وجعل القدسالشرقية معزولة تماماً عن فلسطينيي الضفة. خلال وجود شارون في الولاياتالمتحدة وزعت وكالات الانباء صوراً كثيرة لاعمال بناء جديدة جارية الآن في"معاليه ادوميم". والذي يعنيه هذا طبعاً هو ان شارون لا يأخذ على محمل الجد مطالبة بوش له بعدم توسيع المستوطنات القائمة في الاراضي الفلسطينية. لقد اكد شارون في مقابلة معه بثتها شبكة"سي ان ان"التلفزيونية الاميركية مساء الاربعاء الانطباع بانه مصمم على توسيع المستوطنات. ولا عجب في ذلك، فهو لن يتحول فجأة، لمجرد ان رئيساً اميركياً طلب منه بلطف عدم توسيع المستوطنات، من اكبر مشجع لليهود على الاستيطان في اراضي غيرهم بالقوة وتحت حماية الجيش، بل بقرارات يتخذها عادة وزراء الدفاع الاسرائيليون، كأنما نهب اراضي الآخرين مسألة دفاعية! وعندما سئل شارون هل سيوسع"معاليه ادوميم"اجاب بلهجة اقرب الى التهكم الممزوج بالغطرسة بان خطة التوسيع قد لا تنفذ قبل عشر سنوات، ولا بد من ان تمر عبر اجراءات بيروقراطية كثيرة، لكن فهمنا للامور على اي حال هو ان الكتل الاستيطانية الكبرى، و"معاليه ادوميم"من بينها، ستضم الينا في اي تسوية بيننا وبين الفلسطينيين في المستقبل. وحتى قبل ان يصل شارون الى اميركا، سربت وسائل الاعلام الاسرائيلية معلومات مفادها ان شارون سيسعى، في محاولة منه لصرف الانظار عن توسيع المستوطنات، الى شن حملة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحجة انه"لم يفكك بعد البنى التحتية"لفصائل المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فإنه، اي شارون، رغم قبوله بخطة"خريطة الطريق"، لن يستطيع البدء بتنفيذ التزاماته بموجبها قبل ان ينزع الفلسطينيون سلاح منظمات"الارهاب"، على حد تعبيره. لأن شارون لا يريد السلام فانه لن يرى في الجانب الفلسطيني اي شريك يصلح لأنْ يتفاوض معه على اي شيء. وما اشبه اليوم بالامس. لقد هاجم شارون الرئيس الراحل ياسر عرفات الى أن توفي شهيداً، ويبدو انه يعتقد الآن بضرورة معاملة الرئيس عباس المعاملة ذاتها.