تصدرت مسألة توسيع المستوطنات والتهديد الذي تشكله على عملية السلام، العناوين الرئيسية لزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون للولايات المتحدة التي اختتمت أمس. ورغم تقليل الجانب الاسرائيلي من أهمية الخلاف مع واشنطن في هذا الشأن، الا ان قضية الاستيطان برزت على الطاولة في الاجتماعات الأخيرة لشارون مع نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني وفي اتصالات وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مع زعماء عرب، أكد خلالها الجانب الأميركي موقف الرئيس جورج بوش الداعي الى وقف توسيع المستوطنات وتطبيق"خريطة الطريق". وأكدت مصادر قريبة من البيت الأبيض ل"الحياة"أن تشيني جدد موقف الادارة الذي كرره بوش ثلاث مرات خلال مؤتمره الصحافي والداعي الى"وقف توسيع المستوطنات والتزام الحكومة الاسرائيلية خريطة الطريق". وتناول اجتماع دام 90 دقيقة بين شارون وتشيني"مواضيع استراتيجية"بين الجانبين على حد تصريحات الوفد الاسرائيلي المرافق لشارون. وتعدى نطاق الخلاف مسألة المستوطنات الى الأزمة النووية الايرانية، التي بحسب تقارير صحافية رأى فيها الجانب الأميركي مبالغة في الموقف الاسرائيلي في شأن التهديد النووي الايراني. وكانت أنباء صحافية أشارت الى أن شارون سلم معلومات استخباراتية اسرائيلية عن الملف الايراني اعتبرها البيت الأبيض"قديمة وغير آنية". وتشير الوثائق التي حملها شارون الى"عدم جدوى التدخل الأوروبي للضغط على ايران في المدى البعيد"واعتباره"رادعاً موقتاً لايران". وأحبطت واشنطن بحسب صحيفة"نيويورك تايمز"فرصة شارون ببدء حوار عن"درس توجيه ضربة عسكرية لطهران". وتخللت الزيارة تحركات مكثفة من وزارة الخارجية الأميركية ومحادثات هاتفية أجرتها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مع الرئيس محمود عباس ابو مازن ووزراء خارجية الأردن وألمانيا وروسيا. وطمأنت رايس خلال اتصالاتها الجانب الفلسطيني الى التزام الولاياتالمتحدة"خريطة الطريق"وانجاح خطة الانسحاب الاسرائيلي من غزة وشمال الضفة الغربية والتي ستبدأ في 20 تموز يوليو المقبل. كما كررت رايس موقف بوش الرافض لتوسيع المستوطنات. شارون يقايض منازل المستوطنين بتنسيق الانسحاب وعن"خطة الفصل"والتفاصيل اللوجيستية، تعهد نائب وزير الدفاع الحالي ورئيس البنك الدولي قريباً بول ولفوفيتز في اجتماعه مع شارون، فتح حوار في شأن مسألة منازل المستوطنين في"غوش قطيف"المتوقع اخلاؤها. وطالب شارون ولفوفيتز بدفع البنك الدولي باتجاه"مراقبة بيع هذه المنازل والاشراف عليها"من دون معرفة الجهة الثانية بعد. وقالت الاذاعة الاسرائيلية ان شارون اقترح بيع هذه المنازل الى البنك ثم الى الفلسطينيين، لكن ليس قبل ان تعلن السلطة الفلسطينية استعدادها لتنسيق الانسحاب الاسرائيلي من غزة. وفي اسرائيل، أفادت الصحف العبرية أن شارون أطلع الرئيس الأميركي على التقويمات الاسرائيلية للتطورات المرتقبة في السلطة الفلسطينية ومفادها ان"أبو مازن"يخوض معركة البقاء في الحكم، وأن الأيام القريبة ستوضح إذا كان سيبقى في سدة الحكم. وكتبت صحيفة"يديعوت أحرونوت"أن الادارة الأميركية ردت بأنها تدرك ضعف مكانة"أبو مازن"لكنها ترى فيه الزعيم الفلسطيني الوحيد القادر على قيادة السلطة وشعبه في المرحلة الراهنة، وأنه ينبغي على اسرائيل تقديم العون له لتمكينه من تنفيذ تعهداته. ومع عودة شارون الى تل أبيب اليوم، كررت الأوساط القريبة منه ارتياحها لنتائج الزيارة، رافضة التحليلات بأن لقاء القمة مع الرئيس الأميركي اتسم بخلاف شديد في عدد من المواقف. ونفى السفير الاسرائيلي لدى واشنطن داني أيالون مجدداً وقوع خلافات، وقال للإذاعة العبرية أمس إن بوش أكد الصداقة بينه وبين شارون والعلاقات الحميمة، فانعكست ضمن أشياء كثيرة أخرى، كالدعم المالي الذي ستتلقاه الدولة العبرية من واشنطن لتطوير النقب والجليل كمكافأة لخطة الانسحاب الاسرائيلية من قطاع غزة. وزاد أن شارون أكد لمضيفيه على نحو لا لبس فيه وجوب توافر أجواء أمنية هادئة بعد الانسحاب قبل الخوض في أي مفاوضات سياسية"ما يعني أن تقوم السلطة بملاحقة ناجعة للتنظيمات المسلحة وتفكيك بنيتها التحتية". البرنامج النووي الايراني من جهة أخرى، صعّدت الحكومة نبرتها ضد ايران وأقرّت بأنها تحض الولاياتالمتحدة على اتخاذ خطوات ملموسة لوقف المشروع النووي الايراني، منتقدةً دولاً اوروبية"تبدو كمن سلّمت بالمشروع". وكتبت صحيفة"هآرتس"أن شارون عرض على بوش تقويمات الاستخبارات الاسرائيلية عن المشروع النووي الايراني، ودعاه الى تعزيز جهوده الديبلوماسية لكبح المشروع. ونقلت عن مسؤول كبير في حاشية شارون أن"ايران تولي أهمية للضغوط الممارسة عليها ولذا بالإمكان التأثير عليها". وتابع المسؤول الاسرائيلي ان ايران تستغل الجمود الديبلوماسي في شأن مشروعها النووي لمواصلة تطوير مركبات مختلفة تقرّبها من الحصول على السلاح النووي. وأضافت الصحيفة أن شارون عرض على الرئيس الأميركي ثم على نائبه ديك تشيني الموقف الاسرائيلي القائل أن الوضع الراهن خطير لأنه يتيح لايران مواصلة دربها لبلوغ قدرات نووية. وزادت أن ثمة مخاوف اسرائيلية بأن"يكتفي"الاوروبيون بتعليق موقت للمشروع وتفادي الضغط على ايران لتوقف بشكل مطلق نشاطها في هذا المضمار"ما يعني أن ايران ستواصل التقدم بهدوء نحو تخصيب اليورانيوم ثم تختلق أزمة دولية وتتراجع عن تعهداتها لتشرع في انتاج مواد نووية". وأعربت مصادر اسرائيلية عن خشيتها من تسليم بعض الدول الاوروبية بانضمام ايران الى النادي النووي العالمي،"الأمر الذي لا يمكن لاسرائيل تحمله نظراً كون ايران دولة تريد القضاء على اسرائيل والشعب اليهودي". وكررت المصادر الادعاءات بأن ايران لا تكتفي بالانضمام الى النادي النووي الدولي"بل تسعى أيضاً، في إطار خطة سرية، الى ملاءمة مشروعها النووي مع صواريخ بالستية وصواريخ كروز قادرة على حمل رؤوس حربية نووية". وختمت"هآرتس"بأن شارون طالب بوش بأن تمارس الولاياتالمتحدة ضغوطاً على اوروبا لإدراج الملف الايراني على أجندة مجلس الأمن ليفرض عقوبات من شأنها ردع طهران"لأن الحديث يدور عن خطر لا يحدق باسرائيل وحدها إنما أيضاً بدول معتدلة أخرى في الشرق الأوسط". كما طالبت اسرائيل بأن يضع الأميركيون والاوروبيون جدولاً زمنياً واضحاً لوقف المشروع الايراني. وبعد كل هذا التحريض، فطنت المصادر الاسرائيلية الى القول إن اسرائيل لن تبادر الى أي عمل عسكري ضد طهران"لكنها تشارك في النشاطات الأميركية الهادفة الى إزالة التهديد المتمثل بسعي ايران للحصول على قدرات نووية".