سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محاولة لإعادة صوغ مركز القرار العالمي ونقل جزء من ثقله الى آسيا . التعاون الاقتصادي يهيمن على المحادثات الهندية - الصينية في نيودلهي والخلافات السياسية والحدودية القديمة تحل في المرتبة الثانية
اتفقت الهندوالصين على "شراكة استراتيجية من أجل السلام والازدهار"، وعلى مجموعة من القضايا التي تهدف إلى توطيد الروابط الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ووضع إطار لإنهاء أزمة الحدود القائمة، بعد جولات مطولة من المحادثات الثنائية. وبدا من تصريحات الطرفين أن الخلافات السياسية لن تقف عقبة في طريق التعاون الاقتصادي بين الدولتين الذي احتل موقعاً متقدماً على جدول أعمال المحادثات بين رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، الذي حل في الهند في زيارة استغرقت أربعة أيام وانت`هت أمس، ونظيره الهندي مانموهان سينغ. وشمل الاتفاق الحدودي الذي وُقِّع في نيودلهي برنامجاً لحل النزاع من دون اللجوء إلى القوة، حيث سيجري مفوضون خاصون مفاوضات تتعلق بادعاءات البلدين أحقيتهما في أراض حدودية، فيما يعيد خبراء ترسيم الحدود على الخريطة وعلى الأرض، على أن تلتزم بكينونيودلهي "حماية مصالح سكان المناطق الحدودية"، بحسب وكالة "أسوشييتد برس". لكن الأهم أن المحادثات خلصت إلى إقرار اتفاق شراكة اقتصادية ومجموعة من الاتفاقات الأخرى في معظم المجالات الاقتصادية، منها: الطيران المدني، المالية، التربية، العلوم، التكنولوجيا، السياحة والتبادل الثقافي. وقال وين، بعد حفل ترحيبي من جانب سينغ في القصر الرئاسي في نيودلهي: "هذه زيارة مهمة، نحن نسعى للارتقاء إلى مستوى الروابط الأخوية القائمة على التنسيق بين البلدين". وقال سينغ: "في استطاعة الهندوالصين معاً إعادة تشكيل القرار العالمي". وتعهّد الطرفان "الالتزام بتطوير العلاقات الثنائية"، قائلين إن العلاقات الصينية - الهندية "اكتسبت طابعاً عالمياً وإستراتيجياً". وبناء عليه، "اتفق البلدان على تأسيس شراكة تعاونية واستراتيجية... من أجل السلام والازدهار" بحسب بيان وقّع من جانب الزعيمين الصينيوالهندي. وحدّدت الدولتان العملاقتان هدفهما بزيادة التجارة المتبادلة بينهما إلى 20 بليون دولار بحلول عام 2008 مقارنة بنحو 14 بليون دولار حالياً، ومقارنة ب100 مليون دولار قبل عقد. ولوج القرن الآسيوي تكنولوجيا المعلومات ووصل وين إلى نيودلهي بعد زيارة إلى بانغالور، معقل تكنولوجيا المعلومات في البلاد، حيث أكد إمكان تعزيز التعاون بين الصينوالهند في تطوير مجال تكنولوجيا المعلومات. وقال وين خلال اجتماعات مع خبراء البرمجيات الهنود في بانغالور: "إذا تعاونت الهندوالصين فإننا سنتمكن من قيادة عالم تكنولوجيا المعلومات. وعندما يأتي ذلك اليوم فإنه سيشهد ولوج القرن الآسيوي إلى صناعة تكنولوجيا المعلومات". وقال وين: "تعلمون أن هناك عنصرين أساسيين لتطوير مجال هذه الصناعة هما الأدمغة والموهبة. وبسبب اهتمام الهندوالصين بهذه التكنولوجيا، فليس هناك نقص في المواهب الذكية". وأضاف: "إلى جانب ذلك لدينا أيضاً الأسواق الدولية المتسعة. فإذا عملنا معاً فإننا بالتأكيد سنتمكن من خوض تجربة جديدة في تنمية تكنولوجيا المعلومات". ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة في الصين 133 شركة، فيما يبلغ عدد الشركات الصينية في الهند 49 شركة. وقد رافق رئيس الوزراء في زيارته وفد يتكون من 140 مسؤولاً يضم عدداً كبيراً من الممثلين التجاريين. تعاون ضعيف في الطاقة ونسبت صحيفة "بزنس ستاندارد" الهندية إلى مسؤولين هنود لم تسمّهم قولهم إن محادثات وين لم تركز كثيراً على الطاقة، على رغم المساعي الحثيثة التي بذلها وزير النفط الهندي ماني شانكار أيار "لتحويل الصين من منافس في مجال الطاقة إلى متعاون". وكان أيار قال أمام مجموعة من الصحافيين قبل أيام إن "المحادثات مع وين ستشمل جزءاً أساسياً يتناول الطاقة، فللهند والصين أفق كبير للتعاون في مشاريع الطاقة حول العالم بما يمكن أن يخدم الطرفين". ويعتمد كل من البلدين على المصادر المستوردة للطاقة، فالهند تستورد 70 في المئة من النفط الذي تحتاجه، ويأتي 60 في المئة من نفطها المستورد من الشرق الأوسط. أما الصين، التي تعتمد على الفحم لتلبية ثلثي حاجتها من مصادر الطاقة، فتستورد نصف ما تحتاجه من النفط من الشرق الأوسط. متنافسان أم شريكان؟ وفي نظرة عامة إلى الاقتصادين الصينيوالهندي، يبرز تساؤل حول قدرة العملاقين المتجاورين على عقد شراكة اقتصادية فعلية على غرار ما يرد في التصريحات العلنية لمسؤوليهما. ففي مجالات النمو الاقتصادي والنفوذ العالمي والقوة العسكرية لا تستطيع الهند مقارنة نفسها إلا بالصين، بحسب وصف مجلة "إيكونوميست"، التي ذكرت أخيراً "أن هذه المنافسة تقوم من جانب واحد، فالهند ترغب في شكل مستميت أن تحظى بالمرتبة السياسية والاحترام الدوليين اللذين تتمتع بهما الصين، لا سيما في ما يتعلق بحق النقض في مجلس الأمن في الأممالمتحدة". وقالت "إيكونوميست": "أما الصين، فإن قارنت نفسها بدولة ما، فهذه الدولة هي الولاياتالمتحدة. كذلك تشهد علاقات الصينبالهند تغيراً، فالعلاقات الديبلوماسية هي في أفضل حال منذ عام 1962 والتجارة المتبادلة مزدهرة". لكن الطريق أمام الشراكة ليست سهلة. فالمطالب الحدودية التي يرفعها كل بلد في وجه الآخر لا تتعلق ببضعة أمتار بل بأراض تتجاوز مساحتها مساحة دولة مثل سويسرا مثلاً، وتشترك في النزاع عليها دول أخرى مثل باكستان، العدو التقليدي للهند، وبعض الجهات الانفصالية. ومع أن الهندوالصين اتفقتا على حلول خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي السابق أتال بيهاري فاجبايي إلى بكين في عام 2003، ولا سيما مبدأ تبادل الأراضي، لا تزال الهند تعاني صعوبات في تسويق الفكرة لدى الهنود. ونقلت "إيكونوميست" عن جيا كينغوو من جامعة بكين أن الاهتمام الصينيبالهند ازداد بعد محاولة إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، ثم إدارة خلفه جورج بوش، حتى وقوع هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، احتواء الصين، لا سيما في ما يتعلق بأزمتها المستمرة مع تايوان ذات النزعة الانفصالية المتزايدة، من طريق تعزيز العلاقة الأميركية ? الهندية. وبطبيعة الحال يتطلب تحقيق التعاون بين البلدين تقديم بعض التنازلات وتأجيل البحث في القضايا المعقدة. ويبدو أن هذا ما اعتمده فاجبايي في قمته مع نظرائه الصينيين قبل عامين. فقد ركز على مسائل الشراكة الاقتصادية وتعزيز التجارة البينية المتنامية واستفادة كل طرف من تجارب الطرف الآخر التنموية والعلمية وتحقيق التكامل في بعض الحقول. وقد تجنب الرئيس السابق للحكومة الهندية التطرق إلى مواضيع مثل التعاون العسكري والنووي ما بين الصينوباكستان أو الوجود العسكري الصيني في بورما، أو مشاريع الطرقات الضخمة التي تنفذها بكين لربط إقليم التيبت بمدنها الرئيسة والتي تجعل تحرك قواتها نحو حدود الهند الشمالية أسهل وأسرع. سباق على الموارد والطاقة وتوقعت "إيكونوميست" أن تدخل الهندوالصين في سباق على الموارد ولا سيما الطاقة. فخلال الفترة الممتدة حتى عام 2020، يُتوقَّع أن ينمو طلب الصين على الطاقة بالنسبة نفسها التي سينمو خلالها الطلب الأميركي. كذلك تُعد الهند من الدول المعتمدة على المواد الهيدروكربونية المستوردة، وهي تبحث عن مصادر نفطية وغازية تحقق لها بعض الأمن الطاقوي. تقول "إيكونوميست": "أعلنت الهند في كانون الثاني يناير الماضي في إشارة إلى أن البلدين قد يتشاركان أو يتنافسان في هذا المجال، أنها حصلت على 20 في المئة من مشروع لتطوير أكبر حقل نفطي بحري في إيران، وهو مشروع تديره "سينوبيك"، شركة النفط الحكومية الصينية، وتملك نصفه". ومع تحسن العلاقات، قيل الكثير عن "تكاملية" الاقتصادين، ولا سيما في مجال المعلوماتية الذي حققت فيه الهند تقدماً في ما يختص بالبرمجيات، بينما حققت الصين تقدماً مشابهاً في مجال الأجهزة. لكن، بحسب "إيكونوميست"، "يصح هذا الكلام بالنسبة إلى نقل بعض الشركات الأميركية المتعددة الجنسية بعضاً من صناعاتها إلى الصين، وبعضاً من عملياتها الإدارية إلى الهند. أما بالنسبة إلى المبادلات الاقتصادية الهندية ? الصينية، فلا يزال الأمر محدوداً إلى الآن". وأكدت المجلة وجود استثمارات متبادلة بين البلدين في هذا المجال، لكنها أشارت إلى أن الاندماج السريع الذي يشهده الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي يجعل من الصعب عليه أن يستفيد كثيراً في أي تحسن في العلاقات الاقتصادية الصينية ? الهندية. وبحسب موقع الإنترنت التابع لصحيفة "الشعب" اليومية الصينية، قفز حجم المبادلات التجارية بين الهندوالصين قفزات كبرى، ليحقق العام الماضي نحو 13 بليون دولار، لكن هذه الكمية، على ضخامتها، لا تشكل سوى واحد في المئة من حجم التجارة الخارجية الصينية. ومن بين 11.4 مليون سائح زاروا الصين عام 2003، كان هناك 211 ألف هندي فقط، فيما لم يزر الهند سوى 21 ألف سائح صيني، كما ذكرت "إيكونوميست".