بدا المزاج الادبي البريطاني، فجأة، في حال تبدل نحو نوع أدبي رفضه طويلاً، ألا وهو الرواية الغرافيكية المروية بأسلوب الرسوم. وها هو يستعد للاحتفاء بهذا الشكل الادبي من خلال أكثر الجمعيات الادبية رصانة وقدماً وهي"الجمعية الملكية للآداب"التي تضم أثقل الاسماء الادبية في الرواية والكتابة المسرحية والشعر في بريطانيا. المفاجأة لا تنتهي عند هذا الحد، بل تبدأ هنا اذا علمنا أن مجلة الجمعية التي تصدر سنوياً باسم RSL تخصص عددها السنوي للعام 2006 لاثنين من الاسماء البارزة في هذا النوع من الكتابة، وهما بوسي سيموندز، وريموند بريغز. ويجري التحضير لغلاف مناسب لهذا العدد الخاص بمساعدة الكاتبين المذكورين. الا ان المفاجأة كانت بدأت في الاساس بقبول عضوية هذين الكاتبين، بداية هذا العام 2005، في الجمعية التي تفتخر بأسماء ثقيلة من مثل هارولد بنتر، شيميس هيني، دوريس ليسنغ، وتوم ستوبارد. وهذا التكريم هو الاول من نوعه على المستوى الادبي، الذي يتلقاه هذا الجيل من ادباء الكتابة الغرافيكية في بريطانيا. اما على مستوى النشر فليست هناك من مشكلة أمامهم، اذ يتمتع هذا النوع من الكتابة بشعبية عند قطاع من القراء. وبصدور العدد الخاص بأشهر مجلة ادبية RSL، سيكرس هذا النوع من الادب كشكل أدبي محترم. وتعليقاً على هذا الحدث في صحيفة"ذي اوبزيرفر"، لم يعتبر الكاتب بريغز الاحتفاء"فعلاً حدث قبل الاوان". فمن وجهة نظره، ان هذا الشكل من التعبير الادبي، أي الادب الغرافيكي، او"الكوميك"كما يطلق عليه أيضاً بالانكليزية، تم الاعتراف به في عالم النشر والافلام على حد سواء لسنوات ماضية."لكن انكلترا كانت لديها مواقف متكبرة إزاءه على نحو ما، ولطالما نظرت اليه على أنه شكل موجه للأطفال فقط. وعندما نشرت روايتي Father Christmas عام 1973، لم يعترف أحد بتلك الرواية المصورة على أنها كتاب على الاطلاق". يقول بريغز من غير ان يخفي فرحته بالنصر الجديد. ويعتقد البعض ان كتّاب هذا الفن ورساميه، ساهموا في الترويج للسمعة السيئة له عندما حددوا مضامينه بپ"أبطال عظام يحلون مشاكلهم بالضرب والقتال، وقدموا موضوعات اقرب الى الفضح البعيد من الرصانة المعهودة في الكتابة الادبية". ويعد بريغز وسيموندز الوالدين الروحيين للرواية الغرافيكية في بريطانيا، الا ان هذا النوع من الادب يزحف بقوة الى عالم النشر الآن. وقد حققت سلسلة روايات الپ"مانغا"المترجمة عن اليابانية وأشهر كتابها أوسامو تيزوكا، حضوراً لافتاً في الشهور الثمانية عشر الاخيرة، وقررت"ووتر ستونز"مخازن بيع الكتب المعروفة، البدء هذا الخريف ببيع كتب"المانغا"في سلسة الفروع التابعة لها والبالغة 175 مركز بيع منتشرة في أنحاء البلاد. وتشير التقارير في عالم النشر الى أن مبيعات سلسلة المانغا وغيرها من كتب الرواية الغرافيكية، ارتفعت بنسبة 58 في المئة العام الماضي. ويعتقد أن شهرة فيلم American Splendour الذي يعتمد على شبه سيرة ذاتية لفنان الكاريكاتير وكتابة الغرافيك هارفي بكر، عززت من انتشار هذا الأدب بين القراء في أميركا، ويقدر المتابعون ان الرواية الغرافيكية حالياً، تعد من أكثر القطاعات نمواً في عالم النشر في اوروبا وأميركا. وتقول إيما هوبكينز مديرة دار ماكميلان ان الدار توصلت الى اتفاق مع دار نشر اميركية لنشر سلسلة First Second الشهيرة في أميركا، بدءاً من ربيع 2006 وتتنوع الاصدارات بحسب العمر الموجه له الكتاب، بدءاً من الطفولة فالمراهقة فإلى القراء البالغين. وقالت هوبكينز إن"هذا القرار صائب تماماً في هذا التوقيت الذي يشهد رواجاً كبيراً للرواية الغرافيكية في بريطانيا وأوروبا". وتستعد دار معروفة مثل"هاربر كولينز"لإصدار نسخة بريطانية من كتاب"سيرة بوذا"للياباني أوسامو تيزوكا وغيرها. كما أنه لدى دور نشر أخرى مشاريع مشابهة. ووسط تقريظ النقاد والعاملين في عالم النشر، ينطلق صوت آخر من دار"جوناثان كيب"للنشر محذراً من المبالغة في الحماسة لهذا النوع من الكتب، مستبعداً ان يتحول الأدب الغرافيكي ظاهرة أدبية كاسحة،"اذ لا يزال مزدحماً بالابطال المبالغ بهم. ولا يمكن ان نقول اننا نستطيع أن نضع تلك الكتب جنباً الى جنب على رفوف محلات البيع مع بقية الكتب الادبية".