يودِّع العالم اليوم سنة صعبة حفلت أحداثها بالزلازل والأعاصير والكوارث الطبيعية والإنسانية. وبسبب ضخامة تأثيرها على سكان الأرض، اعتبرها علماء الفلك سنة استثنائية لم يسبق أن عرفتها البشرية منذ أكثر من ثمانين سنة. ولقد تصدرت كارثة انفجار بركان المحيط الهندي تسونامي قائمة أحداث 2005، خصوصاً أن المدّ الجارف قضى على 230 ألف نسمة، أي على أكثر من عدد ضحايا قنبلة هيروشيما. وبلغت سرعة الأمواج وارتفاعها ذروة التمدد بحيث ضربت سواحل اندونيسيا وسريلانكا وماليزيا وتايلاند والفيليبين والهند خلال وقت قصير جداً. لذلك حالت سرعة امتداد الأمواج العاتية دون انقاذ آلاف السياح من المانياوبريطانيا والسويد وفرنسا وسويسرا وفنلندا واستراليا. وفي ذكرى مرور سنة على تلك الكارثة المروعة 26-12-2004 تقرر إقامة متحف للصور والأفلام المتعلقة بتسونامي، بينها صور أكبر مقبرة جماعية تضم رفات 47 ألف غريق. وحتى هذا اليوم لا تزال إعلانات الصحف في بلدان تلك المنطقة تنشر صور مفقودين لم يعثر ذووهم على جثثهم بعد. وفي منطقة قريبة من حدود كارثة تسونامي ضرب زلزال مروع باكستان وكشمير والهند كان من نتائجه دمار قرى بكاملها وطمر 75 ألف نسمة تحت الأنقاض. ويبدو أن تفاعلات هذه المأساة الإنسانية لم تنته بعد بسبب تشرد ثلاثة ملايين شخص بينهم 13 ألف طفل ولدوا بعد وقوع الزلزال في 8 تشرين الأول اكتوبر الماضي. وفي مطلع هذا الأسبوع وجّه أمين عام الأممالمتحدة كوفي أنان نداء الى الأسرة الدولية يحثها فيه على ضرورة ارسال التبرعات والمساعدات من أجل بناء مئة ألف منزل لم ينفذ منها سوى عشرين ألفاً. وللإلمام بحجم الكارثة يكفي أن نذكر أن هناك حاجة ملحة لبناء مئة جسر على طريق يزيد طولها على 250 كيلومتراً. الكارثة الطبيعية الثالثة ظهرت مع سلسلة أعاصير كان أبرزها اعصار"كاترينا"واعصار"ريتا"اللذين ضربا السواحل الأميركية. ولقد اصيبت مدينة نيوأورليانز بأضرار فادحة بسبب بطء الحكومة الفيديرالية في توفير الوقاية اللازمة وتأمين المساعدات الكافية. ومع أن أعاصير الطبيعة لم تصل الى حدود دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن اعصار الإرهاب الذي أقلق مدريد، وصل هذه السنة الى لندن عن طريق خلية باكستانية. وهكذا اضطرت حكومة توني بلير الى دعم اسبانيا وفرنسا في القضايا المتعلقة بقيود قانون الهجرة والمراقبة الصارمة على نشاط العناصر المنتسبة الى اصول إسلامية وعربية. ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية استخدمت مصطلح"آني هوربليس"باللاتينية لتعبر عن حال الخوف والرعب التي اتصفت بهما سنة 2005. في حين وصفها الرئيس جورج بوش بأنها"سنة الازدهار بالنسبة الى الشعب الأميركي". ثم أكد مرة أخرى هذا الاستنتاج عندما غادر البيت الأبيض لقضاء عطلتي الميلاد ورأس السنة خارج واشنطن. وقال في تصريح مقتضب:"إن العراق شهد تحولاً تاريخياً بعد اجراء ثلاث دورات انتخابية ناجحة". كذلك تحدث عن تجربة أفغانستان الانتخابية، مختصراً حصيلة سنة 2005 بأنها"سنة التقدم الكبير نحو عالم أكثر حرية وأكثر سلماً". حول هذا الكلام المطمئن كتبت وزيرة الخارجية في عهد بيل كلينتون مادلين أولبرايت تعليقاً في صحيفة"نيويورك تايمز"قالت فيه إن إدارة بوش تستخدم صورة النصر المخادع لتغطية مغامرتها الفاشلة في العراق. وكتبت تقول إن أميركا وحلفاءها توقعوا الحصول على حكومة عراقية منتخبة قادرة على قيادة البلاد وتوحيدها بدل التعرض لهزيمة أخرى. وهي ترى أن تكرار ادعاءات إدارة بوش بتحقيق النصر في العراق، ليس أكثر من حيلة علاقات عامة يراد بواسطتها ايهام الكونغرس والشعب بأن خطة الحرب قد نجحت. يجمع المراقبون على القول إن الزيارات الأخيرة التي قام بها مسؤولون أميركيون وبريطانيون للعراق وافغانستان، لم تكن أكثر من عرض مموه لفشل عسكري مريع. ولقد تزامنت مع موعد انتهاء العملية الانتخابية في البلدين بهدف رفع شعبية الرئيس بوش وأعضاء ادارته. وتشير أرقام استطلاعات الرأي الى تدني هذه الشعبية من ستين في المئة الى 36 في المئة بعد مرور سنة على الولاية الثانية. والملاحظ ان غالبية المستطلعين أجمعت على اتهام ديك تشيني بأنه كان المستشار السيئ للحزب الجمهوري. لهذا السبب اختير مع وزير الدفاع دونالد رامسفيلد لزيارة بغداد وكابول بهدف الاعلان عن اعادة انتشار القوات الاميركية خلال سنة 2006. ويربط الكاتب البريطاني فرد هاليداي بين قرار الانسحاب من العراق وقرار الانسحاب من فيتنام، مؤكداً ان ادارتي بوش وجونسون استخدمتا مصطلح"اعادة الانتشار"كبديل من الانكفاء والفرار. وهو يرى ان السناتور السابق جورج ماكفوفرن فضح هذا الاسلوب في الكونغرس عندما وصف خطابات الرئيس جونسون بأنها محاولات يائسة لتغطية استراتيجية"اعلان النصر قبل المغادرة". وهذا ما كرره الرئيس جورج بوش الذي أعلن ان مهمة القوات الاميركية في العراق حققت أهدافها. وكان بهذا الكلام يشير الى الانتخابات العامة التي أسفرت عن تشكيل حكومة انتقالية والاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية الأخيرة. ومثل هذا المخرج يذكّر بعملية اعادة انتشار القوات الاميركية في لبنان 1983 - 1984 وانتقالها من البر الى السفن عقب تفجير مقر المارينز في"بير حسن". كما يذكّر بقرار غورباتشيف يوم قلص عدد جنوده في افغانستان الى 120 ألفاً، أي ما يكفي لحماية المدن قبل الانسحاب. ويرى المعلقون البريطانيون في زيارة توني بلير لمدينة الموصل، مخرجاً موقتاً يؤدي الى دفن طموحاته مع طموحات ادارة بوش التي تخلت عن أحلامها في انشاء"شرق أوسط كبير". وهي أحلام سياسية - اقتصادية شبيهة بأحلام فرنساوبريطانيا واسرائيل في خلق سايكس - بيكو جديد بعد حرب السويس 1956. في ضوء هذه الوقائع تبرز الاسئلة المتعلقة بمستقبل العراق، وما اذا كان الفراغ الأمني الذي سينشأ بعد انسحاب قوات التحالف، سيقود الى حرب أهلية أم لا؟ يجزم اياد علاوي ان ثمن الفشل الأميركي مع التدخل السافر لجارات العراق وخصوصاً ايران، سيدفعان المتورطين الى صدام مسلح شبيه بحرب لبنان 1975 - 1990. وهو يتوقع ان تصبح المدن العراقية ساحة مشرعة لاستقطاب المتطوعين للقتال من الدول العربية والاسلامية، الأمر الذي يدفع فرنسا وروسيا والهند وتركيا والصين الى التدخل من أجل وقف الاقتتال ومنع تفكيك البلاد الى ثلاث دويلات مذهبية. أي العودة الى نظام المحافظات الثلاث الذي كان يطبق أثناء الحكم العثماني. يتحدث الأوروبيون عن احتمال ظهور خمس أزمات مستعصية الحل ستبحث عن موقع للانفجار بين بوابة الشرق الأوسط - أي لبنان - والباب الخلفي للمنطقة، أي ايران. وبما ان وضع لبنان الهش يؤهله للعب دور مصّاص الأزمات، لذلك وقع عليه الخيار لتغطية المشروع الأميركي الفاشل، تماماً مثلما وقع عليه الخيار خلال السبعينات والثمانينات لتغطية مشروع"كامب ديفيد". وربما يزيد من استفحال الأزمة المتنامية تصميم سورية على زعزعة أمنه بعد اتهامها المتواصل من قبل تحالف المسيحيين والسنة والدروز، على انها تقف وراء كل تفجير. كما يتهمها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأنها ضالعة في عمليات ارهابه استناداً الى الحملة الرسمية التي تعبر عنها يومياً صحف دمشق. ويرى بعض نواب كتلة جنبلاط ان غاية سورية من وراء ازاحة وليد بك عن رعاية التحالف الثلاثي، تتمثل في إبعاد التغطية السياسية عن أكبر تجمع برلماني بحيث يصبح من السهل تفكيك حكومة السنيورة ومنع قيام حكومة غيرها. كذلك جرى توظيف"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"في معركة الخلاف اللبناني - السوري، الأمر الذي اعتبرته حكومة السنيورة خروجاً على التعهد الذي أعطاه محمود عباس بضرورة تحييد المخيمات عن النزاعات الداخلية. ويبدو ان صور الأقمار الاصطناعية هي التي حددت لاسرائيل مواقع الانطلاق، علماً أن أحمد جبريل المقيم في دمشق، نفى تورط جماعته بعملية قصف شمال اسرائيل. كما نفت قيادة"حزب الله"أي تورط لمحازبيها بالقصف الصاروخي يوم الاربعاء الماضي. المصادر الرسمية الفرنسية تحمل الحكومة الايرانية تبعة الانتفاضات الجديدة التي حركت المنظمات الفلسطينية بما فيها"حماس"و"الجهاد الاسلامي"و"الجبهة الشعبية - القيادة العامة". ويرى حاكم ايران الفعلي علي خامنئي أن بلاده قد تلعب دوراً مركزياً اقليمياً في حال انسحبت القوات الأميركية من العراق، وتركت دورها للاعبين في المنطقة. وكي يستقطب القوى الفلسطينية المتطرفة ويحرج الدول المتصالحة مع اسرائيل مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، أثار ممثله الرئيس محمود نجاد موضوع التشكيك ب"الهولوكوست". وهكذا زاد الى شعبية"حماس"شعبية اضافية أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على نفوذ محمود عباس والفتحويين. ويتوقع المراقبون في غزة أن تضطر الحكومة المصرية الى زيادة عدد حرس الحدود اذا ما استمرت عمليات خطف الأجانب وتوجيه الصواريخ نحو المستوطنات الاسرائيلية. وليس خافياً ان القاهرة تتخوف من تعاظم شعبية"حماس"لأن ذلك يعزز علاقتها مع"الاخوان المسلمين"داخل مصر ويضعف نشاطات الحزب الحاكم. ويستدل من سرعة انتشار نفوذ"حماس"أن قيادات"فتح"السابقة فقدت الدعم المالي الذي كان يؤمنه لها ياسر عرفات، وان ايران تولت حالياً هذه المسؤولية. مثال ذلك ان جمال أبو سمهدانة كان يتقاضى عشرة آلاف دولار شهرياً من عرفات، وأن انقطاع هذا المورد عنه شجعه على فتح حزب على حسابه، تماماً كما حدث في لبنان أثناء الحرب الأهلية. يوم الخميس الماضي أعلنت"القاعدة"مسؤوليتها عن القصف الصاروخي الذي انطلق من المنطقة الحدودية في جنوبلبنان. وكان الهدف من وراء هذا التمويه تضليل الحكومة اللبنانية واحراجها أمنياً، لأن الطرف المطلوب مفاوضته مختبئ وراء متمردي العراق. وهذا يشير الى دخول"القاعدة"الى لبنان كحصان طروادة ستختفي في جوفه كل التفجيرات المحتملة. ومثل هذا التحول يهدد حكومة السنيورة باحتمال انفراط عقدها إذا ما انسحب وزراء"أمل"و"حزب الله"من الحكومة، أو إذا ما أعلن العماد ميشال عون تحالفه مع"حزب الله". وهذا ما لمح اليه عون في أحاديثه الأخيرة من أن مرتكزات العيش المشترك أو مرتكزات الديموقراطية التوافقية تستدعي بناء لبنان الجديد على قاعدة التحالف الشيعي - المسيحي. ويتردد في بيروت أن الخطوة المقبلة ستبدأ بانسحاب الوزراء الخمسة الشيعة من الحكومة، تستتبعها خطوة ثانية بإعلان استقالة نواب كتلة عون وكتلة"حزب الله"-"أمل". كل هذا كي يصار الى إحداث فراغ في الحكومة والحكم يصعب ملؤه إلا بعد اجراء انتخابات تشريعية جديدة. وتتوقع دمشق من وراء هذه الأزمة الخروج بمشروع قانون انتخابات يضمن صيغة النسبية، الأمر الذي يجرد سعد الحريري ووليد جنبلاط وقرنة شهوان والقوات من ثلثي مكتسباتهم النيابية. عندئذ فقط يستقيل الرئيس اميل لحود ويفسح المجال الى ميشال عون للعودة الى قصر بعبدا، خصوصاً ان عون لا يريد أن يكون رئيساً، بل يريد ان يعود رئيساً بعد اعترافه بأن القوة التي أخرجته من لبنان أي سورية وأميركا هي القوة التي ارجعته من المنفى. كتبت صحيفة"لو فيغارو"الفرنسية منتصف هذا الشهر افتتاحية تتحدث فيها عن احتمال اعلان الرئيس الايراني نجاد، فتح أبواب المجابهة ضد الولاياتالمتحدة واسرائيل. ويبدو ان هذه المجابهة قد بوشر بتنفيذها من لبنان وغزة. وقد ينتج عن هذا التوجه تصدع الائتلاف الشيعي في العراق وانخراط جماعة مقتدى الصدر في جبهة العداء لقوات التحالف. وربما ينتج عن هذا المنحى تخفيف عداء السنة للشيعة وتشكيل جبهة داخلية تضم المناهضين للوجود الأميركي. وبعد أن تخيل كاتب افتتاحية"لو فيغارو"الكسندر أدلر أسهل السيناريوهات الوردية، لم يخف انزعاجه من كل الاحتمالات الواردة، الأمر الذي دفعه الى وضع نهاية تشاؤمية ختمها بالدعاء الى الله كي يحمي المنطقة من الكوارث السياسية المقبلة. كاتب وصحافي لبناني.