لا عناء لأي لبناني في فهم مغزى الحرب النفسية التي دشنها شارون بمناشير التحريض على المقاومة، في الجنوب ومن سماء بيروت. لكن أي لبناني، في الحكم وخارجه، يخطئ كثيراً في قراءة الحسابات الإسرائيلية اذا جنح الى حماسة التصدّي والتحدي، لخوض مواجهة لا يشك شارون في انها ستكون لمصلحته انتخابياً. فالمتمرد على"ليكود"لن يضيّع وقته في منح"حزب الله"فرصة لاستنزاف رصيده الشعبي في اسرائيل، او أي وهم بأن حزب الوسط الذي يرفع شعار"المسؤولية الوطنية"يعني تبديل شارون لجِلده، وتخليه عن فرصه"الذهبية"لحسم ملفات، ولو بأقصى العنف والتشدد. وأبسط البديهيات ان زعيم الحزب الوليد يحتاج حرباً من أي نوع على الحدود او ما وراءها، هي في صميم معركته الانتخابية، بل لعلها اهم شعاراتها، لإقناع الناخبين الإسرائيليين بأن شارون ما زال هو هو، افضل من يتحمل"المسؤولية الوطنية"في الدولة العبرية، وبات طليق اليد بعد تحرره من شغب"المتطرفين"في ليكود! وفي مقدم البديهيات ايضاً، خطأ فاحش يرتكبه لبنان او أي طرف فيه، او أي خصم جار، اذا ظن ان شارون سيخشى عواقب أي مواجهة بوصفها مغامرة قد تطيح حظوظه في الانتخابات. من الوجه الإسرائيلي لمسألة"حرب المناشير"التي تلت اشتباكات شبعا، العكس يصح اكثر من مئة في المئة، وفي ذلك نذر سوء للبنان، لأن شارون المتحرر من أي التزام بمفاوضات مع الفلسطينيين قبل الانتخابات، وبعد التسوية المرحلية لقضية المعابر، سيجد على مدى اربعة اشهر وقتاً كافياً للذهاب الى اقصى الخيارات في المواجهة مع"حزب الله". وما تهديد شالوم بالرد"المناسب"إلا العنوان الأول في"حوار"مع الحزب على الطريقة الإسرائيلية، بعدما ملّ الشريك الأول لإدارة بوش انتظاراً بلا جدوى لفتح الحوار اللبناني - اللبناني حول معضلة نزع سلاح المقاومة. وبلغة لبنانية بحتة، يستعجل شارون تنفيذ ما تبقى من قرار مجلس الأمن الرقم 1559، بعد ما سمي"فترة سماح"اتاحتها حكومات غربية ، فرنسا خصوصاً ، لحكومة فؤاد السنيورة، تفهماً لتعقيدات الأوضاع في لبنان، لا سيما بعد إنهاء الوجود العسكري السوري. اما ادارة بوش فالأكيد انها قبلت بتلك المهلة لئلا تعرّض"إنجازها"السوري الكبير للاهتزاز والسقوط في مستنقع الصراعات اللبنانية. والحال ان شارون تلقف المواجهة مع"حزب الله"، مستغلاً التنديد الغربي الفرنسي بهجمات الحزب، في ظروف تشدّد الضغوط مجدداً على الحكومة اللبنانية، وإلا ما معنى استعجال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان تحميل لبنان كله وزر تلك الهجمات، وكأنه يوجه رسالة فحواها أن السنيورة لم ينجح في الإفادة من فترة السماح، لإدارة الحوار من اجل تفكيك عقدة سلاح الحزب. بل ان اطرافاً لبنانية قد تشكك - كما اعتادت ان تفعل ، في صدق توجهات رئيس الحكومة، لنسج نظرية مؤامرة جديدة، محورها تصعيد اسرائيلي من أوسع الأبواب لإرغام لبنان بالقوة على عزل المقاومة... اياً يكن الثمن داخلياً. انها بداية مرحلة في لبنان، فيما تبدو واشنطن منهمكة بإعداد خيارات للتعامل مع ما تعتبره"لا تعاون"سورياً مع لجنة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. ومهما قيل، ان التنويع الأميركي ، الإسرائيلي يبقى على"نغم"واحد، هو انتزاع ما يسمى ورقة"حزب الله"من يد دمشق، فالأكيد في كل الأحوال انها فرصة لا تعوّض بالنسبة الى شارون الذي تمكّن عبر الخيار العسكري مع الفلسطينيين والضغوط الأميركية على سورية، من توجيه ضربات قاصمة للمقاومة الفلسطينية وإضعاف مفاعيل تحالفها مع دمشق... في مرحلة احصاء الأوراق المتساقطة. فرصة لتحريض جميع اللبنانيين على"حزب الله"، عبر ابتزازهم وترويعهم بخيار"العودة الى الخراب والدمار". وبصرف النظر عن مسؤولية الحزب في إشعال فتيل المواجهة، يبقى القرار 1559 بالتفسير الإسرائيلي، سلاحاً فاعلاً في يد شارون الذي سيرفع شعاراً لحملته الانتخابية إبعاد شمال الدولة العبرية عن مرمى صواريخ"ميليشيا"... بالأحرى إبعاد"حزب الله"عن حزام أمني تحرسه قوات الطوارئ الدولية، بانتظار نشر الجيش اللبناني. ولكن، أي ثمن لمواجهة قد يكون ابرز ضحاياها حماية اللبنانيين للمقاومة وشرعيتها؟