أتمت الجمعية الوطنية العراقية البرلمان أعمالها أول من أمس، وأحالت مسألة الدستور الى استفتاء في تشرين الأول اكتوبر المقبل. ولم يرق النص الذي تلي أمام البرلمان الى حد التغلب على اعتراضات السنّة، على رغم جهود الوساطة الأميركية المكثفة للتوصل الى حل وسط بين الجماعات العرقية والدينية المنقسمة. وبدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين رافضي الدستور ومؤيديه، بحضور ملحوظ لمسؤولين أميركيين لنزع فتيل الأزمة ومحاولة التوصل الى توافق قبل طرح المسودة على الاستفتاء. ورحبت واشنطنولندن، اللتان تعتبران اقرار دستور شيئاً أساسياً لنزع فتيل التمرد، بالمسودة باعتبارها انتصاراً للديموقراطية على التطرف. وسيكون الرفض في ثلاث من بين محافظاتالعراق البالغ عددها 18 محافظة كافياً لنسف المسودة، في ظل قواعد الاستفتاء الحالية، إلا أن الرئيس جلال طالباني حض العراقيين على الموافقة على الدستور. وأعرب في مؤتمر صحافي عن أمله وتفاؤله بأن يلقى قبول جميع العراقيين، وأن يكون دستوراً للجميع. لكنه أقر بأن رفض السنّة أمر محتمل. وقال:"إذا صوّت ثلثا الناخبين ضد الدستور في ثلاث مقاطعات، فإن الدستور يعتبر باطلاً، ويجب اجراء انتخابات جديدة لجمعية وطنية جديدة تقوم بسن دستور جديد". وقال عضو من العرب السنّة في لجنة صوغ الدستور إن كل زملائه في اللجنة أبدوا اعتراضهم على المسودة. وأضاف حسين الفلوجي:"لم نوافق على هذا الدستور. لدينا اعتراضات هي الاعتراضات التي كانت لدينا منذ اليوم الاول". وزاد:"اذا لم يحدث تلاعب في النتائج، فأعتقد أن الشعب سيقول لا للدستور الأميركي". وأشاد الرئيس جورج بوش بمميزات الدستور الجديد في العراق بصفته خطوة نحو الديموقراطية الكاملة، وقلل من أهمية المعارضة السنّية، لكنه توقع ان الاستفتاء المقبل يمكن أن يفجر موجة جديدة من "الفظائع". وعلى رغم توجيهه الأسبوع الماضي نداء شخصياً الى الشيعة للتوصل الى اتفاق مع السنّة، أقر بوش بأن"بعض السنّة أبدوا تحفظات عن بنود مختلفة، وهذا حقهم". وأشاد بمزايا الدستور، قائلاً انه"يحتوي على ضمانات حماية واسعة المدى للحريات الانسانية الأساسية، بما في ذلك الحرية الدينية وحرية التجمع والاعتقاد والتعبير". وحض العراقيين على"الانخراط بنشاط في العملية الدستورية من خلال مناقشة مزايا هذه الوثيقة المهمة واتخاذ قرار واع". لكنه قال محذراً:"يمكن أن نتوقع زيادة مثل هذه الفظائع في الأشهر المقبلة، لأن العدو يعرف أن أكبر هزيمة له تكمن في تعبير شعب حر عن رأيه بموجب قوانين وضعت بحرية في صناديق الاقتراع". وعلى رغم رفع جلسة الجمعية الوطنية العراقية من دون تصويت، قال أعضاء البرلمان الذي يسيطر عليه الشيعة والأكراد إن تلاوة المسودة في البرلمان كافية للاشارة الى قبولها. وقال رئيس البرلمان حاجم الحسني إن جهوداً شاقة بذلت لادراج مطالب الجميع"لكن لم يتسن ذلك". واضاف ان"بعضهم ما زال يعارض بعض النقاط"، مشيراً الى أنه نفسه لديه بعض التحفظات. لكنه قال إنه ينبغي أن يفكر الجميع"من يريد أن يغير شيئاً، فالاستفتاء هو الفرصة الأخيرة". وأشار الى أن"العراقيين ينبغي أن يعدوا أنفسهم للانتخابات". ومن المقرر ان يجري العراق انتخابات في كانون الأول ديسمبر بعد الاستفتاء. وأشار النص الذي تلي في البرلمان الى تنازلات بسيطة للسنّة التي يتركز التمرد في مناطقهم. ويحظر النص"البعث الصدامي في العراق ورموزه"، مسقطاً عبارة"حزب البعث"التي وردت في مسودة سابقة. وسعى السنّة لحذف أي بنود في المسودة تمنع أعضاء الحزب من ممارسة الحياة العامة، قائلين إن الدم لا يلطخ أيديهم جميعاً. والتزم الدستور فقرة تنص على أن العراق جزء من العالم الإسلامي، وان شعبه العربي جزء من الأمة العربية. وفيه ايضاً أن"العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الإسلامي والشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية". وكان السنّة وبعض الشيعة من العرب أيضاً يريدون أن ينص على أن العراق بأكمله جزء من العالم العربي. والأكراد في الشمال مسلمون، إلا أنهم ليسوا عرباً. ويوضح التمهيد المصاحب لنص المسودة أن العراق جمهورية اتحادية ديموقراطية تعددية. نظام الحكم فيه جمهوري نيابي برلماني ديموقراطي اتحادي. وتمثل الفيديرالية الاعتراض الرئيسي للسنّة الذين يخشون أن تؤدي الى تقسيم البلاد وتركهم في بقايا دولة خالية من المناطق الغنية بالنفط في شمال البلاد وجنوبه. وفي إطار عمله المكثف طوال الشهر لضمان التزام الزعماء العراقيين بالجدول الزمني الذي ترعاه الولاياتالمتحدة، كان السفير الأميركي لدى العراق زلماي خليل زاد موجوداً دائماً في قاعات الاجتماعات في المنطقة الخضراء الحصينة السبت. ورحب بالوثيقة قائلاً إن"مسودة الدستور هي واحدة من أكثر الوثائق الحاكمة تقدماً في العالم الاسلامي من حيث حمايتها لحق الحرية الدينية وحرية الاعتقاد". إلا أنه قال إنه اصيب بخيبة أمل لرد فعل السنّة. وأضاف:"اتفهم ظروفهم فإنهم في وضع صعب. هناك تهديدات بالترويع ورأيت بعضاً منهم يقولون انه تروق لهم الوثيقة إلا أنهم خائفون من تاييدها بشكل علني فقد تكون حياتهم في خطر". ورحبت بريطانيا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بالوثيقة باعتبارها نصراً للديموقراطية على الإرهاب. وقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في بيان في لندن:"نجح العراقيون في صوغ هذا الدستور على رغم عمل الإرهابيين الذين يحاولون تدمير رغبة البلاد في مستقبل يسوده السلام".