ارتفع مؤشر "شعاع كابيتال" لأسواق الأسهم العربية بأكثر من 37 في المئة منذ بداية العام الجاري، إضافة إلى زيادة تعدت 65 في المئة في 2004 و 56 في المئة في 2003. وسجلت أسعار العقارات في المدن العربية الرئيسية هي الأخرى ارتفاعاً سنوياً فاق في معظمها 30 في المئة. وأصبح واضحاً أن معظم أسعار الأسهم والعقارات وصلت حد المغالاة. ويتساءل العديد من المراقبين، ما إذا كان أفضل للقائمين على السياسة النقدية عدم التدخل، والسماح لقوى العرض والطلب في أسواق الأسهم أن تأخذ مجراها، أو أنه يتوجب على المصارف المركزية أن تتدخل للحد من التضخم المتزايد في هذه الأسعار، سواء عن طريق رفع مستويات الفائدة على العملة المحلية، أو وضع سقف على نسبة القروض إلى الودائع لدى المصارف، وذلك في محاولة لتفادي إمكان انفجار الفقاعة في أسواق الأسهم، وتداعياتها السلبية على السوق. ظهرت على الاقتصاديات المحلية أعراض النمو المتسارع في القطاعات الإنتاجية والمالية. فقد نما اجمالي الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لهذه الدول بنسبة تراوح بين خمسة و10 في المئة في 2004. كما ارتفعت معدلات التضخم بسبب وجود سيولة فائضة وزخم في الطلب المحلي وتراجع أسعار صرف العملات العربية المرتبطة بالدولار في مقابل اليورو والين. ويلاحظ أن أسعار الفائدة على العملات العربية تراجعت في شكل كبير في السنوات الماضية بعدما وصلت إلى أعلى مستوياتها في 1999. وكانت أسعار الفائدة الحقيقية حتى وقت قريب ما دون الصفر، أي أن أسعار الفائدة القصيرة الأجل كانت أقل من معدلات التضخم الموازية، وتميزت هذه الفترة بسياسة نقدية توسعية لم تشهد المنطقة مثلها منذ سنوات عدة. وتراوح معدلات الفائدة الحقيقية بالأسعار الثابتة بعد خصم معدل التضخم لدول المنطقة بين صفر و 1.5 في المئة، أي أنها أدنى بكثير من معدلاتها التاريخية. وساعد استمرار التدني في أسعار الفائدة خلال السنوات القليلة الماضية على زيادة معدلات السيولة الفائضة في أسواق أسهم هذه الدول، وارتفعت الودائع المصرفية خلال السنتين الماضيتين بنسب كبيرة، كذلك شهدت التسهيلات التي تقدمها المصارف التجارية لعملائها زيادة واضحة. وأعلنت المصارف المركزية في كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزيلندا، أن السياسة النقدية لا بد لها من أن تأخذ في الاعتبار معدلات ارتفاع أسعار الأسهم والعقارات، فالتضخم في أسعار هذه الموجودات قد يتطلب رفع أسعار الفائدة إلى مستويات أعلى مما هو مطلوب، لإبقاء معدلات التضخم في أسعار المستهلك ضمن الهامش المحدد. فالارتفاع المتواصل في أسعار الأسهم سيجعل المستهلك يشعر بأن ثروته زادت، مما يشجعه على رفع معدلات استهلاكه، ويؤدي بالتالي إلى زيادة الطلب وارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية. ويرى مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي الصمرف المركزي وغيره من المصارف المركزية في العالم أن السياسة النقدية يجب أن تركز على معدلات ارتفاع أسعار المستهلك، وليس على الحد من التضخم في أسعار الأسهم والعقارات، لأن من الصعب جداً تحديد الوقت الذي تصل فيه أسعار هذه الموجودات إلى حدود المغالاة، ولأن أي زيادة كبيرة محققة في أسعار الفائدة بهدف وقف الارتفاع الكبير في أسعار الأسهم، يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي بداية فترة ركود تكون البلاد في غنى عنها. والذين يؤيدون وجهة النظر هذه، يفضلون الانتظار إلى ما بعد انفجار الفقاعة في سوق الأسهم، ليقوموا عندها بتخفيف تداعيات هذه الصدمة عن طريق تسريع خفض أسعار الفائدة. وهذا بالضبط ما فعله مجلس الاحتياط الفيديرالي عندما خفض أسعار الفائدة على الدولار بشكل كبير وصل إلى 5.5 في المئة بين 2000 وبداية 2004، عقب انفجار فقاعة سوق أسهم شركات التكنولوجيا والإنترنت في الولاياتالمتحدة. وبما أن أسعار صرف العملات العربية مرتبطة في معظمها بالدولار، فان المصارف المركزية لدول المنطقة ستجد صعوبة في تنفيذ سياسة نقدية مغايرة لتلك التي يتبعها المجلس، حتى عندما تكون الدورة الاقتصادية في هذه الدول في اتجاه معاكس للدورة الاقتصادية في الولاياتالمتحدة. فمثلاً خلال فترات التباطؤ في النمو الاقتصادي المحلي، والتي تتطلب إتباع سياسة نقدية توسعية، لن يكون من السهل على المصرف المركزي أن يُسرّع في خفض أسعار الفائدة على العملة المحلية، إذا كانت أسعار الفائدة على الدولار في ارتفاع. غير أنه في الحالات التي تكون فيها أسعار الفائدة على الدولار في اتجاه تصاعدي، كما هي الحال الآن، والأحوال الاقتصادية في الدول العربية تتطلب سياسة نقدية متشددة، تستطيع عندها السلطات النقدية أن ترفع أسعار الفائدة على عملاتها المحلية بنسب تفوق ما هو متحقق على فائدة الدولار، ما يجعل من أسعار الفائدة المحلية أقرب إلى مستوياتها الطبيعية. ومثل هذه السياسة قد تشجع المستثمر على إعادة النظر في تقويم محفظته الاستثمارية، وتحضه على المزيد من الادخار بأوعية مقوّمة بالعملة المحلية بدلاً من الدولار، وترفع من مخاطر المضاربة في أسواق الأسهم المحلية. وإذا ما تم رفع أسعار الفائدة المحلية بنسب أعلى مما هو متوقع، وطُلب من العملاء زيادة نسبة مساهمتهم المباشرة عندما يقومون بشراء الأسهم عن طريق الاقتراض من البنوك Margin Trading، أضف إلى ذلك خفض نسبة القروض إلى الودائع المسموح بها للمصارف العاملة في دول المنطقة، فهذا سيخفف من عمليات المضاربة في أسواق أسهم هذه الدول ويزيل شبح حدوث انفجار فجائي للفقاعة التي ظهرت أخيراً في هذه الأسواق. وهذا ما فعله المصرف المركزي الكويتي خلال الشهور الماضية، عندما رفع أسعار الفائدة على ودائع الدينار لتصل إلى نحو ضعف ما هي عليه على ودائع الدولار، وخفض نسبة القروض إلى الودائع المسموح بها إلى 80 في المئة. وهناك دائماً خطر حصول تباطؤ في النمو الاقتصادي من جراء إتباع سياسة نقدية متشددة، غير أن اقتصاديات دول المنطقة تشهد فترة نمو قوية، ولن تتأثر كثيراً بارتفاع أسعار الفائدة، كما أن مثل هذه السياسة النقدية التشددية ستخفف من الضغوط التضخمية التي بدأت بالظهور في القطاع الإنتاجي والقطاع المالي لدول المنطقة. إن المصارف المركزية للدول العربية تحظى بتقدير واحترام الأسواق المالية، لذلك، فإن أي توجه تأخذه سيقابل بالاحترام من قبل غالبية المستثمرين ويعيدون النظر بسياستهم الاستثمارية. وسيجد الكثير من المضاربين في أسواق الأسهم المحلية أن من الأفضل لهم عدم السير عكس توجهات مصارفهم المركزية. لذلك فإذا قرر المصرف المركزي في دولة عربية ما، أن يتحرك بجرأة ويرفع أسعار الفائدة المحلية بنسب تفوق ما هو محقق على فائدة الدولار، ويُخفض نسبة القروض إلى الودائع المسموح بها حالياً، ويُقلص من عمليات الإقراض على الهامش لشراء الأسهم، فعليه أن يفسر أسباب أخذ مثل هذه السياسة للجمهور كما فعل رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي ألان غرينسبان ، عندما تحدث عن الارتفاع الكبير وغير المنطقي في سوق الأسهم الأميركية لشركات التكنولوجيا والإنترنت المدرجة، والذي وصل إلى أعلى مستوياته خلال سنتي 1999 - 2000 . وبهذا تكون المصارف المركزية العربية لعبت دورها في تقليص تضخم أسعار الأسهم في دولها، وحمت صغار المستثمرين قبل أن تنفجر الفقاعة في وجهنا جميعاً. * الرئيس التنفيذي جورد انفست.