يفاجئنا الصغار دائماً، يقولون بلغتهم أشياء يعجز الكبار عن التعبير عنها، يدهشوننا بأفكارهم التي"تسبق سنهم"كما نقول عنهم وننسى نحن أن البراءة ليست مرادفاً للاستهتار، ننسى أن الطفولة هي في ذاتها مرحلة ثرية يبدي فيها المرء استعداداً كبيراً للتعلم والتأمل واكتشاف أموره وأمور العالم من حوله. "نور"هو كتاب صدر أخيراً عن"محترف ابريق الزيت"في بيروت، هو"إبداعات الأطفال في قصص"، أشرف عليه منسق المحترف ياسر مروة وهو الذي لم تدعه الحرب يعيش طفولته، روى مع أطفال ومع فنانين وصحافيين وموسيقيين ومثقفين حكايات ابريق الزيت، ثم انتهى دور أثير الإذاعة، وحان الوقت لتحفظ الكتب الحكايات، لتكون مساحة جديدة لأطفال المحترف ليعبروا بالقلم عما يفكرون وعن مشاعرهم وأحلامهم وعن يومهم وغدهم. الكتاب أطلق رسمياً خلال ورشة أقيمت نهاية الأسبوع الماضي في قصر اليونيسكو في بيروت وتضمنت تمارين على الرسم وصناعة الدمى. في"نور" مفاجآت كثيرة، قصص بأقلام الصغار تحمل همومهم، وهموم الكبار السياسية والاجتماعية، بأساليبهم الخاصة التي تتضمن بعض التعابير المستعارة من قواميس الكبار، كتبوا الشعر والقصص ببلاغة لافتة، كتبوا عن حقوق الطفل في التعلم، عن فلسطين وأطفال الحجارة، عن الزرع والقطاف، عن حقهم في العيش بسلام والتعبير عن آرائهم، ويتضمن الكتاب رسوماً لأطفال مشغل"ابريق الزيت". القصة الأولى بقلم رواد البراضعي 13 عاماً وعنوانها"نسر المغارة"وهي رواية خيالية ذات مغزى واضح عن أهمية التعلم والقراءة. ومن القصص اللافتة ما كتبه جاد محمد شلهوب الذي لم يتعد العاشرة من عمره تحت عنوان"حقوق الطفل المهدورة"ليروي حكاية طفل عامل يهدر صاحب العمل حقه ويسيء معاملته. وفي الكتاب قصيدة بعنوان"يا فلسطين"كتبها فتى لبناني عمره 12 عاماً واسمه علي جلال زريق، تظهر من خلالها موهبته الكتابية ويظهر أيضاً التزاماً بقضية سياسية على رغم صغر سنه، على أي حال هذا الوعي الاستثنائي إذا صح التعبير لقضايا سياسية واجتماعية يلحظه القارئ في عدد كبير من القصص والقصائد المنشورة في الكتاب على رغم صغر سن كتابها، فإحدى القصص كتبها أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و8 سنوات، من مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين وقصتهم عنوانها"حق الطفل في التعلم"لكنها ليست محاضرة تربوية بل حكاية طفلين فقيرين. الحديث عن كل القصص يطول، ويعيدنا بعضها إلى لغة الطفولة كما حفظناها ويلفتنا إلى فظاظتنا أحياناً وأنانيتنا ربما. القصص كثيرة كما ذكرنا، وقد آثر معد الكتاب ألا يختمها بأسلوب الكبار فترك لخيال الصغار أن يكون الحكم ويقرر النهاية فاختاروا نهايتين عن الليل والأرض وشجرة قد تساعدنا لننهض من جديد. "نور"هو كتاب لنحو خمسين قصة، ينشر في وقت تكثر الانتقادات لغياب الاهتمام الجدي بالأطفال وبمواهبهم، ويلفت إلى أنه إذا كانت التكنولوجيا الجديدة أخذت مكاناً كبيراً في حياة الصغار إلا أن ثمة إمكاناً لتوجيههم بطريقة صحية ولإعادة الكتاب إلى مكانته الحقيقية في حياتهم أداة مهمة من أدوات نموهم وتطورهم.