بعد 12 سنة من العمل المتواصل مع الأطفال، يثبت الشاعر ومهندس الصوت اللبناني ياسر مروّة من خلال «محترف إبريق الزيت»، نجاح تجربته المبتكرة التي تأخذ الطفل الى عالم الخيال والإبداع والتعرّف إلى حقوقه من خلال الحكايات. أصدر المحترف أخيراً أسطوانة «أتعرف الى حقي من خلال الفن والتعبير 2» التي تضم 11 حكاية شعبية مخصصة للأطفال بين 6 و14 سنة. لكل حكاية من هذه الحكايات قصة جميلة محبوكة بطريقة أكاديمية سلسة، كي تلفت انتباه الطفل الى معان وقضايا يُعايشها يومياً، مثل الحرية والعدل وغيرها من الحقوق التي يتعرّف إليها الطفل من خلال الحكايات البسيطة الممتعة. هي منسّقة ومُخرَجة في شكل يشعر معه المستمع أنه أمام مسرح، يميّز صوت كل شخص عن الآخر، ويمكنه رسم صورة لكل صوت وفق أدائه وما يسرده، ناهيك عن الموسيقى وهندسة الصوت التي هي أصلاً مهنة ياسر مروة الأساسية. فهي حكايات على شكل اسكتشات وليست سردية فقط. ونجح مروّة في اختيارها لتتلاءم مع جيل اليوم المجبولة عقوله بالانترنت والتلفزيون وعصر الصورة التي تحدّ أحياناً من التخيل، تخيلّ ملامح الشخصيات والأمكنة والحيوانات وغيرها من العناصر التي تتألف منها القصة. فهذه الحكايات تكمن أهميتها بأنها مختارة بعناية من أرشيف أهم كتاب الحكايات الشعبية مثل الروسي ف. سوتييف، واللبناني يوسف الخال، والروائي رشيد الضعيف، والكاتبة فاطمة شرف الدين، إضافة الى حكايتين نقلهما الحكواتي جهاد درويش من التراث الشعبي العالمي. وهناك حكايتان للأخوات ديمة ورنا وسارة اللواتي قمن أيضاً بأدائهما. كل هذه الحكايات تُروى باللهجة اللبنانية ما عدا واحدة كتبها مروّة. تجذب هذه الحكايات الأذن إليها من خلال المؤدين المتخصّصين في هذا المجال، مثل المسرحي ربيع مروة والموسيقي أحمد قعبور والمطربة ريما خشيش والموسيقي بطرس روحانا والمخرج الإذاعي عمر ميقاتي والحكواتي الشهير جهاد درويش والممثلة جوليا قصار والمخرجة ميرنا شبارو، إضافة الى مشاركة ديمة ورنا وسارة حمادة الأخوات اللواتي كن من الأطفال المؤسسين لمحترف «إبريق الزيت» وشاركنا في كل نشاطاته منذ 12 سنة. أما لماذا اختار ياسر مروة أن تكون الحكايات عبر الوسيلة السمعية (سي دي)، فيقول: «لأنها وسيلة فعالة في تحفيز مخيّلة الأطفال، كونها تخلق امتداداً أرحب في محدوديتهم وتساعدهم على التعبير عن أنفسهم وعن اهتماماتهم وعلى فهم حقوقهم بأسلوب فني مبسّط وممتع، إذ من الممكن استخدام السي دي للقيام بأنشطة فنية وثقافية وترفيهية مختلفة تتضمن منتديات للرسم والمسرح وصناعة الدمى وجلسات الحكواتية». ويوضح مروّة أنه يمكن الطفل عندما يسمع حكاية أن يستوحي منها لوحة يرسمها أو نص يكتبه أو حتى مشهد مسرحي. من هنا يؤكد مروّة أهمية «مشروع المحترف الذي يعمل منذ صدور ال «سي دي» على توزيعه على مختلف المدارس والجمعيات والمؤسسات في لبنان، بما فيها المخيمات الفلسطينية والتجمعات العراقية اللاجئة، إذ يكون هناك مدرّب أو ناشط يتولى إيصال الحكاية الى الطفل وإرشاده الى مغزاها. ومن ثم استنباط ما استوعبه عقله منها وبالتالي تنفيذ ذلك في شكل مواد فنية يقوم بتنفيذها الطفل». ويرى ياسر أن الاستماع الجماعي الى هذه الحكايات وفتح حوار حول المواضيع التي تطرحها الحكايات الشعبية المسجلة، سيُساهمان في تنمية إحساس الطفل بتمايزه ضمن المجموعة، حيث تسمح الحكايات للأطفال بإبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر، وإن كان مغايراً. كما أنها قد تدفع الأطفال والناشئة قدماً الى طلب المزيد من المعرفة». أما عن كيفية الحصول على هذه الأسطوانة التي هي الثالثة من نوعها، فهي توزّع مجاناً على المؤسسات والمدارس والجمعيات الأهلية والرسمية من قبل المحترف، ويمكن طلبها عبر البريد الالكتروني أو عبر الاتصال بالمحترف. لكن عملية التوزيع هذه وما ينتج منها من إبداعات كمعرض الرسم المنوي إقامته خلال حزيران (يونيو) المقبل في بيروت «تحتاج الى تمويل إضافي كي تصل الأسطوانة الى أكبر عدد من الأطفال وتعرض رسومهم»، يؤكد ياسر. ويشير ياسر الى أن هذه الحكايات تشجع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و14 سنة، على التعبير والمشاركة من خلال الفن، وعلى وعي حقوقهم وإبراز اهتماماتهم من خلال المشاركة الخلاقة بالأنشطة التي ستقام بعد توزيع ال «سي دي». لذلك ينظم «محترف إبريق الزيت» مسابقة «لنُقم معرضاً كي نفوز بالحقوق»، يمكن أي طفل بين 6 و14 سنة الاشتراك بها، بعد سماع الحكايات ال 11 المسجلة في الأسطوانة. أما شروط الانتساب فهي الرسم على ورقة أو كرتونة قياس A3 أو A4 أو A5، واختيار أحد بنود حقوق الطفل كموضوع للرسم، وألا يكتب على الرسمة سوى الاسم، على أن يكتب الاسم الثلاثي والعمر والصف والمدرسة أو المؤسسة التي ينتمي إليها الطفل خلف الورقة أو الكرتونة بخط واضح. وترسل الى المحترف عبر البريد الالكتروني التالي: [email protected] أو الاتصال على الرقم 009613851377. وذلك قبل 30 أيار (مايو) المقبل، ليتم اختيار 30 رسماً وطبعها على بطاقات معايدة توزّع في المكتبات مع أسماء رساميها. مشاريع بقدر أحلام الأطفال بدأ ياسر مروّة الذي ينتمي الى عائلة معروفة بثقافة أبنائها واحتراف معظمهم لمجالات فنية، عمله الاحترافي مع الأطفال عام 1999 من خلال برنامج إذاعي يبث عبر أثير إذاعة «صوت الشعب» اللبنانية بعنوان «حكايات إبريق الزيت» مع مجموعة أطفال موهوبين. نجح البرنامج الإذاعي الوحيد في لبنان المخصص للأطفال في جذب جمهور واسع، ونال شهادة تقديرية في مسابقة برنامج الأممالمتحدة للتنمية البشرية المستدامة عام 2000. لكن الشهرة التي اكتسبها البرنامج وأثره في نفوس الأطفال، جعلت ياسر والأطفال الذين يعملون في البرنامج يفكّرون بتطويره. فصاروا ينظمون نشاطات متنوعة للأطفال كالمسرحيات وورشات العمل والأمسيات شعرية والغنائية في كذا منطقة من لبنان، فأصبح البرنامح محترفاً «لا مكان له»، كما يقول ياسر. لكن الرسم وسرد الحكايات كانا «من أبرز النشاطات التي كانت تستهوي الأطفال وتحملهم الى عالم مملوء بالخيال والفرح»، يوضح ياسر. وهذا التطوّر أكسب المحترف جائزة أخرى من منظمة اليونيسكو للمبادرة الإبداعية الفردية في التعلم المستمر عام 2009. ويعد ياسر بمشاريع كثيرة وطموحات كبيرة يحضرّ لها المحترف، لكن هذه المشاريع التي يتمنى أن تكون على قدر أحلام الأطفال تحتاج الى شراكة جديدة ودعم مادي ومعنوي مستمرين.