صادق مجلس الشعب الجزائري اخيراً على مشروع القانون الجديد المتعلّق بقطاع المحروقات، ويتألف نصه من 61 صفحة و18490 كلمة و1074 فقرة. يعتبر هذا المشروع رديئاً على المستوى التنموي، في الدرجة الأولى، وفاسداً في الشكل وناقصاً في المادة وغير شرعي ويحمل مخاطر في النتيجة السياسية. انها عمليّة غير نافذة ابتُكرت وطُلبت ودُبرت سراً على المدى البعيد ومن أشخاص السلطة منذ 1999. وإثر اعلان المشروع بعد عامين، أُخفيَ مجدداً وحاربته النقابات. ثم أُطلق بعد 20 شهراً وأُخضع للجمعية الوطنيّة للنفط من دون مناقشة "ومن دون أن يدرسه مجلس الوزراء" اذا صدّقنا قول رئيس الوزراء آنذاك. و"أُرسل الى الثلاّجة في إنتظار المحرقة" ... في استعادة لعبارة المهاجم الرسمي للمشروع المستخدمة منذ العام 2002 ، قبل أن يتحوّل الى متحمّس لمشروع القانون الرديء نفسه في 2005 . نص القانون الجديد مزيج من كلّ شيء، تم اعداده لاخفاء أساس المشروع اذ يلغي محتوى المادة 45 الغامض منه وفي سطر واحد الرابع، ومن دون أن يسمّيه بوضوح، القانون الأساسي للنفط الصادر في نيسان ابريل 1971. ونعرف ان هذا القانون يوسّع سلطة شركة النفط الوطنية سوناطراك، التي أُنشئت في 24 شباط فبراير 1971 ، الى 51 في المئة على حقول النفط التي اكتشفت حتى هذا التاريخ وتلك التي ستكتشف. ويهدف الشكل غير المباشر في إلغاء قانون أساسي في البلاد الى استبدال الاعلان الذي يفرضه القانون، بالتباس في النصوص والأنواع والأذهان، اضافة الى نصب الأفخاخ والهروب على عجل، وهي أعمال شائنة في بلد يحكمه القانون وتعد هذه الاعمال غير المشروعة "انتهاكاً له". على الصعيد الأخلاقي عموماً والأخلاق السياسية خصوصاً، فإن الحجج الكاذبة تؤثر كما تهدف، من خلال مخالفة الضمير وخداع الأذهان فضلاً عن الادعاءات التي ينطق بها المسؤولون، الى اهانة الشعب ومؤسساته وقوانينه. وان ربط مشروع القانون بضرورات اقتصاد السوق أو العولمة أو "تحديث" قطاع المحروقات ناتج عن مزيج يظهر ضعف الأفكار والخداع المتعمّد في آن. ورأينا أن "تحوّل الجزائر الى اقتصاد السوق، الذي كان متوقعاً في 2000 ، في خلال ستة أشهر"، يعني في الواقع الراهن تعزيز اقتصاد البازار و"الاستيراد - الاستيراد" والغاء الاحتكارات العامة واستبدالها بالاحتكارات الخاصة. ومن هذا المنطلق وبتسلسل منطقي، فإنّ هذا المزج يعد باقتصاد تعمّه الفوضى. ويرتكز اقتصاد السوق في المعنى الصحيح الى مبدأ ثلاثي يتكون من المؤسسة وهي مركز تحقيق الثروة السلع والخدمات معاً ومن المبادرة الفرديّة وهي المحرّك الأفضل للقدرات على الخلق في المجتمع والشفافية التي تشمل عدم مس مبادىء حريّة المبادرة والتأكيد على المنافسة الحرة. هنا تكمن قناعتنا، وهذا ما نتمنّاه لبلدنا. ولكنّ المزج بين قطاع الهيدروكربون وبين ضرورات اقتصاد السوق يحجب بوضوح وجود ضرورات مماثلة تتعلّق بتحقيق الثروة في حين ان هذه الثروة موجودة أصلاً في مجال النفط، ونتجت عن عمليّة طبيعيّة بعيداً من أي تدخّل بشريّ، وقائمة منذ ملايين العقود قبل وجود الانسان. إنّها ثروة حقيقيّة وطبيعيّة وملك الدولة، وتهدف الى تلبية مصالح الدولة أولاً. لذا تكون الشراكة الضروريّة مفيدة متى شكّل المحافظون على مصالح الدولة الغالبية، وتكون سيئة بل مضرّة إذا شكّل هؤلاء الأقليّة. ولا علاقة بين إلغاء المراقبة الاقتصاديّة على استثمار الحقول وبين مقتضيات اقتصاد السوق، والعكس هو ادعاءات. ومن فارق الامور، ان الدولة العظمى لم تعارض سيطرة ايران في عهد الشاه على الصناعة النفطية. كما لم نشاهد في الثمانينات أي معارضة لاحلال الشركة النفطية الوطنية "ارامكو السعودية" محل الشركات الاميركية العاملة سابقاً. ويُنصح نوّابنا وأعضاء مجلس الشيوخ والنقابيون بأن يحذروا من امكان خضوع نسبة 80 في المئة من الاحتياطات المستقبليّة لمراقبة مصالح اقتصاديّة أجنبيّة. فنصبح اقليّة في ادارة مجموعة حقولنا النفطيّة. اما متى يحدث هذا؟ بكلّ بساطة عندما تتجاوز الاحتياطات الجديدة التي تتراكم في المستقبل القسم المتبقّي من الاحتياطات الحاليّة. بعبارة أخرى، يعيدنا المشروع المطروح فوراً الى ما قبل العام 1971، في ما يتعلق بالاحتياطات المستقبليّة المكتشفة ولأجل محدود في ما يتعلّق بمجمل احتياطنا. من المستفيد؟ من هي مجموعات المصالح المستفيدة؟ للاجابة عن هذه النقطة، لا بدّ من التفكير بهذه العبارة التي لم يلقها مبتدىء في العداء للولايات المتحدة ولا مبتدىء ضدّ النظام العسكري "عندما نكون في الحكومة، علينا تجنب إعطاء تأثير مهمّ، سواء كان متعمّداً أو لا، للمجموعة العسكريّة ? الصناعيّة. فالخطر من ازدياد نفوذها قائم الآن وفي المستقبل. يجب ألا نسمح لهذا التهديد بأن يشكّل خطراً على حريّاتنا وديمقراطيّتنا." انّها كلمة ألقاها رئيس سابق للولايات المتحدة هو الجنرال دوايت د. آيزنهاور في خطاب للشعب الأميركي في مناسبة انتهاء ولايته الثانية في كانون الثاني يناير 1961. وفي الامس، وفي وسط مقرّ المركز النقابي، ومن المنصّة التي أعلن منها الرئيس هواري بومدين منذ 34 عاماً، أمام ممثلي العمّال في خطابه الشهير: "لقد قررنا اليوم استعادة ثرواتنا النفطيّة من خلال استعادة االسلطة على حقولنا النفطيّة بنسبة تصل الى 51 في المئة"، تمّ تمجيد سورياليّ للرابع والعشرين من شباط فبراير 1971 في سبيل الغائه على غرار المثل القائل "أعانق أخي لأخنقه بشكل أفضل...". وتبع ذلك احتفال موجّه الى اقتصاد السوق الفوضوي. وكانت الوقاحة الثأريّة وآثارها الهزليّة والمميتة في آن على موعد جديد معنا لتذكرنا دائماً بأنّ لولب الذلّ الذي نحن فيه سيستمرّ في النزول أكثر فأكثر نحو الأعمق. إن كان ما نعلنه في هذا التحذير صحيحاً، فيمكن عندئذ أن نشفق على الذين يثقلون ضمائرهم بشعور العار لانّهم سكتوا ولأنهم لم يعرفوا كيف يجنبوننا انحساراً مأسوياً أكثر من كونه صعب الفهم، وكان بلدنا مسرحه الوحيد من بين كل دول "اوبك". نشفق عليهم لأنهم عندئذ لا يستطيعون القول: "لم نكن نعلم!" * رئيس وزراء الجزائر السابق