قال وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح «إن السوق النفطية في طريقها إلى استعادة توازنها، وهناك عنصران رئيسان لعودة التوازن وهما العرض والطلب، والطلب يواصل الزيادة، مدعوماً خصوصاً بانخفاض أسعار النفط، وهذا يحدث على رغم ضعف الاقتصاد العالمي. أما العرض أو إمدادات النفط، فهي أيضاً تشهد انخفاضاً طفيفاً باتجاه الاعتدال، خصوصاً الإنتاج الآتي من مصادر هامشية مرتفعة الكلفة مثل النفط الصخري والرمال الزيتية والإنتاج من المياه العميقة. ومما ساعد أيضاً في هذا الانخفاض الطفيف في الإمدادات الاضطرابات في الإنتاج، مثل ما نتج من الحرائق في كندا، كما شهدت بعض دول أوبك أيضاً اضطرابات في إمداداتها». وقال الفالح ل «الحياة» على هامش المؤتمر الوزاري ل «أوبك» في فيينا: «رأينا نمواً قوياً في الطلب على النفط خلال عام 2015، كما كان نمو الطلب خلال الربع الأول من عام 2016 جيداً أيضاً». واستطرد قائلاً: «المحصلة الصافية للزيادة في الطلب واعتدال نمو الإمدادات هي عودة التوازن إلى السوق». وتتضح هذه العودة أيضاً في تراجع مستويات المخزونات النفطية، وفق الفالح الذي أضاف «أن استثمارات الشركات والحكومات في طاقة الإنتاج تراجعت بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية منذ هبوط الأسعار وسيصبح أثر هذا التراجع في الإمدادات مصدر قلق نوعاً ما خلال سنتين أو ثلاث». الاستثمارات النفطية وعمّا إذا كانت السعودية خفضت الاستثمارات في قطاع النفط، قال الفالح: «لا. السعودية حافظت على مستوى استثماراتها في أعمالها الأساسية في مجالات التنقيب والإنتاج والتكرير والمعالجة والتسويق. خفضنا نفقاتنا الاستثمارية عبر تقليص كلفة العقود وسحب بعض المشاريع المساندة وغير الملحة التي لا تؤثر في الإنتاج. وتمكنا في عدد من المشاريع من التوفير في الكلفة، كما في خدمات حقول النفط والهندسة وشراء المواد، وهي خدمات شهدت انخفاضاً في أسعارها. أما برنامج استثماراتنا فلا يزال قوياً وهو سائر وفق المواعيد. لدينا مشروع زيادة إنتاج حقل الشيبة إلى مليون برميل يومياً إلى جانب إنتاج سوائل الغاز الطبيعي منه. ونحن مستمرون في تمويل مشروع توسيع حقل خريص، كما نحافظ على مستوى الحفر المحتمل في كل حقولنا. وتواصل المملكة التركيز على برنامجها الضخم الخاص بإنتاج الغاز الذي سيضاعف إمدادات الغاز إلى نحو 23 بليون قدم قياسية مكعبة يومياً على مدى السنين العشر المقبلة. وتتواصل الجهود في مجال الغاز غير التقليدي، علماً بأن تأمين مزيد من الغاز سيؤدي إلى تخصيص كميات إضافية من النفط للتصدير. وبدأت جهود ترشيد الطلب على الطاقة والحفاظ عليها التي يبذلها نائب وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية الأمير عبدالعزيز بن سلمان، تؤتي ثمارها، وستؤدي خلال المدى المتوسط إلى تقليص الطلب المحلي على الطاقة في المملكة». وعما إذا كانت السعودية متمسكة بسياستها القائمة على الحفاظ على فائض في الإنتاج بواقع 1.5 مليون إلى مليوني برميل يومياً، قال الفالح: «لم نتخل عن سياستنا بإبقاء طاقة إنتاجية زائدة لذلك قلت إننا مستمرون في الاستثمارات وإنشاء المشاريع مثل الشيبة وخريص لأننا نريد الحفاظ على هذه الطاقة الإنتاجية الفائضة، التي نرى أن الحاجة ستدعو إليها قريباً عندما يختل التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط. وبالإضافة إلى هذه الطاقة الإنتاجية التي نملكها، لدينا أيضاً مخزونات كبيرة يمكن أن تعوض أي انقطاع في الإمدادات». ورداً على سؤال، قال: ليس لدينا حالياً خطط لزيادة طاقتنا الإنتاجية عن 12.5 مليون برميل يومياً، واستثماراتنا مصممة للحفاظ على هذه الطاقة الإنتاجية». لكنه لم يستبعد زيادة الطاقة الإنتاجية في المستقبل إذا واصل الطلب العالمي الزيادة. «رؤية 2030» وعما إذا كانت الخطط التي ذكرها تناقض «رؤية 2030» التي تستهدف التخلص من الإدمان على النفط قال الفالح: «إن الرؤية التي أعلنها ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان تتعلق بتنويع الاقتصاد السعودي وتنطلق من نظرة المواطن السعودي إلى دور النفط في حياته واقتصاده ودوره كمواطن ومن دور المستثمر السعودي كمستثمر فاعل في الاقتصاد، إذ يجب ألا نعتمد في شكل حصري على النفط كأداة اقتصادية وحيدة في المملكة. ولأن الانتقال الاقتصادي في أي دولة يستغرق عقوداً من الزمان يجب أن نبدأ بما كان يجب البدء به قبل وقت طويل وهو بناء قطاعات اقتصادية كبرى تساهم في اقتصاد المملكة وفي الدخل الحكومي والتقليل من الاعتماد على النفط كمنتج وحيد». وأضاف: «لكن التنويع الاقتصادي لا يعني أن الفرص المتاحة للمملكة لتعزيز استفادتها من مواردها الطبيعية بما فيها النفط ستنال اهتماماً أقل، فليس هناك أي تناقض بين تعزيز ثروة المملكة من النفط وبين التعجيل في بناء مصادر أخرى ومحركات أخرى للاقتصاد السعودي، فتحسين الدخل من النفط يساعدنا - كما بيّن ولي ولي العهد - في بناء المحركات الاقتصادية الأخرى، بما فيها الاستثمارات على الصعيد العالمي. والأمير محمد ركز على دور الاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة خصوصاً كمحرك اقتصادي جديد من خلال رؤية المملكة 2030. وهذا المحرك الاستثماري في حاجة إلى سيولة يؤمنها إنتاجنا وأصولنا النفطية». الاحتياطات النفطية وأضاف الفالح: «في ما يتعلق بالتنويع الاقتصادي والتخطيط المستقبلي، فإننا لا نتكلم عن ثلاث أو خمس سنوات، وإنما عن مسألة بعيدة المدى. وفي الوقت ذاته، تملك المملكة خُمس موارد النفط التقليدية العالمية وربما أكثر، وقاعدة الموارد الضخمة هذه تزداد أهميتها وقيمتها إذا أخذنا في الاعتبار أن كثيراً من الاحتياطات المعلنة من الدول الأخرى هي نفوط ثقيلة غير مجدية عندما تكون الأسعار متدنية، إضافة إلى ضررها الكبير في البيئة. والمملكة هي أكثر دولة ستنتج نفطاً وكل المؤشرات توضح أن النفط سيبقى يحتل حصة لا بأس بها حتى بعد 30 أو 40 سنة، وسيظل الطلب على النفط على الأرجح قوياً، خصوصاً في قطاع النقل الثقيل مثل الطيران والشحن البحري والشاحنات والسكك الحديد، إلى جانب قطاع الكيماويات. والمملكة تدير احتياطاتها النفطية بحكمة كي تستفيد منها لتحويلها إلى المحركات الأخرى للاقتصاد السعودي». وأكد أن موعد بدء إنتاج حقل خريص هو 2018. وعن سياسة السعودية المتعلقة بالدفاع عن حصتها في السوق، قال: «سياسة السعودية في شكل عام ليست مرتبطة بأشخاص، فهي تتسم بالثبات ومبنية على مصالح المملكة وعلى المبادئ البعيدة الأمد. تتغير ظروف السوق طبعاً ومواقف الدول الأخرى تتغير وتفرض علينا بعض المرات تكتيكات ومواقف قريبة المدى تأتي كتأقلم مع ظروف السوق أو مواقف دول أخرى. لكن توجهنا الرئيس لا يزال مبنياً على المبادئ والمصالح البعيدة الأمد. نقول منذ عشرات السنين إننا نريد التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين ونريد التوازن في السوق على أن تستمر في النمو وتبقى جيدة لأن ذلك يخدم مصالحنا البعيدة المدى. ونحن نحاول دائماً أن نفهِم شركاءنا في أوبك أن ذلك لمصلحتهم أيضاً. لكن للأسف ثمة دول تميل إلى الأولويات القريبة المدى استجابة لضغوط قريبة المدى. وللسعودية نفس طويل، فنحن دائماً نتبنى المنظور البعيد المدى».