جاء هذا السفر إلى الأندلس متأخراً. كنت في مدريد العام 1994، مع جمع من الصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين، لحضور فعالية تضامنية مع الشعب الفلسطيني. تحمس الصحافي ابراهيم دعيبس ومعه زميلان آخران، لرحلة في السيارة إلى غرناطة. اقترحوا عليّ أن أرافقهم، لم أتحمس للاقتراح، لأن المسافة طويلة جداً بين مدريدوغرناطة. ندمت على الفرصة الضائعة، حينما عاد الزملاء من رحلتهم وراحوا يتحدثون عن جمال الأندلس، وعن روعة قصر الحمراء. كانت تلك هي زيارتي الثالثة لمدريد، التي أجد فيها راحة واستمتاعاً كلما زرتها، على رغم ضخامتها واصطخاب الحياة فيها. زرتها للمرة الأولى العام 1988، وأنا مقيم في مدينة براغ. ذهبت إلى مدريد في عداد وفد حزبي برئاسة نعيم الأشهب، حللنا ضيوفاً على الرفاق الإسبان، أجرينا محادثات معهم، لها علاقة بالقضية الفلسطينية. كنا في ساعات الفراغ نتجول في المدينة على هوانا، نمشي مسافات طويلة ثم نعود إلى الفندق، نتفرج أثناء ذلك على ساحات المدينة، وعلى التماثيل التي تعتلي أسطحة البنايات. لم نغادر مدريد إلى خارجها سوى مرة واحدة، حينما أخذنا مضيفونا إلى مدينة "طوليدو" طليطلة. في إحدى قاعات المدينة، معرض يشتمل على رسوم للرسام الغريكو، ذي الأصول اليونانية. شاهدنا عدداً من لوحات هذا الفنان الذي عاش في القرن السابع عشر، لوحات كلاسيكية توحي بالمهابة. في المدينة أيضاً كثير من المحلات التجارية التي تبيع التحف والبطاقات والمنحوتات. اشتريت منحوتة معدنية تمثل دون كيشوت راكباً على فرسه وخلفه تابعه سانشو بانزا. جئت إلى مدريد مرة ثانية العام 1989 لحضور مؤتمر للحزب الشيوعي الإسباني. حضر المؤتمر عدد كبير من ممثلي الأحزاب السياسية من مختلف بقاع العالم. حظيتُ آنذاك برؤية دولوريس إيباروري، المناضلة الإسبانية ضد الفاشية أيام الحرب الأهلية الإسبانية. رأيتها تدخل قاعة المؤتمر بخطوات واهنة. إنها امرأة نحيلة في الرابعة والتسعين من عمرها. جلستْ على المنصة مع القادة الجالسين هناك. لم تقدم خطاباً، ولم تجلس طويلاً. نهضت ومعها بعض المرافقين. غادرت القاعة وسط تصفيق الحاضرين، الذين ما زالوا يقدرون نضالها. ستموت أواخر ذلك العام نفسه. تعطلت أعمال المؤتمر في الليلة الأخيرة، بسبب بعض الخلافات. ذهب مسؤولون من رئاسة الحزب والمؤتمر إلى قاعة مغلقة، للتفاوض والمساومة. بقي أعضاء المؤتمر ومعهم الضيوف الأجانب ينتظرون في القاعة. اقترح أحد الأعضاء اقتراحاً طريفاً. اقترح على زملائه أن يقطعوا الوقت بسرد النكات. لقي اقتراحه موافقة فورية. أخذت نساء ورجال يصعدون إلى المنصة، يروون نكات من تحت الزنّار. ظل المؤتمرون يقهقهون إلى أن انجلت الأزمة بعد ساعة أو أكثر قليلاً. قبل سنة كنت في الجزائر لحضور دورة المجلس الوطني الفلسطيني، تعطلت أعمال المجلس قبيل الاختتام، بسبب خلافات بين الفصائل الفلسطينية. استثمر بعض الشعراء الفلسطينيين ذلك، بقراءة نماذج من أشعارهم على أعضاء المؤتمر! في الحالة الفلسطينية، لا يمكن أن يبادر أحد إلى مثل مبادرة ذلك الإسباني الظريف. ذهبت أنا وأحد أعضاء الحزب في جولة عبر شوارع مدريد وأحيائها. جلسنا أثناء ذلك في المقهى الذي اعتاد إرنست همنغواي الجلوس فيه. تأملت المقهى، تذكرت كتابات همنغواي التي تضج بالحياة وبالأسى. كان ذلك بحد ذاته باعثاً على السرور الممتزج بشيء من الإحساس بالخسران. ولم أكن أعرف شيئاً عن جمال الأندلس. كانت الذاكرة تعي أشياء عن تلك البلاد، لما لها من علاقة بالتاريخ العربي، بأمجاده وهزائمه سواء بسواء. وكنت أسمع بعض المعلومات المثيرة عن روعة المعمار في غرناطة، في قصر الحمراء بالذات. ذهبت إلى هناك في شهر تموز يوليو من العام 2003 بدعوة من جمعية القدس للتضامن مع شعوب البلدان العربية، التي تضم في عضويتها أعداداً من الإسبان ومن العرب والفلسطينيين المقيمين في إسبانيا. جاءت الدعوة بمناسبة صدور مجموعة قصصية مترجمة من العربية إلى الإسبانية، لعدد من الكاتبات والكتاب الفلسطينيين. كانت لي في الكتاب خمس عشرة قصة قصيرة جداً. اختار اتحاد الكتاب أعضاء الوفد: فاطمة حمد، صافي صافي، وأنا. مالقة: بيكاسو وصلتُ مطار مالقة ليلاً. وجدت في انتظاري، صافي، الذي وصل قبلي بيوم واحد، وأخاه محمد اسماعيل الذي يقيم في إسبانيا منذ خمس وثلاثين سنة، ويعمل طبيباً نفسياً في أحد مستشفيات مالقة، وهو إلى ذلك يمارس الكتابة القصصية والترجمة بين الحين والآخر. محمد رجل ذكي شديد الحيوية، متحمس للأدب. تعارفنا، وأكد لي أنه كان أحد طلاب المدرسة الهاشمية الثانوية في مدينة البيرة، حينما كنتُ مدرساً فيها أواسط الستينات من القرن الماضي. أخذنا محمد إلى بيته. قاد سيارته في الشارع المتعرج بسرعة زائدة، أو هكذا خيل الي، ما جعلني متوجساً طوال الوقت. ستتكرر هذه السرعة في الأيام التالية، سيجدها محمد أمراً عادياً، سأجدها أمراً مربكاً. هذا الإيقاع السريع يربكني! أشرح له: في شوارعنا تكثر الحواجز الإسرائيلية، ما يجعلنا غير قادرين على قيادة سياراتنا بسرعة، حتى لو أردنا ذلك! قدمني محمد إلى زوجته الإسبانية، غلوريا، وهي امرأة مهذبة لا تعرف سوى القليل من العربية. سلّم عليّ طفله، اسماعيل، على اسم جده الذي لا يتجاوز الثانية عشرة من العمر، ولا يعرف سوى القليل من العربية أيضاً. رأيت على الحائط صورة لوالديّ محمد: فلاح وفلاحة من فلسطين. هذا ما يفعله الفلسطيني في المنفى، يستعين ببعض الرموز التي تذكره بالوطن، لكي يتمكن من مواصلة العيش. تناولنا عشاء خفيفاً في البيت، ثم أوصلني محمد إلى فندق "زينيت" ذي الطوابق الخمسة، الذي لا يبعد كثيراً من مركز المدينة وقلعتها الأثرية. خلال الأيام التالية، سنتمشى في شوارع مالقة مرات عدة. نذهب إلى أول الطريق الصاعدة إلى القلعة الأثرية، لا نصعد التل الذي تربض فوقه القلعة الموروثة من زمن العرب الأندلسيين، لا نصعد لأننا سنكون مشغولين بأشياء كثيرة. سأظل نادماً على ذلك باعتباره احدى خسارات السفر. نذهب إلى البيت الذي ولد فيه بابلو بيكاسو، ابن مالقة، وعاش فيه أول حياته ثم غادره نهائياً إلى برشلونة ومن ثم إلى باريس. أصبح البيت متحفاً يشتمل على أعمال فنية لبيكاسو، وعلى بعض أثاث الأسرة التي سكنته زمناً. "دون كيشوت" بالانكليزية نزور مكتبة مملوءة بالكتب بلغات شتى. أشتري كتباً باللغة الانكليزية. أشتري نسخة مبسطة باللغة الانكليزية للفتيات والفتيان من كتاب "دون كيشوت" لسيرفانتس. أشتري مجلداً يحوي كل أعمال الكاتب الأميركي إدغار ألن بو القصصية والشعرية. أتعرف إلى فلسطينيين وعرب مقيمين في مالقة، هم في الوقت نفسه ناشطون في إطار جمعية القدس، من أجل التعريف بالقضايا العربية وجذب التأييد لها. يأخذنا مضيفونا إلى مطعم قرب شاطئ البحر، كريستينا روز كورتينا سييرا التي اهتمت بنا أثناء الرحلة، جاءت إلى فلسطين قبل عامين، ضمن وفد شعبي إسباني للتضامن معنا، لم أكن أعرفها آنذاك. وعدت بزيارة فلسطين مرة أخرى ولم تنجز وعدها حتى الآن. نأكل سمكاً لذيذاً، فيما مئات الرجال يسبحون في البحر، مئات النساء كذلك يسبحن أو يتمددن على الرمل، عارضات أجسادهن لشمس تموز اللاهبة. يبدو المشهد بهيجاً إلى حد كبير. اتخذنا من مالقة نقطة انطلاقنا إلى مدن أندلسية أخرى. تطوّع محمد اسماعيل لمرافقتنا طوال أيام الرحلة، ولنقلنا في سيارته بالسرعة الزائدة نفسها. ذهبنا إلى إشبيلية في يوم حار، دخلنا المدينة المستسلمة لأشعة شمس لا ترحم. جاءنا أحد المضيفين وأخذنا إلى أهم موقع أثري في المدينة: مسجد كبير تحول إلى كنيسة في ما بعد. اختلطت زخارفه الإسلامية بزخارف مسيحية لاحقة. زرنا قصراً كثير الغرف والصالات، اختلطت فيه الزخارف كذلك. تمشينا على رغم حرارة الطقس في الحي القديم من المدينة حيث الأزقة الضيقة والأسواق التي تذكر بتاريخ مضى. حينما حان موعد الغداء، اتجهنا إلى مطعم مزدحم بالزبائن، وجدنا هناك عدداً من أعضاء جمعية القدس في إشبيلية. تعارفنا وتناولنا معاً طعام الغداء. بعد ذلك أخذنا أحد المضيفين إلى شقته للراحة. ارتحنا هناك ساعتين أو أكثر قليلاً، استمعنا أثناء ذلك إلى موسيقى أندلسية شجية. مساء، اتجهنا إلى المركز الثقافي في المدينة. دخلنا القاعة التي يتعين علي أن أتحدث فيها عن أوضاعنا تحت الاحتلال. تحدثت وكان محمد اسماعيل يترجم ما أقوله. كان تجاوب الجمهور كبيراً. تناولنا طعام العشاء في مطعم تنتشر موائده في موقع مكشوف قرب الرصيف. كان القمر يطل علينا من فوق أسطح البنايات مضفياً على الجلسة شاعرية ما، شاركَنَا العشاء عددٌ غير قليل من الإسبان والعرب والفلسطينيين المقيمين في إشبيلية، وجرت بيننا حوارات ممتعة. ظل العرب الذين كانوا هنا قبل مئات السنين يخطر بالبال مثل ذكرى بعيدة محزنة. قرطبة: ابن رشد في اليوم التالي، ذهبنا إلى قرطبة. أتذكر الفيلسوف ابن رشد الذي ولد في قرطبة، وعاش بعيداً منها، وحينما مات نقل رفاته إليها ليدفن فيها كان الطقس حاراً. تجولنا في المدينة. التقطت فاطمة صوراً لنا، والتقطنا بالكاميرا التي أحضرتها معها، صوراً لها بالقرب من تمثال يشير إلى الشاعرة ولادة بنت المستكفي وعشيقها الشاعر ابن زيدون. التمثال مختزل في يدها ويداه مرفوعتان متقاربتان، وعلى حجر التمثال حفر النحات اسمه واسمها. سجن ابن زيدون وهرب واختفى وتغرب بسبب حبه لولادة، ومنافسة ابن عبدوس له في حبها، وظل يكتب فيها شعراً، إلى أن مات في إشبيلية بعيداً من قرطبة، أما هي فقد كفّت عن حبه وهجته هجاء مراً. عمّرتْ طويلاً ولم تتزوج ذهبنا إلى الحي القديم في قرطبة. راقت لنا الأزقة الضيقة التي لا تدخلها الشمس بسبب التصميم الخاص للبيوت التي ترتفع من حولها، ما يجعل طقس الأزقة عذباً محتملاً على رغم ارتفاع حرارة الشمس في الخارج. دخلنا الحوانيت التي تبيع المطرزات وغيرها من منتجات الحرف الشعبية. دخلنا سوقاً قديماً من زمن سابق، شاهدنا تمثالاً لموسى بن ميمون، العلم اليهودي البارز في ثقافة الأندلس. ذهبنا إلى مسجد قرطبة الشهير، وصلناه متأخرين ولم نتمكن من دخوله. خسارة أخرى من خسارات السفر!. اتجهنا إلى البرج الأثري القديم الذي تحول إلى مركز ثقافي. يقع البرج على شاطئ نهر الوادي الكبير، قطعنا الجسر العريض. صعدنا إلى أعلى البرج عبر درج لولبي، كان الوقت مساء والقمر يرسل نوره الرخي، وثمة ريح شديدة تهب على المساحة المكشوفة فوق قمة البرج. جلسنا هناك أمام حشد من المواطنين، تحدثنا عن معاناتنا تحت الاحتلال، ثم قمنا بالتوقيع على نسخ الكتاب لمن ابتاعوه من أبناء قرطبة وبناتها. بعد الندوة جلسنا في مقهى على شاطئ النهر، تسامرنا مع رجال ونساء من إسبان وعرب حتى الساعة العاشرة، كان بين الحضور طالب فلسطيني من نابلس يدرس في جامعة قرطبة غادرنا المقهى إلى السيارة. عاد بنا محمد اسماعيل إلى مالقة. وصلناها متأخرين، كنت مرهقاً، وكان عليّ أن أستعد لرحلة الغد، إلى غرناطة. غرناطة لوركا وما يأتي بعدها اتجهنا نحو غرناطة في الصباح. زرنا في طريقنا إليها، قرية فونتي فاكيروس، نبع رعاة البقر القرية المسترخية فوق سهل منبسط، التي ولد فيها شاعر إسبانيا الكبير، غارسيا لوركا. دخلنا بيت لوركا الذي أصبح متحفاً. من هذا البيت اقتاد الفاشيون فيديريكو غارسيا لوركا إلى الجبال لكي يقتلوه. البيت يتكون من طابقين ويدلل على أسرة فلاحية غنية. على جدرانه ملصقات لها علاقة بكتب لوركا ومسرحياته. في الطابق الثاني رسوم وصور فوتوغرافية، تجمع لوركا مع عدد من أصدقائه ومعارفه، ومن أبرزهم الرسام الإسباني، سلفادور دالي. ثمة لوحة لفتاة تنظر عبر النافذة، رسمها سلفادور دالي، وهي تمثل أخته التي كانت تربطها علاقة حب مع لوركا، كما تذهب بعض المصادر إلى القول. ثمة خارج البيت من الجهة الخلفية ساحة وبئر ماء. ثمة حياة كاملة لا ينقصها إلا الشاعر الذي اغتيل في عز الشباب. سانتافي سي غادرنا قرية لوركا، اتجهنا إلى قرية لا تبعد من غرناطة سوى عشرة كيلومترات، اسمها سانتافي سي. توقفنا عند بيت ريفي في القرية تقيم فيه أربع أسر. شبان أندلسيون متزوجون من شابات أندلسيات، ويقيمون في بيت واحد، إنهم ليسوا أخوة أو أقارب، لا يربطهم شيء سوى الصداقة، إنه شكل لافت للانتباه من أشكال التعايش الجماعي في وقت ينزع الناس إلى الانعزال عن بعضهم بعضاً. الأسر الأربع مؤيدة للجنة التضامن وتنشط في إطارها. جرى تعارف بيننا ثم تناولنا طعام الغداء الذي أعدته نساء البيت. وربما رجال البيت أيضاً. قصر الحمراء: قصة حفيد أخذتنا إحدى نساء البيت، وهي امرأة شابة متينة القوام، بسيارة فورد اتسعت لنا جميعاً، إلى غرناطة. اتجهنا إلى قصر الحمراء. كان في انتظارنا أستاذ جامعي يتقن العربية، اسمه خوسيه ميغيل، متخصص في التاريخ العربي في الأندلس، متزوج من فتاة عربية دمشقية. جلستْ معنا في أحد المقاهي، وكانت معها طفلتها. تأملت أفراد الأسرة الصغيرة ثم كتبت بعد ذلك في دفتري، قصة قصيرة جداً: خوسيه ميغيل تزوج بنتاً من الشام. بنتاً من الشام تزوج خوسيه ميغيل حينما جاء من غرناطة إلى دمشق، باحثاً عن أثر ما. البنت الجميلة التي من الشام تعيش الآن مع خوسيه ميغيل في بيتهما الوادع في غرناطة. حينما رأيتها ومعها طفلتها الصغيرة، لم أخبرها بأن أحد أحفادي سيأتي بعد عشرين سنة، إلى غرناطة، لكي يدرس في جامعتها، يقع في حب ابنتها، يعقد قرانه عليها في المسجد المطل على قصر الحمراء، يعود بها إلى القدس، لتعيش فيها، إلى أن تصبح جدة ولها عشرة أحفاد. اصطحبنا خوسيه إلى أبهاء القصر وصالاته المختلفة. تفرجنا على تحفة من تحف الفن المعماري العربي، التي ما زالت تثير الإعجاب حتى اليوم بإتقانها الشديد، وبتصميماتها التي تأخذ في الاعتبار كيفية الافادة من الضوء الطبيعي ومن حرارة الشمس وغير ذلك من تقلبات الطقس على مدار العام. دخلنا قاعة الأسود، أشار إليها خوسيه ميغيل وراح يبحث عن كلمة عربية مناسبة لوصف خروج الماء من أفواهها. قلت: الأسود تمجّ الماء من أفواهها. قال: فعلاً هذه هي الكلمة التي أبحث عنها. شاهدنا الممرات المختلفة التي توصل إلى القاعات أو إلى الغرف. لفت خوسيه ميغيل انتباهنا إلى الأقواس التي تنتصب على أطراف الممرات وأهمية تصميم الفراغات في ما بينها بحيث يتركز الضوء الوافد من الساحة المكشوفة وسط القصر، وينقذف نحو الممرات. شاهدنا الغرف السفلية في القصر: الحمامات والسجن وغير ذلك. شاهدنا القلعة الصغيرة التي سجنت فيها امرأة لحجبها عن عشيقها الذي سجن في قلعة أخرى مجاورة. من نوافذ القصر شاهدنا في الجهة المقابلة، حي البايثين، ببيوته ذات اللون الأبيض والسور الذي يصعد على امتداد الجبل، وهو سور أثري كان يحمي المدينة من غزوات المعتدين. محمد اسماعيل قال: ربما كان اسم الحي مشتقاً من الكلمة العربية "البائسين" على اعتبار أنه حي شعبي فقير!. طعام العشاء تجولنا في المدينة. مشينا في شوارعها وأزقتها القديمة. تحدثنا في ندوة حضرها جمهور من أبناء غرناطة وبناتها. ذهبنا لزيارة مسجد افتتح في وقت قريب ويقع على جبل مقابل لقصر الحمراء. تناولنا طعام العشاء في مطعم في الحي الواقع على قمة الجبل. ركبنا سيارة الفورد عائدين إلى قرية سانتافي سي، قادت السيارة المرأة الشابة نفسها. شعرت بامتنان زائد نحوها وأنا أراها تقود السيارة بثقة، وتقطع المسافات باعتداد. ودعنا أفراد الأسر الأربع، ثم انطلقت بنا سيارة محمد في الليل قاطعة سهول الأندلس، عائدة بنا إلى مالقة.